هل أنت مرهق ومتعب من العمل الروتيني؟ إذا أجبت بنعم على هذا السؤال، فأنت لست وحدك. بعد عامين من الضغوطات غير العادية والكرب النفسي والكثير من مكالمات العمل المتتالية، يشعر الكثير من الموظفين الأمريكيين بإرهاق العمل ويتجهون إلى الاستقالة.
وجدت دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية لعام 2021 أن 79% من العمّال واجهوا ضغوطات مرتبطة بالعمل في الشهر الماضي. ووفقًا لدراسة استقصائية أجراها ويليس تاورز واتسون لمواقف المنافع العالمية عام 2022، غادر الكثيرون وظائفهم لإثبات وجهات نظرهم، وخاطروا بحياتهم المهنية، إذ يبحث 44% من موظفي البلاد عن وظائف جديدة، أو يفكرون في بداية منعشة. وقد أطلقت وسائل الإعلام عليها اسم الاستقالة العظمى.
تعتقد عالمة النفس التنظيمي كونستانس نونان هادلي أن بيئة العمل يمكن أن تكون عاملًا في تدهور صحة العمال والاستقالة الجماعية، وتقول: «الوحدة والإرهاق -قبل وفي أثناء جائحة كوفيد 19- هي الدوافع الرئيسة للاستقالة العظمى، أو كما أحب تسميتها إعادة التفكير العظمى».
تشير هادلي إلى دراسة جديدة أجرتها مايكروسوفت شملت 31 ألف شخص في 31 دولة، وكشفت أن 55% من الموظفين الهجينين (أولئك الذين يعملون في المنزل والمكتب)، و50% من الموظفين الذين يعملون عن بعد، يشعرون بالوحدة في العمل أكثر مما كانوا عليه قبل انتشار الوباء، وتقول هادلي: «سئم الأشخاص من الشعور بالانفصال والإرهاق، وهم يبحثون عن بيئة عمل أكثر توازنًا وصحة».
طلبت ذا برينك من هادلي مشاركة بعض الأبحاث لتعريف وتحديد إرهاق العمل والوحدة، وإيجاد طرائق لتمكين الأفراد والشركات من التعامل مع هذه المشكلة.
كيف يُعرّف إرهاق العمل والوحدة؟
تقول هادلي: في مجال أبحاثي وتدريسي غالبًا ما يقول لي الناس: «أشعر أنني مرهق جدًا»، ولكن عندما أقوم بالمزيد من الأبحاث أجد أن أغلبهم لا يعاني من متلازمة إرهاق العمل بالضبط.
يتضمن إرهاق العمل ثلاثة أعراض مميزة:
- استنفاذ الطاقة والإنهاك.
- تبدد الشخصية والسخرية.
- انخفاض الكفاءة في العمل.
وتُعرّف الوحدة بأنها عدم امتلاكك علاقات اجتماعية مع الآخرين بنحو كافٍ.
كيف تبدو هذه التجارب؟ وكيف يمكن لشخص معرفة ما إذا كان يمر بها، أم لا؟
أعراض الإرهاق:
استنفاذ الطاقة والإنهاك:
مررنا جميعًا بالأيام التي يُصعب فيها النهوض من الفراش صباحًا والبدء في العمل. ونعلم أيضًا ما يعنيه العمل بجد على مشروع معين والتطلع بعدها لإجازة لبضعة أيام للتعافي. ولكن نوع الإنهاك المرتبط بإرهاق العمل يكون مزمنًا وغير محدد. لا يختفي بعد عطلة ولا يرتبط بمشروع معين أو موعد نهائي. يبدو الأمر كأنه ضباب مستمر يثقل كاهلك عقليًا وجسديًا.
تبدد الشخصية والسخرية:
يرتبط الإرهاق بالشعور بالانفصال وبالابتعاد عن الوظيفة والسخرية تجاهها. والأهم، يرتبط الإرهاق بتغيير في المشاعر. مثلًا، لنفترض أنك طبيب وكنت تجد متعة في مساعدة الآخرين، ولكن الآن تشعر أنك مخدّر أو أقل تعاطفًا مع مرضاك. ربما تبدأ بالتساؤل عمّا إذا كان أي شيء تفعله يحدث فرقًا. في سياق العمل قد تبدأ بالشعور بعدم الاهتمام بعملك أو تبدأ بالتشكيك بدوافع ونوايا شركتك. ببساطة، ما كان يُحفزك ويُلهمك بشأن وظيفتك لم يعد يملك التأثير نفسه.
انخفاض الكفاءة في العمل:
العَرَض الثالث من الإرهاق هو الانخفاض في أدائك للعمل. ربما كنت مُعتادًا على كونك مميزًا في عملك والآن تشعر بتعثّر. ربما لا يكون شيئًا يلاحظه رئيسك أو عملاؤك، ولكنك تعرف الفرق في جودة عملك. أو ربما تحافظ على ذروة أداءك ولكن بتكلفة أكبر. فالأمر الآن يتطلب العمل والتركيز والجهد أكثر من ذي قبل.
يُعرف إرهاق العمل من طريق وجود هذه الأعراض الثلاثة في الوقت نفسه، وإلا فقد لا تكون مرهقًا، ولكن لا يزال يتعيّن عليك إجراء بعض التغييرات. مثلًا، إن كنت تعاني من الإرهاق المستمر والإجهاد المفرط فربما يتطلب ذلك تقليل عدد ساعات عملك أو مسؤولياتك. أو إن كنت تشعر أنك بعيد عن وظيفتك فقد تحتاج إلى طرائق لتنشيط عملك أو إيجاد وسيلة لإعادة إيمانك بأهمية مؤسستك. أو إن كنت تعاني من انخفاض في الأداء، ولكن ليس لديك أي عرض آخر لإرهاق العمل، فيجب أن تفكر في تغيير أسلوب عملك. إن قدرتك على تحديد أعراضك هو الخطوة الأولى لمعرفة ما يجب فعله حيال ذلك.
