كانت الديدان الألفية، أو ذوات الألف قدم أول الحيوانات البرية، واليوم نعرف أكثر من 13.000 نوع منها. توجد على الأرجح آلاف الأنواع الأخرى من اللافقاريات متعددة الأرجل بانتظار الاكتشاف والوصف العلمي الرسمي.
يأتي اسم «الدودة الألفية» من اللاتينية وتعني «ألف قدم». حتى الآن لا يوجد نوع معروف لديه أكثر من 750 قدمًا. مع ذلك، عُثر على مرشح مثير للاهتمام.
اكتُشفت «ألفية الأرجل الحقيقية بيرسيفوني» عديمة العينين تحت الأرض على عمق 60 مترًا بالقرب من الساحل الجنوبي لغرب أستراليا. تمتلك الدودة ما يصل إلى 1306 رجل، ما يجعلها أول «دودة ألفية» حقيقية والحيوان الذي يمتلك أكبر عدد من الأرجل على وجه الأرض.
إيجاد الحياة تحت الأرض
لا تزال معظم الأنواع في بعض مجموعات اللافقاريات غير موصوفة في أستراليا. إذ قد ينقرض الكثير منها قبل أن نتعرف عليها.
يعزى السبب في ذلك إلى أن الكائنات الحية في كل مكان، حتى في الأماكن التي لا نتوقعها فيها، حتى في المناطق النائية في غرب أستراليا مثل مناطق بيلبرا – Pilbara وجولدفيلدز – Goldfields، حيث الأرض قاحلة وقاسية، وليست موطنًا للعديد من الفصائل. فالواقع مختلف جدًا عما نتخيل، إذ تعيش مجموعة متنوعة للغاية من الحيوانات غير المعروفة لنا حتى الآن تحت الأرض، وتعيش في التجاويف والكسور في الصخر على بعد عدة أمتار من السطح.
استُخدمت مصائد التروغلوفونا – troglofaunal traps لمعرفة المزيد عن هذه المخلوقات. عُثِر على ألفية الأرجل الحقيقية بيرسيفوني في إحدى هذه المصائد، حيث قضت شهرين، 60 مترًا تحت الأرض في حفرة التنقيب (التعدين) في جولدفيلدز.
اكتشاف محظوظ
في ذلك الوقت كنت أعمل لدى شركة تسمى بينيلونجيا للاستشارات البيئية – Bennelongia Environmental Consultants، وهي شركة للمسح الحيواني في المنطقة قبل التعدين. كنت محظوظًا بما يكفي لوجودي في المختبر في اليوم الذي شوهد فيه الحيوان الذي يمتلك أكبر عدد من الأرجل على وجه الأرض لأول مرة.
أرتني كبيرة خبراء التصنيف جين ماكراي – Jane McRae هذه الديدان الألفية الممدودة بصورة لا تصدق، والتي يقل عرضها عن ملليمتر ويبلغ طولها 10 سنتيمترات تقريبًا. وأوضحت كيف أن وجوهها المثلثة جعلت تصنيفها في عائلة الميزابية أو المثعبانية، المكونة من الديدان الألفية الماصة من رتبة متعددة الأقسام.
ذكرتني أجسادها الطويلة النحيفة والشاحبة ذوات مئات الأرجل، بورقة علمية كنت قد قرأتها قبل سنوات، فقد وصفت تلك الورقة أكبر دودة ألفية في العالم آنذاك (750 قدمًا)، وكانت قد اكتُشفت في كاليفورنيا. في عام 2007، إبان تدريسي علم الحيوان في جامعة ولاية كامبيناس في البرازيل، استخدمت هذه الورقة للشرح للطلاب كيف أنه لا وجود لدودة ألفية في العالم تمتلك ألف ساق حقًا.
غالبًا تكون الأسماء الشائعة غير دقيقة علميًا، لكن ألفية الأرجل الحقيقية بيرسيفوني جعلت اسم الدودة الألفية صحيحًا بيولوجيًا.
أخيرًا، عُثر على دودة ألفية حقيقية
اقترحت للدكتورة جين أن عيناتنا الجديدة قد تكون أكثر توافقًا مع دودة الألفية التي اكتُشفت في كاليفورنيا وتنتمي إلى رتبة أخرى من الديدان الألفية، وهي الزراقيات أو حاملات الممصات. استشرنا مارك هارفي من متحف واشنطن، وفوجئنا معًا بإدراك أن الزراقيات نادرة جدًا في أستراليا: لا يوجد سوى ثلاثة أنواع معروفة، جميعها موجودة على الساحل الشرقي.
بعد ذلك، اتصلتُ ببول ماريك من شركة فيرجينيا تيك – Virginia Tech في الولايات المتحدة، وهو خبير في الديدان الألفية ومؤلف رئيسي لتلك الورقة حول دودة الألفية ذات الـ750 رجلًا. كان متحمسًا لتلقي العينات بعد بضعة أسابيع.
تبين أن هذا النوع الجديد يصل إلى 1306 أرجل، ما يجعله أول دودة ألفية حقيقية. أطلق عليها بول اسم ألفية الأرجل الحقيقية بيرسيفوني، في إشارة إلى طبيعتها الحقيقية (أي ألف قدم)، وإلى بيرسيفوني، إلهة العالم السفلي في الأساطير اليونانية التي أخذها هاديس من السطح.
لماذا الكثير من الأرجل؟
يعد التفسير وراء انتقال ألفية الأرجل الحقيقية بيرسيفوني إلى الحياة تحت الأرض بسبب سخونة وجفاف الطبيعة على السطح على مدى ملايين السنين. اكتشفنا في النهاية أن جين كانت محقة بشأن طبيعة الدودة.
نصنف أي دودة ألفية ذات أكثر من 180 جزءًا من جسمها على أنها «ممدودة للغاية». بريسيفوني لديها 330. جزءًا.
وجدنا عبر التحليل الجيني أن الاستطالة الفائقة قد تطورت بصورة متكررة في الديدان الألفية، وقد يكون الأمر عبارة عن تكيّف مع طبيعة العيش تحت الأرض.
من المحتمل أن يوفر العدد الكبير من الأرجل قوة جرّ محسنة لدفع أجسامها عبر فجوات صغيرة وكسور في التربة. لكن هذه مجرد فرضية في هذه المرحلة، وليس لدينا دليل مباشر على أن امتلاك المزيد من الأرجل هو تكيف مع الحياة الجوفية.
البحث عن المجهول
يُعد العثور على هذا النوع المذهل، الذي يمثل فرعًا فريدًا من شجرة حياة ذات الألفيات، خطوة أولى صغيرة نحو الحفاظ على التنوع البيولوجي الجوفي.
يبدأ ذلك بتوثيق الأنواع الجديدة، وتقييم حساسيتها (مدى احتمالية انقراضها)، وفي النهاية وضع أولويات للحفظ البيولوجي، وخطط الإدارة.
نسبة كبيرة من الأنواع التي تعيش في أستراليا القاحلة غير موصوفة. أكثر من 90 ٪ من الحيوانات الجوفية غير معروفة. عدم معرفة وجود هذه الحيوانات يجعل من المستحيل تقييم حالة حفظها.
يُعد مسح التنوع البيولوجي، وخاصة التصنيف الذي يدعمه، مهمًا للغاية. علماء التصنيف مثل جين وبول ومارك هم الأبطال المجهولون في الحفاظ على البيئة.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف كائنات دقيقة تنتج الأكسجين بمفردها في الظلام دون الحاجة إلى الشمس
ترجمة: منار سعيد حلمي
تدقيق: دوري شديد
مراجعة: نغم رابي