أعاد اصطدام وشيك لقمرين صناعيين خارج الخدمة أواخر شهر يناير 2020 إلى مفكرة الباحثين ظاهرةً مقلقة تحدث خارج الغلاف الجوي للأرض، إنها النفايات الفضائية التي تشكل سحابةً في مدار الكوكب.
صرحت وكالة ناسا أن سحابة النفايات تتشكل من ملايين الأجسام التي تدور حول الأرض، وتبلغ سرعتها 19 ألف كلم/ساعة، متجاوزةً سرعة الرصاصة بسبع أضعاف، وأن نحو 500 ألف قطعة من تلك النفايات هي بحجم كرة زجاجية صغيرة، و 20 ألفًا منها بحجم الكرة اللينة (كرة البيسبول أو التنس) أو أكبر.
إضافةً إلى كل هذه الفوضى، نجد كذلك أقمارًا صناعيةً ضئيلة الحجم تُسمى الأقمار المكعبة Cubesats، التي لا يتجاوز طول أحدها 10 سنتيمترات ووزنه 1.4 كيلوجرام فقط، ومع ذلك تبلغ تكلفة إطلاقها إلى الفضاء 40 ألف دولار أمريكي.
تستخدم الشركات الخاصة هذه الأقمار بالآلاف لجمع المعلومات وتقديم خدمات الراديو والإنترنت.
يحاول مهندسو الطيران الفضائي تطوير تقنيات وأنظمة جديدة تقي الأقمار الصناعية العاملة حاليًا من خطر الاصطدام، وكذلك المهمات الفضائية المستقبلية المنطلقة من الأرض، وحماية الناس والممتلكات على الأرض، التي قد تتعرض لمخاطر هذه النفايات مستقبلًا.
وفقًا لدايفيد بالمر David Palmer عالم الفضاء والاِستشعار عن بعد بمختبر لوس ألموس الوطني، فإن مدار الأرض يحتوي 5000 قمر صناعي، 2000 منها فقط يعمل حاليًا ويتصل بالأرض، أما الباقي فمُعطَّل.
يقول دايفيد: «عندما يُطلَق شيء نحو الفضاء اليوم -وقد تضم عملية الإطلاق الواحدة 100 قمر أو أكثر- فإن على القائمين بالعملية ومراقبي الفضاء تتبع مسار كل قطعة منطلقة من الصاروخ وتحديدها».
يقود بالمر مشروعًا يهدف إلى تطوير نوع من لوحات الترخيص الإلكترونية ترفق بالأقمار الصناعية. تسمح هذه اللوحات للأقمار ببث مواقعها ما دامت في الفضاء، حتى بعد خروجها من الخدمة.
لا يتجاوز حجم لوحة الترخيص تلك حجم لوح سكرابل، وبذلك يمكن وضعها على أصغر الأقمار الصناعية. تُسمى هذه القطعة (الهوية البصرية منخفضة التكلفة) اختصارًا : ELROI .
يُنتِج هذا الجهاز رقم هوية فريد -رقم رخصة القمر الصناعي- باستخدام ليزر يومض 1000 مرة كل ثانية. يُترجم نمط هذا الوميض إلى سلسلة من الرموز تقرأها التلسكوبات الأرضية لتحدد موقع القمر الصناعي وهويته.
يبقى نظام إيلروي متصلًا بالأرض حتى بعد نهاية خدمة قمره الصناعي، لأن لوحته تعمل بالطاقة الشمسية، إضافةً إلى حجمه ووزنه الصغيرين وعدم حاجته إلى مصدر طاقة خارجي.
يسهل وضع نظام للتعريف على الأجهزة الفضائية المفتقرة إلى أجهزة اتصال راديوية، مثل الصواريخ المستخدمة في إطلاق الأقمار الصناعية، التي ينتهي بها المطاف نفايات عائمة في الفضاء.
سيلعب إيلروي دورًا حساسًا في الوقاية من الاصطدامات في الفضاء، عبر توفير بيانات تتبُّع الأجسام التي تشكل سحابة النفايات المتنامية في مدار كوكبنا، ويستطيع النظام البصري مراقبة البث الراديوي للأقمار الصناعية الأخرى كذلك، وتحذير المراقبين على الأرض في حال تشوش الاتصال.
يضيف بالمر: «إضافةً إلى وظيفة التعريف الرئيسية، يمكن استخدام إيلروي كذلك بوصفه نظام تشخيص منخفض التردد، ما سيساعد على تخفيض حجم الأقمار الصناعية المعطلة في الفضاء. تقنية لوحة الترخيص هي جزء من الحل فقط، لكنها جزء مهم».
يتحدث نيك دالمان Nick Dallmann المهندس الباحث من مختبر لوس ألموس، عن جانب آخر من مساعي العلماء لحل مشكلة النفايات الفضائية ، الذي يتضمن وقود الصواريخ.
يحرق الصاروخ وقوده بالكامل عند إطلاقه نحو المدار، لذلك يفكر الباحثون في استخدام نوع جديد من الوقود لا يحترق كالمعتاد، بل يعمل ويتوقف باستمرار، ما يمنح قائد الصاروخ المجال للمناورة، وإمكانية تجنب الاصطدامات الفضائية.
يقول دالمان: «نعمل في لوس ألموس على تصميم صاروخ صلب solid rocket(أي صواريخ تستخدم الوقود الصلب solid fuel)، إذ يمكن تشغيله وإيقافه وإعادة تشغيله من جديد. نحن بصدد تطوير مفهوم يكون فيه الصاروخ حمولةً مُدمَجة في القمر الصناعي. بعد مرور سنوات على انفصال القمر عن المرحلة الأولى للمركبة المطلقة له، يمكن استخدام حمولتنا لتنفيذ مراوغة مدارية عاجلة لتفادي النفايات».
يعلم العلماء منذ ستينيات القرن الماضي أن التفكيك السريع لضغط غرفة الاحتراق في صاروخ الوقود الصلب، قد يسمح بإبطال الاحتراق بعد الإطلاق، ويكمن التحدي في خلق نظام للتحكم في احتراق الوقود، واكتشاف آلية لفك ضغط غرفة الاحتراق بسرعة في نفس الوقت.
أما التحدي الآخر فهو طريقة إشعال الوقود، إذ تحترق أكثر أجهزة الإشعال بعد عملية الاحتراق الأولى، وقرر العلماء أن الحل هو عدم استخدام أجهزة الإشعال التقليدية.
بدلًا من ذلك، جربوا فصل المياه إلى هيدروجين وأكسجين في غرفة الاحتراق، ثم إشعالهما باستخدام قطب كهربي لتوليد شرارة، ثم إطفاء الاحتراق من طريق تقليل الضغط.
يقول دالمان: «تمكنّا من تطوير الفكرة لإجراء عدة احتراقات متعاقبة في صاروخ صغير، وستتضمن الخطوة القادمة اختبارات على مستوى المدار».
اقرأ أيضًا:
ما هي خطورة الخردة الفضائية على بعثات استكشاف الفضاء ؟
سبيس إكس تطلق 60 قمرًا صناعيًّا جديدًا تابعًا لمشروع ستارلينك
ترجمة: وليد سايس
تدقيق: أنس شيخ
مراجعة: أكرم محيي الدين