يحاول الباحثون المختصون في دراسة إدارة الأعمال، تحديد الصفات التي تتميز بها الشخصيات المغامرة في هذا المجال، لكن مجرد امتلاك هذه الصفات لا يعني أن صاحبها سينجح بالضرورة في تأسيس عمل ناجح، فما يهم حقًا هو الطريقة التي تساهم بها تلك الصفات في تشكيل نوايا الشخص.
يشير مصطلح «الإمكانات الريادية» إلى القدرة الطبيعية للإنسان على إدراك الفرصة أمامه ثم التحرك بناءً عليها، وخلق قيمة مضافة من خلال بدء أعمال تجارية جديدة وإيجاد حلول مبتكرة عند مواجهة الشكوك.
بشكل أوسع، يتعلق الأمر بقدرة الفرد على التغيير والنمو والتطور والتكيف في ضوء الفرص المتاحة في السوق والشكوك التي تحيط به، وترتبط الإمكانات الريادية بقدرة الفرد على إدارة الأعمال وفقًا لشخصيته أكثر من ارتباطها بإدارة الأعمال نفسها.
يُنظر إلى هذه الإمكانات من منظور شامل ومعقد، يشمل مهارات الفرد وظروفه الاقتصادية والاجتماعية وقدرته على التعامل مع المخاطر المتعلقة بإنشاء عمل تجاري جديد وتنميته.
أحد أهم الجوانب وأكثرها إثارةً للدهشة في الإمكانات الريادية هو أنها تختلف بشكل كبير اعتمادًا على الجيل الذي ينتمي إليه الفرد، فكل جيل يتشكل في خضم سياقات تاريخية واقتصادية وثقافية تؤثر في اتجاهات أفراده في إدارة الأعمال.
الفرق متنوعة الأجيال:
تؤثر قضية الأجيال أيضًا في بيئة العمل، وخاصةً عندما يكون فريق العمل يتضمن أفرادًا ينتمون إلى أجيال متنوعة. تزعم الكثير من الدراسات أن الموظفين يفضلون العمل مع مجموعات تنتمي الى نفس الفئة العمرية، أما التنوع بين الأجيال فقد يشكل مصدرًا للتوتر. تزعم أبحاث أخرى أن التنوع بين الأجيال يحمل قيمة كبيرة خصوصًا فيما يتعلق بالقيادة، فهو لا يختلف في أهميته عن أشكال التنوع الأخرى العرقي والديني والثقافي والإثني والجنسي، في تأثيره على الأداء الوظيفي.
من ثم يمكن القول أن الاختلافات بين الأجيال في فرق العمل قد تؤدي فعلًا إلى حدوث توترات في بعض المسائل مثل نقل المعلومات، والتوقعات، والتواصل بين الموظفين. لذلك تجب إدارة هذه الفرق بشكل مناسب من أجل تحقيق أفضل النتائج.
جيل الطفرة السكانية والعمل:
بدايةً لدينا ما يُعرف بجيل الطفرة السكانية أو «البومرز» وهم الأشخاص الذين وُلدوا في الأعوام 1946 – 1964، و يعود أصل التسمية إلى ولادتهم بعد الحرب العالمية الثانية حين عرف العالم طفرة نمو سكاني شاملة، وقد نشأ هؤلاء في عصر تميز بالازدهار الاقتصادي وبنى العمل الهرمية، لذلك فهم يميلون إلى تفضيل الاستقرار والأمن الوظيفي.
باعتبار أن معظم أبناء هذا الجيل هم الآن في سن التقاعد، لم تُدرس إمكاناتهم الريادية بقدر ما تمت دراسة نشاطهم الريادي، وجدت الدراسات أن أفراد هذا الجيل يتمتعون بالمرونة ويقدرون العمل الجاد والولاء ويتمتعون أيضًا بمستويات عالية من الثقة والرغبة في النجاح.
