حدد الباحثون 17 مؤشرًا جينيًا فريدًا تعبر عنها سرطانات البروستاتا عالية الدرجة بإفراط، ومن الممكن فحصها بدقة بتحليل البول، ويقول الخبراء أن هذا التحليل قد يساعد الأطباء على تشخيص السرطانات العدوانية مع تقليل الحاجة إلى خزعات غير ضرورية.
تُصنف سرطانات البروستاتا وفقًا لمقياس غليسون، وكلما ارتفعت الدرجة، زاد احتمال انتشار السرطان بسرعة ونموه. وقد يسهم هذا التحليل الجديد في التشخيص المبكر للسرطان وعلاجه بوسائل أقل توغلاً جراحيًا.
تطور تحاليل PSA لسرطان البروستاتا
لطالما ارتبطت الفوائد الصحية لفحص سرطان البروستاتا (بتحليل مستضد البروستاتا النوعي PSA) بالمقايضة بين الكشف المبكر والمخاطر المحتملة للإجراءات التدخلية غير الضرورية (كالخزعات).
لكن الابتكارات الحديثة في اختبارات المؤشرات الحيوية لسرطان البروستاتا تُسهم في تحسين دقة التشخيص بالتوازي مع تحليل PSA.
تشير نتائج أحد اختبارات المؤشرات الحيوية المعروف باسم MPS2 (أو MyProstateScore 2.0)، إلى أن الاختبار يتمتع بدقة عالية في اكتشاف السرطانات عالية الدرجة.
حساسية الاختبار ونطاق دقته
وجد الباحثون أن التحليل أظهر حساسية بنسبة 95% للكشف عن سرطان البروستاتا من الدرجة الثانية أو أعلى، و99% للدرجة الثالثة أو أعلى.
وقال الدكتور جيفري سون: «يبدو الأمر واعدًا جدًا، أعتقد أن هذا التطور يسير في الاتجاه الصحيح، ما سيفيد المرضى على المدى الطويل».
لكن بحسب القيود التي يراها مؤلفو الدراسة، ما تزال التساؤلات مطروحة حول مدى دقة التحليل عند تطبيقه على مجموعات سكانية متنوعة عرقيًا. وفي هذا السياق، وصف الدكتور آدم مورفي البحث بأنه إضافة جيدة إلى المراجع العلمية مع الإشارة إلى وجود قيود واضحة تتعلق بالعرق، إذ أضاف: «من الصعب تحديد مدى كفاءة الاختبار في مجموعات عرقية أخرى».
آلية تطوير الاختبار
لتطوير هذا الاختبار، درس الباحثون تسلسل 60,000 جين تقريبًا، وخلصوا إلى تحديد 54 مؤشرًا جينيًا مرتبطًا بسرطان البروستاتا. ومن بينها، وصنفوا 17 مؤشرًا إضافيًا لتمييز السرطانات عالية الدرجة بدقة أكبر.
تركز الأبحاث والإرشادات الحالية بشأن فحص سرطان البروستاتا على تحديد هذه السرطانات عالية الدرجة لتحسين فرص الكشف المبكر والعلاج الفعّال.
وقال الدكتور جيفري توسيان: «يختلف سرطان البروستاتا عن كثير من أنواع السرطانات الأخرى، فبعض الأورام منخفضة الدرجة لا تتصرف بوصفها أورامًا خبيثة حقًا، فهي لا تنتشر ولا تشكل خطرًا كبيرًا، ما يجعل الحاجة إلى التشخيص الدقيق أكثر أهمية … كان هدفنا تحسين الاختبارات المتاحة من خلال آليتين: الأولى هي تحديد مؤشرات جينية خاصة بالسرطانات عالية الدرجة، والثانية هي زيادة نطاق المؤشرات المشمولة في التحليل. لقد تمكنا من توظيف تقنيات حديثة تمكننا من رصد 17 مؤشرًا، إلى جانب جين مرجعي، أي ما مجموعه 18 جينًا في اختبار واحد».
نتائج الدراسة والمجموعة المستهدفة
شملت الدراسة 743 رجلًا بمتوسط عمر 62 عامًا، ومتوسط قيمة PSA بلغت 5.6.
أظهرت نتائج الاختبار حساسية بنسبة 95% لدى الرجال المصابين بسرطان من الدرجة الثانية أو أعلى، وارتفعت إلى 99% في حالات الدرجة الثالثة أو أعلى. عمليًا، يعني ذلك أن الاختبار تمكن من تشخيص 95 حالة من كل 100 بدقة، و99 حالة من كل 100 وفقًا لدرجة السرطان.