أعراض الوحدة:
في بحث هادلي، عادةً يقول الناس أن زملاءهم لطيفون، ولكنهم في الحقيقة لا يعرفونهم جيدًا. وهذا صحيح خاصةً خلال جائحة كوفيد 19 عندما تواصل العديد من الخبراء فقط مع زملائهم عبر الشبكة. ومع ذلك، فإن الشعور بالوحدة هو أكثر من مجرد نقص في التفاعل مع الآخرين.
سواءً كنت تعمل عن بعد أو في المكتب أو بنحو هجين، فإن الوحدة هي حب لتواصل أعمق مع الآخرين. فقط لأن الناس يعملون لا يعني أنهم يتوقفون عن كونهم بشرًا، فهم ما زالوا يريدون أن يُلاحَظوا ويهتم بهم الآخرون. أحد الأسئلة التي تود هادلي طرحها في المقابلات: «من يساندك هنا؟ من سيكون بجانبك إذا احتجت إلى مساعدة؟». إذا لم يكن لديهم اجابة واضحة، فهناك فرصة كبيرة أن يكون الشخص وحيدًا.
كيف يجتمع إرهاق العمل والشعور بالوحدة؟
هناك الكثير من العوامل المشتركة بين الإرهاق والوحدة، فكلاهما مرتبط بآثار صحية سلبية. تبين أن الوحدة تؤثر في الوفيات مثلما يؤثر تدخين 25 سيجارة في اليوم.
أظهرت الأبحاث أن هذه الأعراض لها آثار سلبية كبيرة على المؤسسات، بسبب زيادة التغيب عن العمل وتكاليف الرعاية الصحية. مثلًا، قدّرت سيغنا أن الوحدة تكلف أصحاب الأعمال الأمريكيين أكثر من 400 مليار دولار سنويًا، وكان هذا قبل جائحة كوفيد 19. تبيّن أيضًا أن إرهاق العمل يؤدي إلى الاكتئاب والأفكار الانتحارية. يجب أن تؤخذ هذه القضايا على محمل الجد.
السمة الثانية التي يشترك فيها إرهاق العمل والشعور بالوحدة هي أنهما كانا موجودين قبل تفشّي الوباء، مما يعني أنهما لن يختفوا بطريقة سحرية عندما ينتهي الوباء.
كان الجراح الأمريكي فيفيك مورثي قلقًا أيضًا بشأن هذه المشكلة لفترة من الوقت، إذ أعلن عن وباء الوحدة في مكان العمل عام 2017. كان الإرهاق يمثّل مشكلة لفترة طويلة من الوقت، ولا سيما في مهن مثل الرعاية الصحية والقانون.
أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 2019 أن إرهاق العمل ظاهرة مهنية رسمية.
ما الذي يمكن فعله من قبل أصحاب العمل لتفادي إرهاق العمل والوحدة لدى الموظفين؟
هناك صفة أخرى مشتركة بين الإرهاق والوحدة وهي أنهما غالبًا ما يُعاملان على المستوى الفردي فقط. يُطلب من الأشخاص ممارسة الرعاية الذاتية أو التواصل مع صديق أو أحد أفراد الأسرة للحصول على الدعم النفسي. على الرغم أن هذه الخطوات ليست نصيحة سيئة، ولكنها من المحتمل ألّا تكون كافية. هذه مشكلات بيئة العمل، وليست مشكلات العمال.
في بحث هادلي، أنشئت مقاييس موثوقة لمعرفة مستوى الشعور بالوحدة في مكان العمل، إضافةً إلى دمج معايير أخرى تحقق من صحتها باحثون آخرون. ومع ذلك، من المحتمل أن يفوّت أصحاب العمل بعض الفروق البسيطة.
أوصت هادلي بإجراء مقابلات ومجموعات تركيز ومتابعة للدراسات من قبل أعضاء موثوقين في المؤسسة أو المُيسّرين الخارجين.
بمجرد معرفة خط البداية، يمكن للقادة العمل مع الموظفين لتحديد أهداف واضحة ووضع خطة عمل لتحسين العوامل المساهمة في إرهاق العمل والوحدة. من المهم مراقبة هذه القضايا بنحو منتظم، خاصةً مع استمرار تطور متطلبات وترتيبات العمل.
ومن الأمور الأخرى الواجب اتباعها: مكافأة الموظفين لقيامهم بالأمور التي تجعلهم يتمتعون بصحة جيدة.
تعمل هادلي حاليًا على مشروع يتضمن نتائج مبكرة تظهر أنه في أماكن العمل ذات المكافآت، يبلغ الموظفون عن علاقات عمل أقوى وإرهاق أقل.
إجمالًا، تتمنى هادلي أن يعمل المديرون والموظفون معًا لمعالجة إرهاق العمل والوحدة. في النهاية، نتشارك جميعًا هدفنا المتمثل في وجود قوى عاملة مزدهرة، وهو الهدف الذي أوضحه الوباء.
اقرأ أيضًا:
الإرهاق النفسي: الأسباب والوقاية والعلاج
ما هو الأذى الذي يسببه تزييف المشاعر في العمل
ترجمة: فاطمة الرقماني
تدقيق: دوري شديد
مراجعة: حسين جرود