تشيرنوبل (26 أبريل 1986):
أُنشئت محطة تشيرنوبل في أواخر السبعينيات، على بعد 100 كيلومتر شمال كييف في أوكرانيا، وكانت من أكبر محطات الطاقة النووية وأقدمها في العالم.
أودى الانفجار والانهيار اللاحق الذي حدث هناك في أبريل 1986 بحياة الآلاف، وسبب انتشار التشوهات وحالات سرطان الغدة الدرقية في المنطقة. مع ذلك، استغرق الأمر سنوات حتى نعرف القصة الكاملة وراء هذه الكارثة.
أدت تجربة فاشلة في أحد المفاعلات الأربعة بالمنشأة إلى زيادة مفاجئة في الطاقة، ما أدى إلى سلسلة من الانفجارات التي فجرت سقف المفاعل الفولاذي الذي يبلغ وزنه 1000 طن. تجمعت سحابة قاتلة من المواد المشعة فوق بلدة بريبيات القريبة -التي لم تُخلَ إلا بعد 36 ساعة من الانفجار- قبل أن تحلق تلك السحابة فوق أجزاء كبيرة من أوروبا.
حاول المسؤولون السوفييت إبقاء الكارثة طي الكتمان، لكن في 28 أبريل أفادت محطات رصد الإشعاع السويدية الواقعة على بعد أكثر من 1200 كيلومتر من تشيرنوبل أن مستويات الإشعاع أعلى بنسبة 40% من المعتاد.
في الأيام الأولى للأزمة، توفي 32 شخصًا في تشيرنوبل وعانى العشرات حروقًا إشعاعية. سبب الإشعاع المتسرب إلى الغلاف الجوي -الذي يعادل عدة أضعاف ما أنتجته القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي- تلويث ملايين الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية.
ما يزال إحصاء الخسائر البشرية الكاملة من الكارثة مستمرًا، لكن الخبراء يعتقدون أن الآلاف ماتوا وأن نحو 70 ألفًا أصيبوا بتسمم حاد. إضافةً إلى ذلك، فإن مساحة كبيرة من الأرض قد لا تكون صالحة للحياة لمدة تصل إلى 150 عامًا، وتتضمن دائرة نصف قطرها 30 كيلومترًا حول تشيرنوبيل، التي كانت موطنًا لنحو 150 ألف شخص انتقلوا انتقالًا دائمًا. سنة 2000، أُغلق آخر المفاعلات العاملة في تشيرنوبيل وأغلقت المنشأة رسميًا.
كيشتيم (29 سبتمبر 1957):
في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، شيد الاتحاد السوفيتي عشرات المنشآت السرية -بُني أكثرها على عجل وبطريقة رديئة- في محاولة لتعزيز ترسانته النووية. كان منها مصنع ماياك لمعالجة الوقود النووي في بلدة أوزيورسك الروسية، الذي أصبح موقعًا لكارثة كبرى عندما تعطل نظام التبريد في خزان مستوعب النفايات، ما سبب ارتفاع درجة حرارة المواد المشعة الجافة الموجودة فيه وانفجارها.
انتشرت غمامة من الجسيمات القاتلة فوق أوزيورسك والمنطقة المحيطة، وامتدت في النهاية على مساحة نحو 700 كيلومتر مربع. مر أسبوع كامل قبل إجلاء سكان المنطقة المتضررة البالغ عددهم 10 آلاف نسمة، لأن وجود المصنع كان محاطًا بالسرية، فلم يتلقوا أي تفسير للإخلاء المفاجئ والدائم. ومع الوقت، ظهرت تقارير عن أمراض غامضة، تتضمن انسلاخ الجلد لدى بعض الناس في المناطق المكشوفة من أجسامهم.
بدلًا من الاعتراف بما حدث نتيجة للكارثة، أنشأت الحكومة السوفيتية محمية شرق الأورال الطبيعية في المنطقة الملوثة وقيدت الوصول إليها. سنة 1979، أثار عالم الأحياء الروسي المنشق زورس ميدفيديف الأمر بالكشف عن الآثار طويلة الأمد للحادث، ولكن لم تُرفع السرية عن التقارير التي توثق الحدث حتى عام 1990.
وفقًا للتقديرات، توفي 200 شخص بسبب السرطان الناتج من التعرض للإشعاع، وربما عانى آلاف آخرون أمراضًا ذات صلة. ارتبطت حادثة ماياك ببلدة كيشتيم القريبة لأن أوزيورسك لم تظهر على أي خرائط رسمية آنذاك.
