يتطور مجال علم الجينوم بسرعة، وبخاصة أن اختبارات الحمض النووي المنزلية أصبحت منتشرةً، وسعرها مقبول. تطبيق هذه الاختبارات بسيط للغاية، إذ ترسل الشركة للعميل أدوات لجمع العينة، ثم يعيد العميل إرسال العينة التي تؤخذ من اللعاب، أو مسحة الخد. عندها ترتب الشركة العينة وفق تسلسل معين وتحللها، ثم ترسل النتائج خلال فترة وجيزة.
على الرغم من ذلك لو ألقيت نظرةً معمقةً على اختبارات الحمض النووي هذه، ستجد أنها تحمل معها الكثير من المخاطر غير الواضحة، وغالبًا ما يكون العملاء غير مدركين بدقة لما يقومون به.
ها هي بعض العوامل التي يجب مراعاتها عند التفكير بأخذ هذا الاختبار.
اختبارات الحمض النووي المنزلية للنسب:
اختبارات النسب هي من أكثر أنواع الاختبارات المنزلية شيوعًا وتوفرها العديد من الشركات المتنوعة.
يُسوّق لاختبارات النسب المنزلية على أنها طريقة لاكتشاف أصول الأسلاف، والأنساب. لكنها تعطي نتائج متغيرةً، وغير ثابتة، باعتبار أن كل شركة تستخدم طرقًا وأساليب مختلفةً للتحليل أو حتى لتصنيف الأعراق والأجناس.
على سبيل المثال دونت سيدة عن تجربة حصولها على ثلاث نتائج مختلفة لاختبار الحمض النووي المنزلي بعد إرساله لثلاث شركات مختلفة لتحليله.
وفي مثال آخر تضمنت تجربة أُجريت عام 2019 إرسال الحمض النووي لتوائم متطابقة إلى خمس شركات مختلفة، وكانت نتائج الاختبار مختلفةً بين الشركات بشكل مذهل.
يرجّح مارك غيرستين خبير المعلومات الحيوية في جامعة يال أن سبب الاختلاف هو استخدام خوارزميات مختلفة لمعالجة البيانات الأولية.
اختبارات الحمض النووي المنزلية للصحة:
تتضمن اختبارات الحمض النووي المنزلية قطاعًا واسعًا من الحالات الطبية التي يمكن فحصها. إذ يُزعم أن أحد الاختبارات له إمكانية تزويد العميل باحتمالات تنبؤية لخطر الإصابة بسرطان الثدي أو ألزهايمر. وأيضًا تكشف اختبارات حمل الأمراض احتمالية نقل وتوريث هذه الأمراض إلى الأطفال.
لكن النتائج المتناقضة تظهر هنا أيضًا، إذ قد تشير إحدى الشركات إلى احتمالية عالية للإصابة بسرطان القولون مثلًا، بينما تشير شركة أخرى إلى احتمال خطر أقل بكثير.
كل هذا من دون أخذ العوامل الممرضة الأخرى بعين الاعتبار. إذ إن الجينات ليست العامل الوحيد لحدوث الأمراض الخطيرة والمعقدة.
ذكر تحقيق أجراه مكتب المحاسبة في الحكومة الأمريكية، أن اختبارات الحمض النووي الجينية المنزلية في أربع شركات مختلفة أسفرت عن نتائج متنوعة للغاية، وخلص التقرير إلى أن: «نتائج الاختبارات التي تلقيناها مضلِّلة، وغير عملية بالنسبة للعملاء، وأجمع العملاء الذين تحدثنا معهم أن مزاعم الشركات حول نتائج الاختبارات غامضة ومخادعة».
الاختبارات الجينية التي تُجرى في العيادات تكون محكومةً بالكثير من القواعد والقوانين، بينما تخضع الاختبارات المنزلية في الغالب إلى شروط، وأحكام، وسياسة خصوصية الشركة الخاصة بها. ومن المعتاد أن تكون هذه الشروط والأحكام المكتوبة طويلةً جدًا، وصعبة القراءة بالنسبة للكثير من العملاء.
قيمة تنبؤية منخفضة:
نوع آخر من اختبارات الحمض النووي الجينية المنزلية هو”اختبار المواهب” الذي تزعم الشركات أنه يحدد للأبوين ما إذا كان طفلهما ذا مستوى ذكاء مرتفع، أو أنه سيبرع في نشاطات معينة مثل الرياضة أو الموسيقى.
هذه الاختبارات ليست معتمدةً، ولا يوجد دليل واضح، وقوي على لعب الجينات دورًا كبيرًا في تطور المواهب.
فيما يتعلق باختبارات المواهب المنزلية التي تحدد “القدرة الرياضية”، جاء في بيان إجماعي، نشرته المجلة البريطانية الطبية للطب الرياضي: «نتفق على أن القيمة التنبؤية لمثل هذه الاختبارات الجنينة للمواهب التي تدل على الاستجابات التدريبية، أو تحدد المواهب هي صفر فعليًا».
