قبل عشرين سنة، حاول الأطباء لأول مرة تجديد قلب بشري مصاب بقصور عبر حقن خلايا مولدة للعضل في القلب في أثناء جراحة المجازة (bypass operation)، ومع ارتفاع الآمال المبدئية وإجراء العديد من الدراسات التجريبية والسريرية منذ ذلك الوقت، فإن نتائج العديد من محاولات إعادة تعضيل remuscularize القلب كانت إما محايدةً أو إيجابية بدرجة طفيفة؛ بيد أن الدراسات الأخيرة أظهرت وجود بعض السبل التي قد تكون فعالةً مستقبلًا في إصلاح القلب بعد النوبة القلبية.
شرح تسعة خبراء في مجلة الجامعة الأمريكية لأمراض القلب في أحدث المراجعات بعض الدراسات المنشورة مسبقًا في مجال إصلاح القلب وتجديده، ويقولون إنه ثمة أمل بتحقيق الاستراتيجيات الحالية والمستقبلية علاجات قلبية إصلاحية قابلةً للتطبيق طبيًا.
يكمن التحدي في موت بعض الخلايا العضلية القلبية بعد النوبة القلبية؛ ما يؤدي إلى تكوّن ندبة تُضعف القلب وتؤدي في نهاية المطاف إلى قصوره. يُعزى عدم إصلاح الضرر إلى القدرة المحدودة لدى الخلايا العضلية القلبية عند الثدييات على التكاثر، باستثناء الفترة الوجيزة التي تسبق الولادة.
اهتم الخبراء في هذه الدراسة بثلاثة مواضيع، أولها التجارب السريرية الحديثة التي حظيت بنتائج مثيرة للاهتمام، ثانيها شيوع استخدام المنتجات المشتقة من الخلايا مثل الإكسوسومات Exosomes في الوقت الراهن عوضًا عن استخدام الخلايا العضلية لإصلاح القلب المصاب، وثالثها هو مناقشة تجارب مستقبلية محتملة لاستبدال الندبة العضلية القلبية بخلايا عضلية قلبية، عبر عكس الدورة الخلوية للخلايا القلبية الموجودة بالأساس بدلًا من محاولة حقن خلايا خارجية، تسعى المحاولات المثيلة لهذه إلى عكس عجز الخلايا العضلية القلبية عند الثدييات على التكاثر.
إصلاح القلب في التجارب السريرية
تضمنت إحدى التجارب السريرية التي راجعتها الدراسة إعطاء خلايا مشتقة من الكريات القلبية Cardiosphere-derived cells لمرضى مصابين بالحثل العضلي الدوشيني Duchenne muscular dystrophy، وهو مرض يصيب القلب والعضلات الهيكلية.
الخلايا المشتقة من الكريات القلبية هي نوع من الخلايا القلبية السدوية أو البدائية التي تتميز بفاعليتها المناعية والمضادة للتليف بالإضافة إلى قدرتها على الإصلاح، في العضلات القلبية والهيكلية المصابة على حد سواء.
في تجربة سريرية في سبيل إصلاح القلب سُميَت HOPE-2، أُعطيَت جرعات وريدية متكررة ومتسلسلة من الخلايا المشتقة من الكريات القلبية لمرضى مصابين بالحثل العضلي الدوشيني، كان معظمهم عاجزًا عن المشي. بينت النتائج المبدئية أمان العملية، إضافةً إلى تحسّن ملحوظ في مؤشرات القلب، من ضمنها تحسّن في الجزء المقذوف للبطين الأيسر ونقصان حجمه.
تُعَد هذه التجربة السريرية الأولى التي درست فعالية العلاجات الخلوية التي تُعطى عبر نظام جرعات متكررة متسلسلة لأي داعٍ قلبي، وفعالية إعطاء الخلايا المشتقة من الكريات القلبية عبر الحقن الوريدية، وهي الأولى التي توصلت إلى أدلة على فعالية العلاجات لدى مرضى الحثل العضلي الدوشيني العاجزين عن المشي.
يقول الخبراء إن سمتين من سمات هذه التجربة السريرية قد تُحدث تغيرات جذرية في التجارب المستقبلية في موضوع إصلاح القلب : إيصال الخلايا المستهدِفة للقلب عبر الحقن الوريدية بدلًا من إيصالها بالوسائل الجراحية، واستخدام الجرعات الخلوية المتكررة المتسلسلة.
إصلاح القلب بواسطة نتاجات الخلية المشتقة
أوضحت التجارب أن الخلايا المزروعة في القلب تفشل في النجاة في الكثير من المرات، ومع ذلك لاحظ الباحثون تحسنًا في أداء القلب رغم تخلص الجسم من الخلايا المزروعة. أدى هذا إلى نشوء فرضية أن الخلايا المزروعة لم تكن تعمل بمثابة بديل للخلايا المفقودة، بل بمثابة معزز لمسارات إصلاح القلب الداخلية بإطلاق مجموعة واسعة من الجزيئات الحيوية التي تتمتع بخصائص إصلاحية للأنسجة.
وأدى ذلك إلى دراسة استخدام النتاجات المستخلصة من الخلايا بدلًا من زراعتها، تتضمن معظم هذه المنتجات الخلوية جزيئات حيوية مثل البروتينات والأحماض النووية غير المشفرة، مغلفة بحويصلات صغيرة تفرزها الخلايا طبيعيًا.
