السيدة فيليكس: لم لا تقوم بواجباتك المنزلية؟
ألن فيليكس: إن الكون يتوسع، وكل شيء يتهاوى وسنموت كلنا. فما الهدف؟
السيدة فيليكس: نحن نقطن في بروكلين، وبروكلين لا تتوسع! قم وأدّ واجباتك المنزلية.
*(من كتاب أني هول لـ وودن ألن)( Annie Hall by Woody Allen)
إن السيدة فيليكس على حق. فلا بروكلين، ولا ذراتها، ولا المنظومة الشمسية، ولا حتى المجرة بأكملها تتوسع. إن الكون يتوسع (وفقًا للنموذج الكوزمولوجي المعياري) فقط عندما يؤخذ على نطاق واسع.
وتعود عبارة “توسع الكون” إلى كل من المراقبة التجريبية والنماذج الكوزمولوجية النظرية، فلنلق نظرةً على كل منهما، بدءًا بالمراقبة.
المراقبة:
بالمراقبة حصلنا على قانون هابل للانحراف نحو الأحمر.
عام 1929، أعلن هابل أن الضوء القادم من المجرات البعيدة ينحرف نحو الأحمر. وإذا قمت بترجمة هذا الانحراف على أنه انحراف دوبلر، فذاك يعني أن المجرات تبتعد وفقًا لقانون:
(سرعة الإبتعاد) =H × (المسافة من الأرض)
تدعى H ثابت هابل؛ وتبلغ القيمة التي أعطاها هابل مبدئيًا لـ H هي 550 كم/ثانية/ مبس (اطلع على الفقرة اللاحقة).
وآخر تقدير لقيمة H يقدر ب 69 كم/ثانية/ مبس (اطلع على صفحة ناسا الإلكترونية أو على هذه الصفحة من مركز هارفرد-سميثسونيان للفيزياء الفلكية (Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics) للمزيد من التفاصيل.
ملاحظة عن الوحدات. يسجل علماء الفلك H بالكلومتر في الثانية في الميغابارسيك (كم/ثانية/ مبس). إن البارسيك هي وحدة تقليدية لقياس المسافة تعادل ثلاث سنين ضوئية.
ولكن، لا البارسك ولا السنة الضوئية، هي وحدة قياس في النظام العالمي للوحدات، رغم أن كلتيهما أقرتا من قبل الاتحاد الفلكي الدولي (IAU).
ولكن هناك طريقة أوضح للتعبير عن هذا الثابت. لاحظ أن وحدة كم/مبس هي كمية لا بعدية ــــ إن أبعادها هي مسافة/مسافة!
لذا فإن الوحدة الحقيقية للثابت H هي معكوس الثانية، ثانية-1، ما يعني أن 1/H يمثل وقتًا. قد تخمن أن هذا الوقت هو عينه عمر الكون، لكنه تقدير تقريبي لعمر الكون، ولكن لأن الثابت H يتغير مع الوقت (أنظر أدناه)، فإن العمر الفعلي للكون مختلف.
يُرمز إلى العمر الحالي للكون بـ H0. لذا، فإننا باستخدام H0=69 كم/ثانية/ مبس، نفترض أن 1/H0 = ( 1/69 كم / مبس)ثانية = (1/69)×3×1019 ثانية =14.5 بليون سنة.
إن هذا الرقم أكبر قليلًا من أفضل تقدير متوفر حاليًا، 13.9 بليون سنة. إن القيمة التي أعطاها هابل أصلًا، 550 كم/ثانية/ مبس، تترجم إلى 1.8 بليون سنة.
إن معادلة هابل للانحراف نحو الأحمر لا تعني أن وضع الأرض سيئ في الكون. إن النموذج المألوف للكون كبالون متمدد مرقط بالمجرات يظهر أن هناك هابل آخر سيقوم بالمشاهدة ذاتها في مجرة أخرى.
ولكن الأجسام الفلكية التي تقع في منطقتنا -أي منظومتنا الشمسية- لا تظهر أي انحراف ضوئي هابلي نحو الأحمر.
في حين أن النجوم والمجرات القريبة تظهر أنها تتحرك بالنسبة لكوكب الأرض (وهذا ما يعرف بالسرعة المتميزة)، ولكن لا يبدو ذلك مماثلًا لـ “انسياب هابل” الذي يُرى في المجرات البعيدة.
فعلى سبيل المثال، تُظهر مجرة أندروميدا انحرافًا نحو الأزرق بدلًا من الأحمر. لذا فإن خلاصة مشاهدتنا هي: إن مجرتنا لا تقوم بالتوسع.
من الجانب النظري:
إن النماذج النظرية عادةً هي النماذج الزمكانية لفريدمان-روبرتسون ووكر (فرو).
وضع العلماء نموذجًا للكون باستخدام “الزمكان”، بمعنًى آخر، حلول معادلات المجال في نظرية أينشتاين للنسبية العامة.
اكتشف عالم الرياضيات الروسي ألكسندر فريدمان دفعة مهمة من الحلول العالمية لهذه المعادلات عام 1923. إن الصورة المألوفة للكون على أنه بالون متمدد مرقط بالمجرات هي عبارة عن “نسخة الفيلم” لواحدة من حلول فريدمان.
ثم قام روبرتسون وووكر لاحقًا بتوسيع عمل فريدمان، لذلك ستجد أن المراجع في الأدب العلمي تشير إلى زمكان فريدمان-روبرتسون ووكر (فرو).
يأتي زمكان فرو بأشكال متعددة للغاية، منها المتوسع، والمتقلص، والمسطح، والمنحني، والمفتوح، والمنغلق،… وتعود صورة البالون المتوسع إلى البضع القليل من هذه الحلول.
ويلعب المفهوم الذي يدعى بـ المتري دورًا رئيسيًا في النظرية النسبية العامة. يحوي المتري الكثير من المعلومات؛ الجزء الذي نهتم به (لهذا المصطلح الذي يسأل عنه بكثرة) هو المسافة بين الأشياء.
في كون فرو المتمدد، تتزايد المسافة بين أي نقطتين على البالون مع الوقت. ولكن نموذج فرو غير معني بوصف الزمكان بدقة على المقياس الصغير، وكلمة “صغير” هنا يمكن تفسيرها بشكل حر!
يمكنك تخيل الموضوع ببضع طرق. وبإمكانك أن تفكر بـ “التقدير المتسلسل” (continuum approximation) في ديناميات السوائل، ستحصل على تدفق متواصل، عبر تعديل حركة الجزيئات الفردية على مقياس كبير بشكل كافٍ (يمكن للقطرات أن تتكثف حتى عندما يتمدد الغاز) وبشكل مشابه، فإننا نعتقد بشكلٍ عام، أنه إذا قمنا بتعديل المتري الكوني الفعلي على مقياس كبير بشكل كافٍ، سنحصل على زمكان فرو.
أو بإمكانك تعديل صورتك عن “البالون المتوسع”، فالمجرات ليست فقط مرسومة عليه، بل إنها جزء من مادة البالون، وتؤثر بشكل محلي على “مرونته”.
يتجاهل زمكان فرو التغيرات التي تحدث على مقياس صغير. فلنتخيل بالونًا مرنًا بشكل موحد، والمجرات تتجسد كنقاط فقط. “النقاط على البالون” تعود لمفهوم رياضي يعرف بـ comoving geodesic (المتقاصر المتحرك)، أي متقاصران متحركان يبتعدان عن بعضهما مع الوقت في زمكان فرو المتوسع.
على مقياس المنظومة الشمسية، نحصل على تقدير لا بأس به لمتري الزمكان، باستخدام حل آخر لمعادلات أينشتاين يعرف بمتري شوارزشيلد. ويمكننا القول، بشكل مريب للتوضيح، أن هذا ما يمثل حقل الجاذبية للشمس.
(مريب لأنه ماذا يمكن لحقل الجاذبية في النظرية النسبية أن يعني غير المتري؟) لا يُظهر المتقاصر في المتري الشوارتزشيلدي سلوك الابتعاد المعروف في متقاصرات فرو المتحركةوبطريقة أخرى مألوفة، إن الأرض لا تبتعد عن الشمس.
بالمناسبة، إن ثابت هابل، وبالرغم من اسمه، ليس ثابتًا بالنسبة للوقت. فهو يتغير بطريقة غير موحدة.
ولدينا هنا تأثيران متنافسان: من جهة، تميل الكتلة الإجمالية للكون أن تبطئ من التوسع مع الوقت، ومن الجهة الأخرى، تميل الطاقة المظلمة لجعله يتسارع.
في الواقع، إن مصطلح الطاقة المظلمة يتمثل عن النظرية القادمة التي سنقوم بالتحدث عنها: إنها طريقة لقول حقيقة أن توسع الكون هو توسع تسارعي، وتم اكتشاف هذا الأمر بالمشاهدة. نحن لا ندري (حتى الآن) لما يحدث التوسع بشكل متسارع، ولكن الأمر كذلك.
وبالرغم أنه غير ثابت بالنسبة للوقت، فإن H (في نموذج فرو، وبوجود بعض المحاذير التي لن نخوضها) ثابتٌ بالنسبة للفضاء في أي وقت محدد.
إن المتري الفعلي للكون هو بالتأكيد معقد للغاية؛ ولا يمكنك توقع حلول مثالية وبسيطة (كمتري فرو وشوارتزشيلد) لتحتوي كل التعقيد.
باستخدام مصطلحات نيوتنية، يمكن للشخص أن يقول أن المنظومة الشمسية “محدودة بواسطة الجاذبية” (كذلك المجرة والمجموعة المحلية)، لذا فإن المنظومة الشمسية لا تتوسع.
والمسألة أشد وضوحًا بالنسبة لبروكلين: فبروكلين محدودة بواسطة القوى الذرية، وإن ذراتها لا تتبع عادةً المتقاصرات. لذا فإن بروكلين لا تتوسع.
الآن، اذهب وأدّ واجباتك المنزلية.
- ترجمة: منال جابر
- تدقيق: جعفر الجزيري
- تحرير: أحمد عزب