الأجيال X، Y، Z: عمال ورواد أعمال
أفراد الجيل X هم أولئك الذين ولدوا في الأعوام 1965 – 1980 وقد شهدوا تغيرات كبيرة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، ما جعلهم يمتلكون قدرة عالية على التكيف وانفتاحًا على التجديد والابتكار. ويتميزون بامتلاكهم نهجًا براغماتيًا أو عمليًا في العمل ويبرعون في إدارة الموارد. وعند التركيز على إدارة الأعمال سنرى أنهم يمتلكون إمكانات قيادية معتدلة، يتجلى ذلك في اهتمامهم بالأمن والاستقلالية على حد سواء.
ثم أفراد الجيل Y ويُلقبون أيضًا بجيل الألفية، وهم الذين وُلدوا في الأعوام 1981 – 1996، يمتلك هؤلاء معرفة جيدة بالتكنولوجيا الرقمية ويتميزون بالمرونة إضافةً إلى العزم والتصميم في ممارسة عملهم، من ثم يمتلك هؤلاء قدرات ريادية عالية بسبب عزمهم على تحدي الحالة الراهنة واستعدادهم للمخاطرة وسعيهم للتغيير. وهم يولون أهمية كبيرة للاستقلال ما يدفعهم إلى ترك الوظائف التقليدية وبدء الأعمال الخاصة لإيجاد توازن أفضل بين الحياة والعمل.
أخيرًا لدينا أفراد الجيل Z الذين وُلدوا في الأعوام 1997 – حتى الوقت الحالي، نشأ هؤلاء بالكامل في العصر الرقمي فاكتسبوا مهارات فطرية مع التكنولوجيا والأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. مع ذلك قد تكون إمكاناتهم الريادية أقل من غيرهم من الأجيال السابقة.
الجيل Z: رقميون بالفطرة مع مهارات تواصل ضعيفة
يُعرف الجيل وفقًا للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عاصرها أبناؤه. في حالة الجيل Z فهم يشتركون في كثير من الأحداث مع الجيل Y، خصوصًا فيما يتعلق بالعولمة والتغير الاجتماعي والثقافي، مع ذلك فإن أفراد الجيل Z هم أحدث دخولًا إلى سوق العمل وأضعف نسبيًا في عدة أمور مثل مهارات التواصل والثقة والرغبة في النجاح والتحكم في النفس، ما يعني بالتأكيد إمكانات ريادية أقل.
من الجدير بالذكر أن نقص الثقة وقلة الاهتمام بأخذ زمام المبادرة هي أمور تمكن ملاحظتها بين الأفراد الشباب في الجيل Z، ومهارات تواصلهم تكون ضعيفة عادة بسبب اعتبارهم الجيل الأول مما يمكن تسميته «المواطنون الرقميون». لكن مع استمرارهم بالنضوج واكتسابهم المزيد من الخبرة فإن خصائصهم ستتطور بالتأكيد.
الجيل الأمهر في إدارة الأعمال:
استنادًا إلى الأبحاث المتاحة، يمكن القول أن جيل الألفية أو الجيل Y هم الفائزون في تحدي الإمكانات الريادية، وهم الأجدر فيما يتعلق بإدارة الأعمال، فهم يبدون ميلًا كبيرًا لإطلاق أعمالهم الخاصة وهم على دراية جيدة بالتقنيات الحديثة، ويطلقون أعمالهم التجارية في سن أصغر من الأجيال السابقة.
وهم يتمتعون بمهارات القيادة والتركيز والطموح ما يجعلهم مهيئين أكثر للابتعاد عن الوظائف المستقرة والاستثمار في أعمالهم الخاصة مقارنةً بالأجيال الأخرى.
اقرأ أيضًا:
هل نجحت إجراءات التقشف الجديدة في الأرجنتين؟
ما سبب أزمة الأسهم التي حدثت مؤخرًا؟
ترجمة: محمد ياسر الجزماتي
تدقيق: وسام صايفي