إحدى أشهر نظريات ستيفن هوكينج قد أُثبتت صحتها، اعتمادًا على تموجات في الزمكان ظهرت بسبب اندماج ثقبين أسودين بعيدين. تنص نظرية مساحة سطح الثقب الأسود، التي استمدها هوكينج من نظرية النسبية العامة لأينشتاين في عام 1971، على أنّه من المستحيل أن تقل مساحة سطح الثقب الأسود مع مرور الوقت.
تثير هذه القاعدة اهتمام الفيزيائيين؛ لارتباطها ارتباطًا وثيقًا بقاعدة أخرى تجعل الوقت يجري باتجاه معين هو «القانون الثاني للديناميكية الحرارية» الذي ينص على أن الإنتروبيا أو الفوضى في نظام مغلق يجب أن تزداد دومًا، وذلك لأن إنتروبيا الثقب الأسود تتناسب مع مساحة سطحه.
وفقًا للدراسة الحديثة، فإن تأكيد الباحثين لقانون المساحة يشير إلى أن خصائص الثقوب السوداء هي دلائل مهمة لاكتشاف القوانين المخفية التي تدير الكون.
على نحو غريب، يناقض قانون المساحة نظريةً أخرى شهيرة قد أثبتت: «أنّ الثقوب السوداء تتبخر على مدى وقت طويل»، ويمكن أن يكشف استنتاج مصدر التناقض بين النظريتين فيزياء جديدة.
لا يمكن أن تنقص مساحة سطح ثقب أسود، هذا يشبه القانون الثاني للديناميكية الحرارية، وأيضًا لديه حفظ لكتلته إذ لا تستطيع إنقاصها؛ وهذا يشبه قانون حفظ الطاقة.
قال ماكسيميليانو إيسي المؤلف الرئيسي وعالم فيزياء فلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «في البداية وجدنا هذا التشابه رائعًا، ولكن سرعان ما أدركنا أن هذا كان أساسيًا، إذ تملك الثقوب السوداء إنتروبيا تتناسب مع مساحة سطحها، وهذه ليست مصادفة بل كشف عميق عن حقيقة الكون».
تحدد مساحة سطح الثقب الأسود بكرة تسمى «أفق الحدث» بعد هذه النقطة لا ينفد شيء -حتى الضوء- من قوة سحب جاذبيته.
وفقًا لتفسير هوكينج للنسبية العامة، كلما ازدادت مساحة سطح الثقب الأسود مع كتلته؛ ولأنّه لا يمكن لأي جسم يدخل أن يخرج؛ فإن مساحة سطحه لا يمكن أن تنخفض.
لكن مساحة سطح الثقب الأسود تصغر كلما ازداد دورانه؛ لذا تساءل الباحثون عن إمكانية رمي جسم داخل الثقب الأسود بقوة كافية لجعله يدور أكثر لإنقاص مساحته.
قال إيسي: «سوف يجعله يدور أكثر، ولكن ليس بصورة كافية للموازنة مع الكتلة التي أضفتها، ومهما فعلت، ستبقى الكتلة والدوران بحيث ينتهي بك المطاف بمساحة أكبر».
لاختبار هذه النظرية، حلل الباحثون موجات جاذبية، أو التموجات في نسيج الزمكان، التي تشكلت قبل 1.3 مليون سنة عبر دوران ثقبين أسودين تجاه بعضهما بسرعة عالية.
إذ اكتُشفت أولى الموجات عام 2015 من قبل مرصد LIGO، المكون من شعاع ليزر منقسم إلى مسارين طولهما 4 كيلومتر، قادرين على الكشف عن أدنى التشوهات في الزمكان عبر الطريقة التي يتغير بها طول مساريهما.
عبر تقسيم الإشارة إلى نصفين، قبل اندماج الثقبين الأسودين وبعده، حَسب الباحثون كتلتيهما ودوران كليهما قبل الاندماج والثقب الأسود الناتج بعد الاندماج.
سمحت هذه الأرقام بحساب مساحة سطح الثقبين الأسودين قبل التصادم وبعده.
ويضيف إيسي: «بينما تزداد سرعة دورانهما، تزداد سعة موجات الجاذبية حتى يسقطا إلى بعضهما؛ ما ينتج انفجارًا في الموجات».
ما يبقى هو ثقب أسود جديد في حالة مثارة، تُمكن دراسته حينها بتحليل اهتزازاته.
هذا يشابه رن جرس، درجات الصوت والمدة المحددة التي يرن بها سوف يدلان على بنية الجرس، وأيضًا مما هو مصنوع.
مساحة سطح الثقب الأسود الجديد كانت أكبر من مجموع مساحتي الثقبين الأصليين، ما يؤكد قانون هوكينج للمساحة بثقة أكثر من 95%.
وفقًا للباحثين، نتائجهم هي ضمن ما كانوا يتوقعون إيجاده، إذ تصف «نظرية النسبية العامة» الثقوب السوداء والأجسام الضخمة الأخرى.
يلدأ اللغز الحقيقي عندما نحاول الدمج بين النسبية العامة، وقوانين الأجسام الكبيرة مع ميكانيكا الكم التي تخص الأجسام الصغيرة.
أحداث غريبة تبدأ بالظهور، تدمر كل القواعد الأساسية، وتكسر قانون المساحة؛ لأنّ الثقوب السوداء لا يمكن أن تتقلص حسب النسبية العامة، ولكن يحدث هذا وفقًا لميكانيكا الكم.
وضع هوكينج نفسه -الذي وضع قانون المساحة- مفهومًا يعرف بإشعاع هوكينج، إذ تخرج سحابة من الجسيمات من أطراف الثقب الأسود عبر تأثيرات كمية غريبة؛ تؤدي هذه الظاهرة إلى تقلص الثقب الأسود.
وفي النهاية، وبعد مرور وقت أطول من عمر الكون بعدة مرات، يتبخر الثقب الأسود.
هذا التبخر قد يحدث خلال مدة زمنية طويلة كافية حتى لا يخالف قانون المساحة على المدى القصير، ولكن هذا مواساة صغيرة للفيزيائيين.
يقول إيسي: «وفقًا للإحصائيات، على المدى طويل، القانون غير صحيح، هذا مثل غلي الماء، أنت تحصل على بخار ينطلق من القدر، ولكن إذا فقط امعنت النظر إلى الماء المتلاشي داخل القدر فقد تقول إن فوضى القدر تقل، ولكن إذا أخذت البخار بعين الاعتبار؛ فإن الإنتروبيا ستزداد، ومثله يحدث في الثقوب السوداء وإشعاعات هوكينج».
مع تأكيد قانون المساحة في الفترات الزمنية الصغيرة والمتوسطة، فإن الخطوة القادمة للباحثين هي تحليل المعلومات عبر المزيد من موجات الجاذبية للحصول على فهم أعمق عن الثقوب السوداء.
يقول إيسي: «أنا مهوس بهذه الأجسام بسبب تناقضها الشديد، إنها محيرة وغامضة ولكن في ذات الوقت نعلم أنها أبسط الأجسام في الوجود إضافة إلى أنها المكان الذي تلتقي فيه الجاذبية وميكانيكا الكم، ما يجعلها مدخلًا لفهم واقعنا».
اقرأ أيضًا:
كيف قام ستيفن هوكينج بحل معضلة المعلومات في الثقب الأسود؟
ستيفن هوكينج يعيد تعريف الثقوب السوداء ليوفق ما بين النسبية والفيزياء الكمّية
ترجمة: يمان عجاج
تدقيق: تسبيح علي