ويقول توسيان: «معظم الأورام لن تُظهر جميع هذه المؤشرات الجينية المختلفة، بل ستُعبّر عن مجموعة فرعية منها فقط. لذلك، فإن تضمين عدد أكبر من المؤشرات في اختبار واحد يزيد احتمال رصد المزيد من السرطانات عالية الدرجة بين المرضى».
تقليل الإيجابيات الكاذبة في تشخيص سرطان البروستاتا
كانت إحدى النتائج الرئيسية للدراسة هي تقليل عدد الخزعات غير الضرورية. يُعرف تحليل PSA بتقديم نتائج إيجابية كاذبة، ما قد يثير القلق والتوتر لدى المرضى. لذا، يسعى الأطباء إلى اختبارات تكميلية، مثل اختبارات المؤشرات الحيوية، لتعزيز دقة التشخيص.
وبما أن PSA يُفرَز طبيعيًا في الجسم (سواء أَوُجِد السرطان أم لا)، فإن ارتفاع مستواه لا يعني بالضرورة وجود ورم خبيث، ولكنه قد يدفع الطبيب إلى طلب فحوصات إضافية، مثل الخزعة.
وقال سون: «لفترة طويلة، كان المريض يُجري اختبار دم PSA، وإذا ظهرت نتائج غير طبيعية، يُلجأ فورًا إلى خزعة البروستاتا، ما أدى إلى كثير من الإجراءات غير المريحة».
تحسين دقة التشخيص وتقليل الخزعات غير الضرورية
وجد الباحثون أنه بفضل اختبار MPS2 بالوسع تقليل معدل الخزعات غير الضرورية بنسبة تتراوح بين 35% و42%، وهو تحسن ملحوظ مقارنة باختبارات المؤشرات الحيوية الأخرى، التي تجنبت بين 15% و30% فقط من الخزعات غير الضرورية.
وقال توسيان: «الهدف من هذا الاختبار هو الحفاظ على الفوائد المثبتة لتحليل PSA، من حيث الكشف المبكر عن السرطانات عالية الدرجة القابلة للعلاج الفعّال، مع تقليل كبير من الأضرار المحتملة الناجمة عن النتائج الإيجابية الكاذبة».
تحديات تطبيق الاختبار في المجموعات العرقية المختلفة
مع إن النتائج واعدة فما يزال القيد الرئيسي لدقة الاختبار موجود لدى المجموعات العرقية المختلفة، فقد كان 12.8% فقط من المشاركين في الدراسة من ذوي البشرة السوداء.
وقد وجدت أبحاث سابقة أن مستويات PSA تختلف بين الأعراق؛ إذ قد يكون مستوى PSA الأساسي أعلى أو أقل بناءً على العرق، ما قد يؤثر في قرار الطبيب بشأن متابعة الفحوصات الإضافية.
كشفت دراسة أُجريت عام 2022 أن الرجال السود لديهم مستويات PSA أساسية أعلى من نظرائهم البيض أو اللاتينيين، لكن الإرشادات الحالية لا تأخذ هذا التفاوت العرقي بالحسبان.
وقال مورفي: «إحدى المشكلات تكمن في أن النهج المتّبع غالبًا ما يكون عامًا، دون مراعاة الفروق العرقية».
فضلًا عن ذلك، توجد تفاوتات معروفة في استخدام وسائل الفحص المتقدمة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI). فقد كشفت دراسة من عام 2021 أن المرضى السود واللاتينيين كانوا أقل احتمالًا بكثير لإجراء تصوير بالرنين المغناطيسي بعد ارتفاع مستوى PSA مقارنة بالمرضى البيض.
وأضاف مورفي: «لا يقتصر الأمر على أن الأشخاص السود أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا، ما يتطلب خفض عتبات الخضوع للخزعة، بل إن العتبات المستخدمة عمومًا تستند أساسًا إلى بيانات مستمدة من الرجال البيض. وبالنسبة للأعراق الأخرى، مثل الآسيويين أو اللاتينيين، قد تكون العتبات الحالية مرتفعة جدًا».
الخلاصة
يبدو أن اختبار المؤشرات الحيوية MPS2، الذي يعتمد على جينات محددة للكشف عن سرطان البروستاتا عالي الدرجة، يتمتع بدقة عالية في التشخيص. ويعتقد الخبراء أن هذا الاختبار قد يعزز دقة فحص سرطان البروستاتا، مع تقليل الحاجة إلى خزعات غير ضرورية، ما يجعله خطوة مهمة نحو تحسين رعاية المرضى.
اقرأ أيضًا:
حالات سرطان البروستات قد تتضاعف خلال 20 عامًا
العلاجان المناعي والموجه لسرطان البروستات: طرق جديدة ونتائج واعدة
ترجمة: علاء الشحت
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك