تمكَّن العلماء من تطوير علاج ذي فعالية سريعة يستطيع إيقاف سلوك اضطراب الوسواس القهري لدى الفئران في غضون دقائق. ويعتبر هذا تطوُّرًا كبيرًا مقارنةً بالأسابيع والأشهر التي كانت تستغرقها الأدوية عادةً حتى تعطي نتيجة وتحقق علاج الوسواس القهري.
نُفّذت تجارب علاج الوسواس القهري على الفئران فقط حتَّى الآن، لكن يعتقد الباحثون أنّه من الممكن التوصُّل إلى نفس الفعاليَّة لدى البشر، ما يعني أنَّنا قريبون من إيجاد علاج فعَّال وفوري تقريبًا لاضطراب الوسواس القهري. وأنَّ علاجًا سريعًا وفعَّالًا كهذا سيكون مُرَحّبًا به بشِدَّة.
حيث تُبيِّن الإحصاءات أنَّ حوالي واحد بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة الأمريكيّة يعانون من أحد أشكال الوسواس القهري، ونصف تلك الحالات صُنّفت كحالات حادة.
يَظهَر اضطراب القلق -الّذي يعد الوسواس القهري أحد أشكاله- من خلال عدّة أعراض متمثِّلة بأفكار متواصلة وفضوليَّة إضافة لتصرُّفات متكرِّرة قهريَّة تتعارض مع الحياة اليومية العادية للفرد.
تجربة علاج الوسواس القهري
ولمعرفة السبب وراء سلوك الوسواس القهري لدى الفئران، قام الباحثون من جامعة ديوك في شمالي ولاية كارولينا بالتَّركيز على مستقبل عصبي يدعى «mGluR5» وهو أحد البروتينات الّتي تساعد على التحكُّم باستجابة الدِّماغ للمحفزات الخارجية، فلاحظوا عند تعطيل عمل هذا المستقبل اختفاء تلك السلوكيات القهرية سريعًا جدًّا. وكان دور «mGluR5» قد اكتُشِف ضمن عمل مسبق في العام 2007، الّذي نُفِّذ في جامعة ديوك أيضًا.
يقول رئيس الباحثين نيكول كالاكوس (Nicole Calakos): «إنّ عملية إنهاء الأعراض كانت فوريّةً»، بينما كانت تستغرق مضادّات الاكتئاب الّتي تستخدم عادةً لعلاج نفس المشاكل لدى الفئران أسابيعَ حتى تعطي أيّ نتيجة، وهي نفس المدّة الزّمنيّة تقريبًا الّتي تستغرقها تلك الأدوية عند مرضى البشر حاليًا.
إلى جانب ذلك، وجد الباحثون سابقًا أنَّ حذف المورِّثة التي ترمِّز البروتين الّذي يدعى «SaPaP3» -الّذي يساعد خلايا الدّماغ على التواصل- كان كافيًا لجعل الفئران تُظهر أعراضًا مرتبطةً بالوسواس القهريّ؛ ومنها أعراض القلق والإفراط في تنظيف أجسادها، إذ يساعد هذا البروتين على تنظيم الاتصال بين الخلايا العصبية، وبدونه لن تتمّ السيطرة على «mGluR5» كما يجب.
كما قام العلماء بتجربة منفصلة، فتمّ إنتاج هذا المستقبل بكثرة عند فئران التجارب العاديّة، وكانت كافيةً لجعل نفس السلوك القَلِق يبدأ بالظّهور عندها.
ونتيجةً لذلك؛ عندما كانت مستقبلات «mGluR5» مفعَّلة دومًا -بسبب غياب عمل بروتين «SaPaP3»- كان هناك خلايا عصبية محدَّدة في الدماغ تعمل بنشاطٍ زائدٍ لتعطي الضّوء الأخضر من أجل تكرار التّصرفات، كغسل الوجه.
والآن، وبعد تسع سنوات، وجد العلماء طريقة لعكس هذا التّأثير. إذ يقول كالاكوس: «هذه النتائج الجديدة مبشِّرة للغاية من أجل معرفة كيفيّة التعامل مع أمراض النُّمو العصبيّ، والاضطرابات الفكريَّة والسلوكيَّة».
الخطوة القادمة هي معرفة ما إذا كانت أدوية تعطيل «mGluR5» ذات فعاليَّة عند البشر، والأخبار الجيدة أنّ أدوية مشابهة كانت جزءًا من التجارب السريريَّة لعلاج مرض باركنسون في السابق، ما يعني أنَّ الخطوات الأولى قد تمَّ اتّخاذها بالفعل، لكن مازال هناك الكثير من العمل يجب القيام به لمعرفة ما هي الاضطرابات القهرية المسؤول عنها «mGluR5» عند البشر.
في الوقت الّذي تتوافر فيه العديد من العلاجات النّفسيَّة والأدوية من أجل إبقاء الوسواس القهريّ تحت السّيطرة، إلّا أنّه ليس هنالك حاليًّا أيُّ علاجٍ غير مؤلم وسريع كهذا يمكن إثبات فعاليّته، نحن متلهِّفون لمعرفة أين ستودي هذه الأبحاث!
إعداد: كندة السبع
تدقيق: منار نعيم
المصدر