قد يبدو أسبوع العمل الخماسي حلم الكثير من الموظفين، لكن ماذا لو اقتصر العمل على أربعة أيام فقط، مقابل الاستمتاع بعطلة أطول في نهاية الأسبوع؟
عندما تبدو العطلات قصيرة للغاية ويزداد الضغط الناجم عن الالتزام بوظيفة بدوام كامل، فإن ذلك يدفع الموظفين إلى العمل لأقصى حد، مما يجعل العمل أربعة أيام في الأسبوع فكرة مغرية للغاية. لكن كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة عمليًا؟ وهل يمكن أن تصبح شائعة؟ أظهرت آخر الأنباء نتائج متباينة حول تجارب العمل لأربعة أيام في الأسبوع.
أظهرت نتائج أكبر تجربة في المملكة المتحدة، شملت أكثر من 60 شركة ونحو 3000 موظف، أن 89% من الشركات المشاركة واصلت تطبيق أسبوع العمل الرباعي، وأن 51% منها قررت اعتماده دائمًا. أظهرت الدراسة انخفاضًا في مستوى إرهاق الموظفين وتراجعًا في نسب الاستقالات، ما يتسق مع دراسات أخرى.
اختتمت سلسلة المتاجر الكبرى آسدا قبل أيام قليلة تجربتها الخاصة بأسبوع العمل الرباعي، لكنها قررت عدم استمراره.
في حين أعلن مجلس جنوب كامبريدج شاير نجاح تجربته التي شملت 450 من الموظفين وعمال النظافة. وأوضح أنها أدت إلى زيادة الإنتاجية وانخفاض معدل تبدل الموظفين بنسبة 39%، وقُدرت المدخرات بنحو 371,500 جنيه، وكانت معظم هذه المدخرات من تكاليف موظفي الوكالة، لتصبح بذلك أكبر تجربة على الإطلاق في القطاع العام في المملكة المتحدة.
من الضروري التمييز بين أنماط التجارب المختلفة التي تجريها المنظمات. بالنظر إلى أحدث الأمثلة، مثل تجربة مجلس جنوب كامبريدج شاير، فقد اعتمدت برنامجًا يحصل فيه الموظفون على 100% من الأجور مقابل 80% من الوقت، بهدف إكمال 100% من المهام.
كانت إحدى أساسيات تجربة العمل أربعة أيام في الأسبوع في المملكة المتحدة تقليل ساعات العمل المتشابهة. إذ شملت الشركات المشاركة مجالات متنوعة من القطاعات والأحجام، ما أتاح لها تطبيق حلول مختلفة، مثل الحفاظ على 100% من الأجور مع تقليص ملحوظ في ساعات العمل.
بدنيًا، هل يمكن إنجاز العمل ذاته في أيام أقل؟
تطلبت تجربة آسدا لأسبوع العمل الرباعي ضغط 44 ساعة في أربعة أيام بدلًا من خمسة، مقابل الأجر نفسه، في حين كان الموظفون مطالبين بالعمل مناوبة يومية مدة 11 ساعة، ووجد البعض أن هذا مرهق بدنيًا ومستنزف للغاية. وزادت الصعوبات بالنسبة إلى من لديهم مسؤوليات رعاية أو يعتمدون على وسائل النقل العام.
أعلنت آسدا عند اتخاذ قرار عدم استمرار التجربة أن تجربة أسبوع العمل المرن المكون من 39 ساعة -على مدار خمسة أيام- ستستمر حتى نهاية العام. لا تقتصر الحلول المرنة للعمل على أسبوع العمل الرباعي، لكن كانت المنظمات ترغب حقًا في استكشافها.
من المهم الانتباه لأنواع التقييمات والنتائج التي تكشفها التجارب. مثلًا، ركز تقرير نتائج مجلس جنوب كامبريدج شاير أساسًا على تحسين الأداء في المجالات الرئيسية للعمل، لكن تحليل النتائج يجب أن يتضمن بعض تقييمات الموظفين الواضحة، إذ تُعد آراء الموظفين مفتاحًا لفهم نجاح هذه التجارب.