جزيرة ثري مايل (28 مارس 1979):
وقع أخطر حادث نووي في تاريخ الولايات المتحدة في منشأة جزيرة ثري مايل بالقرب من هاريسبرج بولاية بنسلفانيا، وهي منشأة جديدة تمامًا أُشيد بها لتصميمها الحديث وكفاءتها والقدرة على تحمل تكلفتها خلال عصر أزمات الطاقة.
بدأت الكارثة عندما فشل إغلاق صمام الضغط في أحد المفاعلات، ما سمح لمياه التبريد الملوثة بالإشعاع بالتسرب إلى الأبنية المجاورة. ارتكب مشغلو غرفة التحكم أخطاء فادحة وهم يحاولون احتواء الكارثة، وبحلول الصباح الباكر ارتفعت درجة حرارة النواة إلى أكثر من 4000 درجة، أي أقل بـ 1000 درجة فقط من الانهيار. عندما بدأ البخار المشع يتدفق من المصنع، تسرب نبأ الحادثة.
قللت الشركة الأم للمصنع من أهمية الحادث، زعمًا أنه لم يُكتشف أي إشعاع خارج أراضي المصنع، ولكن في غضون أيام ارتفعت مستويات الإشعاع فوق منطقة تضم أربع مقاطعات. أمر حاكم ولاية بنسلفانيا ريتشارد ثورنبرج بإجلاء النساء الحوامل والأطفال الصغار من المنطقة.
في 31 مارس، تمكن عمال المنشأة من معالجة المشكلة ووضع حد لخطر الانهيار. ورغم عدم الإبلاغ عن أي وفيات أو إصابات، دار جدل مستمر حول كون الإشعاع المنطلق في جزيرة ثري مايل قد أدى إلى زيادة معدلات وفيات الأطفال والرضع في المنطقة. أدت الحادثة إلى تراجع ثقة الرأي العام الأمريكي بالطاقة النووية، وانطلقت عدة مظاهرات، وازداد الوعي بضرورة الاستعداد للطوارئ على مستوى الولايات المتحدة.
ويندسكال (10 أكتوبر 1957):
في أواخر الأربعينيات أُنشئ أول مفاعل نووي بريطاني في شمال غرب إنجلترا، عُرف باسم ويندسكال، لإنتاج البلوتونيوم ومواد أخرى لبرنامج الأسلحة النووية الناشئ في البلاد.
في 10 أكتوبر 1957، لاحظ عمال الصيانة بالمنشأة الرئيسية ارتفاع درجات الحرارة. بمزيد من التقصي، اكتشفوا أن القلب الغرافيتي المملوء باليورانيوم في المفاعل قد اشتعلت فيه النيران. وأسوأ من ذلك، أنه ظل على الأرجح مشتعلًا مدة يومين، ما أدى إلى إطلاق مواد ملوثة خطيرة إلى الغلاف الجوي.
مع اقتراب المفاعل من الانهيار، خاطر مشغلو المحطة بحياتهم لمقاومة النيران بمراوح التبريد وثاني أكسيد الكربون والماء. أخمد الحريق أخيرًا في 22 أكتوبر، لكن بحلول ذلك الوقت كانت سحابة مشعة تنتشر بالفعل في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا.
في حين لم تحدث أي عمليات إخلاء، حظر المسؤولون بيع الحليب من المنطقة المتضررة مدة شهر تقريبًا. يقدر العلماء أن التلوث الإشعاعي الناتج من حريق ويندسكال ربما سبب على المدى الطويل نحو 240 حالة سرطان.
خلص تحقيق بدأ في غضون أيام من الحادث إلى أن الحريق كان يمكن تجنبه وأنه قد أُسيء التعامل معه. منع ظهور التقرير الكامل عدة عقود، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه ربما قد يضر بجهود بريطانيا للتعاون مع الولايات المتحدة في تطوير الأسلحة النووية.
اقرأ أيضًا:
كارثة نووية جديدة في روسيا ؟ ما صحة الكلام عن وصول الإشعاع إلينا ؟
هل يمكن أن تحدث كارثة تشيرنوبل مجددًا؟ إليك المفاعلات النووية التي تثير قلق العلماء
ترجمة: وراد الحماده
تدقيق: أكرم محيي الدين