عندما تندمج الحويصلات -من ضمنها الإكسوسومات- مع الخلايا المستقبلة، تتمكن الجزيئات الحيوية في داخلها من تعديل مسارات التأشير الخلوي.
لاستخدام الحويصلات أو الإكسوسومات في إصلاح القلب عدة مزايا، من ضمنها بساطة عمليات تصنيعها مقارنةً بالخلايا الحية، وإمكانية التحكم بجودتها وقوتها، وإمكانية حفظها بالتبريد لتسهيل إعطائها.
كان النهج البديل لحويصلات النتاجات الخلوية هو حقن الخلايا الجذعية؛ لقدرتها على تحفيز عمليات إصلاح القلب عبر إفراز جزيئات نشطة حيويًا، التي تعمل مثل الهرمونات نظيرة الصماوية ذات التأثير قصير المدى.
لكن يقول الباحثون إنه قبل استخدام أي من هذه المنتجات الخلوية لأجل إصلاح القلب في التجارب الأولية، ينبغي أولًا إجراء المزيد من التجارب لتنقية تلك النتاجات، وتحديد طرائق إيصالها إلى هدفها، ومدى كفاءة الجرعات المتكررة.
تكاثر خلايا القلب الأصلية
تناول موضوع المراجعة الأخير إمكانية إصلاح القلب عبر توليد الخلايا القلبية داخليًا؛ أي إجبار الخلايا القلبية الأصلية الموجودة بالفعل على الانقسام، أو إجبار خلايا أخرى على أن تصبح خلايا عضلية قلبية.
تستطيع الخنازير تجديد خلايا عضلة القلب لبضعة أيام بعد الولادة فقط، ولكن في دراسة استثنائية، تسبب العلماء بأذى في قلوب الخنازير عبر إزالة جزء من قمة البطين الأيسر بعد الولادة بيوم واحد، ثم حرضوا نوبةً قلبيةً تجريبيةً بعد الولادة بثمانية وعشرين يومًا.
لوحظ أن الخنازير في مجموعة الضبط في تجربة إصلاح القلب -التي لم يُستأصَل منها جزء من القلب- لم تحظَ بأي إصلاح للضرر الذي أحدثته النوبة القلبية في اليوم السادس والخمسين، في المقابل، حظيت الخنازير التي استؤصل منها جزء من القلب في اليوم الأول ثم أصيبت بنوبة قلبية تجريبية في اليوم الثامن والعشرين بإصلاح قلبي للضرر في اليوم السادس والخمسين بعد الولادة.
علاوةً على ذلك، تبين أن عدد الخلايا العضلية القلبية في البطين الأيسر لدى هذه الخنازير كان أكبر بوضوح في جميع أنحاء البطين؛ أي ليس محصورًا في موضع الإصابة.
كانت هذه الدراسة الأولى (المتعلقة في إصلاح القلب ) التي بينت إمكانية تحفيز خلايا عضلة القلب عند الثدييات الضخمة على التكاثر والتجدد عبر إيذاء القلب في اليوم الأول بعد الولادة لتمديد فترة «إعادة تعضيل» عضلة القلب عند حديثي الولادة.
كتب الباحثون المسؤولون عن الدراسة : «إذا كان تنشيط الدورة الخلوية هذه في الخلايا العضلية القلبية لدى حديثي الولادة ممكنًا، فيمكن تنشيط مسارات التأشير الخلوي ذاتها عند البالغين أيضًا؛ ما يُعد أمرًا بالغ الأهمية والتأثير في إصلاح القلب».
من الوسائل البديلة المحتملة لتوليد الخلايا الداخلي هي برمجة الخلايا الليفية اليافعة القلبية مباشرةً لتصبح خلايا عضلية قلبية باستخدام الأحماض النووية الريبوزية متناهية الصغر microRNAs وعوامل أخرى.
يقول الباحثون إن تحفيز تكاثر الخلايا العضلية القلبية سيتطلب أيضًا طرائق لتحفيز نمو الأوعية الدموية القلبية من أجل توفير المغذيات والأكسجين للخلايا الجديدة.
في النهاية، يرى الباحثون أن الطرق قصيرة المدى في التجارب السريرية لعلاجات ما بعد النوبة القلبية في سبيل إصلاح القلب ستستخدم النتاجات الخلوية أو خلايا مثل خلايا الكريات القلبية، بينما ستستهدف الطرق طويلة المدى وسائل أكثر مباشرةً لإعادة تعضيل البطين الأيسر المصاب، عبر عكس الدورة الخلوية لدى الخلايا العضلية القلبية، أو توليد خلايا عضلية قلبية جديدة من أنواع أخرى من الخلايا، مثل الخلايا الليفية اليافعة.
إلا أنه قبل الانتقال إلى تطبيق هذه الاستراتيجيات طبيًا، ينبغي أولًا أن نختبر فعاليتها وأمانها؛ تحديدًا إمكانية استخدامها لتوليد خلايا عضلية قلبية تعمل بتناغم مع نظيراتها الأصلية، وإمكانية ضبط عمليات التكاثر الخلوي تلك لتجنب نمو عشوائي وضار في القلب.
اقرأ أيضًا:
للمرة الأولى زرع عضلات مستحدثة مخبريا لدى الإنسان
استخدام اعادة البرمجة الخلوية لمعاكسة الشيخوخة في الحيوانات الحية للمرة الاولى !
النوبة القلبية أو احتشاء عضلة القلب
الخلايا الجذعية: مصادرها وأنواعها واستخداماتها
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: سمية بن لكحل
مراجعة: آية فحماوي