أشار مجلس جنوب كامبريدج شاير أنه قام بتجربة أسبوع العمل الرباعي لأنه لا يستطيع منافسة أصحاب العمل الآخرين من حيث الأجور وحدها، فمن المهم بالنسبة إليه جذب موظفين جدد مع الحفاظ على الموظفين الحاليين. قد يكون نظام العمل الرباعي بالفعل جزءًا من مجموعة مزايا الموظفين، وقد يكون أمرًا مهمًا في القطاع العام عند التعامل مع الموارد المحدودة.
هل سيحفز هذا النهج الموظفين؟
يجب الأخذ في الحسبان المخاطر المحتملة لهذا النهج. مثلًا، هل سيكون هذا مبررًا لأرباب العمل لعدم تقديم عروض مناسبة أو أجور أعلى في خضم أزمة غلاء المعيشة؟ أم أنه قد يؤدي إلى اضطرار الموظفين للعمل في وظائف متعددة؟ حال كان الخيار الأخير هو رغبة شخصية، فلا ينبغي أن يكون ناجمًا عن الخيار الأول.
يجب أن يُقدَّم نظام العمل الرباعي، مثل حلول العمل المرنة الأخرى، من قِبَل أصحاب العمل الراغبين في استقطاب موظفين موهوبين ومتحمسين، واستثمارهم، وتوفير الوقت والفرص لهم بهدف تطوير مهاراتهم. سيساهم كل هذا في زيادة إنتاجية الموظفين.
بالنسبة إلى الدول الأوروبية، فقد اعتمد بعضها نظام العمل أربعة أيام في الأسبوع، مثل البرتغال التي أنهت مؤخرًا تجربة ناجحة استمرت ستة أشهر وشارك فيها 41 شركة. في فبراير، بدأت ألمانيا تجربتها الخاصة بهذا النظام، إذ انضمت 45 شركة إلى هذه التجربة.
أما اليونان فقد اعتمدت نهجًا معاكسًا. إذ يمكن لبعض الشركات والمشاريع التجارية التي تقدم خدمات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع الانتقال إلى نظام العمل ستة أيام في الأسبوع بدلًا من خمسة، أو العمل 48 ساعة أسبوعيًا بدلًا من 40 ساعة. أوضحت الحكومة اليونانية أن هذا التشريع يهدف إلى معالجة نقص العمالة الماهرة وانخفاض مستويات الإنتاجية. لكن المثير للاهتمام أن هذه الدوافع نفسها تقف وراء تجارب العمل لأربعة أيام في الأسبوع في كل من البرتغال وألمانيا.
أظهرت الأبحاث السابقة أن ساعات وأسابيع العمل الطويلة لا تعني بالضرورة زيادة الإنتاجية. هذا صحيح خصوصًا في بلد يعمل فيه الناس لفترات طويلة جدًا وبشكل غير فعال، مع ركود في الأجور، مع الأخذ في الحسبان ساعات العمل التي يحددها القانون.
هل هذا هو أفضل الخيارات المرنة؟
عمومًا، تثير الحكمة من وراء تطبيق نظام العمل لأربعة أيام -أو ستة أيام- بوصفه نهجًا على مستوى الدولة الكثير من الجدل. في حين تختار الشركات اعتماد أساليب هجينة مصممة خصيصى للعمل المرن، التي لا تقتصر على نظام العمل لأربعة أيام فقط، بل تعتمد أيضًا على الأوضاع المالية وثقافة المؤسسة، كما يوضح البحث الأخير.
الأهم أن العمال لديهم أيضًا تفضيلات مختلفة ويقومون بمساومات مع أرباب العمل. وقد يدعون إلى أنماط عمل مرنة تغير مكان العمل، وليس فقط ساعات العمل.
يمكن في النهاية للشركات إدارة هذه التغييرات، مع وجود الترتيبات المناسبة التي تتناسب مع احتياجات الأعمال وتندرج ضمن السياسات المدعومة من قبل الحكومات الحديثة، في العمل بفعالية لضمان وجود قوة عاملة منسجمة ومنتجة.
اقرأ أيضًا:
ما سبب أزمة الأسهم التي حدثت مؤخرًا؟
ترجمة: ریتا عمر
تدقيق: مؤمن محمد حلمي