على الرغم من ذلك، تزداد شعبية اختبارات المواهب المنزلية وبخاصةٍ في الصين. وما يثير القلق بالتحديد هو أن هذه الاختبارات قد تعزز فكرة حتمية الجينات، وهي نظرية غير دقيقة تشير إلى أن الجينات هي السبب الوحيد الذي يجعلنا نمتلك قدرات معينةً.
ما يسمى باختبارات “الخيانة الزوجية” يشكل جدلًا كبيرًا، إذ يرسل العملاء عينات من الحمض النووي لأشخاص آخرين من دون موافقتهم، وذلك لمعرفة ما إن كان شريكهم يخونهم أم لا.
بعيدًا عن كون هذه الاختبارات المنزلية غير أخلاقية، وغير قانونية في الكثير من البلدان، تؤخذ العينات على الأرجح من أماكن مثل شراشف السرير، أو كؤوس النبيذ وتكون غير موثوقة غالبًا.
النتائج غير الدقيقة ليست سوى بداية المشكلة:
حالما تصبح بيانات الحمض النووي في أيدي شركة -مع وجود معظم الشركات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية- فإنها ستبقى بحوزة الشركة حتى وقت غير معلوم. وبعكس أي شيفرة سرية لا يمكن تغيير الشيفرة الوراثية للجينات في حال حدوث أي مكروه.
بما أننا نتشارك الكثير مع الجينات مع أقاربنا، وأفراد أسرنا، فإن الكشف عن بيانات الحمض النووي قد يسبب مشكلات لخصوصية الأقارب أيضًا.
وجدت إحدى الدراسات عام 2018 أن العديد من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، ذوي الأصول الأوروبية يمكن التعرف عليهم إن قام أحد أقربائهم من الدرجة الثالثة، أو أقرب بوضع حمضه النووي في قاعدة بيانات شركةٍ ما.
وهناك أيضًا خطر حدوث اختراق، أو انتهاك لبيانات شركات الاختبار المنزلي للحمض النووي، تأثرت مسبقًا عدة شركات بالفعل بمثل هذه الهجمات.
يمكن أيضًا استخدام المعلومات الجينية في التحقيقات الجنائية ما يعني أن هذه المعلومات قد تُشارك مع وكالات تطبيق القانون الأمر الذي فعلته إحدى الشركات سابقًا أيضًا. وقد تشارك المعلومات أيضًا مع السلطات المعنية بشؤون الهجرة أو مع أية هيئات حكومية أخرى؛ قد تستخدم بياناتك (أو بيانات أقربائك) ضدك.
إضافةً إلى ذلك قد تستخدم شركات التأمين بيانات الأشخاص لتحديد المخاطر المحتملة، وتكلفة تغطيتها. ففي عام 2018 عقدت شركة أمريكية للتقانة الحيوية شراكةً مع شركة تأمين صحي في الصين.
وعلى نحو مماثل دخلت إحدى شركات اختبارات الحمض النووي المنزلية في شراكة مع ما يزيد على 14 شركة أدوية، بهدف عمل المزيد من الأبحاث على الأمراض، وتطوير أدوية وعقاقير جديدة. تستفيد الشركات في هذه الشراكات من بيانات العملاء من دون تعويضهم.
ستة أسئلة عليك إجابتها قبل الضغط على زر “موافق”:
يؤدي نقص التنظيم في مجال الجينومات الشخصية، وشركات تحليله إلى استحالة التنبؤ بالطريقة التي ستُستخدم بها البيانات الجينية.
لذلك يجب التفكير ببعض الأشياء قبل اتخاذ قرار بإجراء اختبار مشابه:
- بأخد حساسية المعلومات، والمخاطر المحتملة بعين الاعتبار، هل أنت مرتاح لفكرة الشروط، والأحكام التي -على الأرجح- لم تقرأها؟
- العديد من الجهات الخارجية قد تكون مهتمة بالحصول على معلوماتك الجينية، هل أنت مطمئن لمشاركتها؟
- هل تدرك أنك لا تملك أي حق قانوني في تقرير كم ستظل معلوماتك الشخصية مُحتفظًا بها؟
- إن كنت ستجرب الاختبار المنزلي بسبب حالة طبية معينة، هل استشرت طبيبك بذلك؟
- كيف ستتصرف إن كانت نتائج الاختبار المنزلي لنسبك لا تتوافق مع أفكارك عن هويتك؟
- ماذا سيكون شعورك إن غيّرت الشركة سياساتها، ومنعتك من الوصول حتى لبياناتك الخاصة؟
اقرأ أيضًا:
الحمض النووي، ماهيته، هيكله، واكتشافه
ما هو اختبار الحمض النووي وكيف يتم؟
ترجمة: ميس مرقبي
تدقيق: منال توفيق الضللي