بلغت الإمبراطورية العثمانية أوج مجدها في القرن السادس عشر الميلادي، وحينها كانت إحدى أكبر القوى العسكرية والاقتصادية في العالم، فقد اتسعت لتشمل لا آسيا الصغرى فحسب -وهي قاعدتها الأساسية- بل كثيرًا من مناطق جنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا.
تحكمت الإمبراطورية في أراضٍ تمتد من نهر الدانوب حتى النيل، بجيشها القوي وتجارتها الرائجة ومنجزاتها المذهلة في حقول العمارة والفلك وغير ذلك.
لكن الأيام دول ولا شيء يدوم، فمع أن الإمبراطورية العثمانية بقيت قائمةً ستمئة عام فإنها مرت بفترة انحدار طويلة بطيئة فشلت فيها جهود التحديث، ثم انهارت بعد مشاركتها إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وخسارتها، فتفككت الإمبراطورية بموجب معاهدة السلام، واختفت من الوجود سنة 1922 حين أُزيح السلطان العثماني محمد السادس عن العرش فترك إسطنبول (القسطنطينية) على متن بارجة حربية بريطانية، ومن رماد الإمبراطورية العثمانية نهضت تركيا الحديثة.
ما الذي سبب سقوط الإمبراطورية العثمانية التي كانت -في وقت ما- مهابةً جليلةً؟ لم يتفق المؤرخون على جواب واحد لهذا السؤال، لكن نورد فيما يلي بعض العوامل التي ساهمت في ذاك السقوط.
ارتبطت بالزراعة أكثر من اللازم
اجتاحت الثورة الصناعية أوروبا في القرنين 18 و19، في حين استمر الاقتصاد العثماني معتمدًا على الزراعة أساسًا، فقد افتقرت الإمبراطورية إلى المصانع والطواحين التي كانت لتجعلها ندًا لبريطانيا وفرنسا وحتى روسيا، لذلك كان نمو الإمبراطورية الاقتصادي ضعيفًا، واستُعمل الفائض الزراعي في إيفاء ديون القروض التي اقترضتها الدولة من الدائنين الأوروبيين.
فلما شاركت الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى، لم تكن تمتلك القدرة الصناعية لإنتاج الأسلحة الثقيلة والعتاد والحديد والصلب لبناء السكك الحديدية لدعم الجهد الحربي.
لم تكن متماسكة كفاية
تكونت الإمبراطورية العثمانية إبان ذروتها من بلغاريا، ومصر، واليونان، وهنغاريا، والشام، ومقدونيا، ورومانيا، ومناطق من الجزيرة العربية والدول المطلة على الخليج العربي وساحل إفريقيا الشمالي، فحتى لو لم تقوّض القوى الخارجية الإمبراطورية فلا يُظنُّ أنها كانت ستبقى موحدة وتصبح دولة ديمقراطية حديثة.
«من غير المُحتمل حصول ذلك، لأن تنوّع الإمبراطورية الهائل قوميًا ولغويًا واقتصاديًا وجغرافيًا قد يمنع ذلك، إذ إن تحول المجتمعات المتجانسة إلى الديمقراطية أسهل من تحول تلك المتنوعة إليها».
كثرت ثورات شعوب الإمبراطورية بمرور الوقت، فلما حلت ثمانينيات القرن التاسع عشر اضطر العثمانيون للسماح لبلغاريا ودول أخرى بالاستقلال، واستمروا بالتخلي عن أراضيهم لغيرهم. وبعد خسارتهم في حروب البلقان (1912-1913) أمام تحالف ضم بعض الأتباع السابقين للإمبراطورية، اضطر العثمانيون لترك سائر أراضيهم الأوروبية.
كان المستوى التعليمي لشعبها متدنيًا
بُذلت الجهود في القرن التاسع عشر لتحسين التعليم في الإمبراطورية لكن ذلك لم يُجدِ شيئًا أمام تقدم أوروبا في التعليم، فبحلول سنة 1914 كان نحو 90-95% من العثمانيين أُميين، وكانت موارد الدولة البشرية -مثل مواردها الطبيعية- غير مطورة نسبيًا، ما يعني أن الإمبراطورية عانت نقصًا في الكفاءات المدربة، كضباط الجيش والمهندسين والكتبة والأطباء وغير ذلك.
أضعفتها الدول الأخرى عمدًا
ساهم طموح القوى الأوروبية في تسريع موت الإمبراطورية العثمانية، إذ ساعدت روسيا والنمسا الثوار القوميين في البلقان لتعظيم تأثيرهما، أما البريطانيون والفرنسيون فقد كانوا يتطلعون بقوة إلى الاستيلاء على مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
واجهت منافسةً مدمرةً مع روسيا
أصبحت روسيا القيصرية -التي ضمت مملكتها مترامية الأطراف شعوبًا مسلمةً أيضًا- غريمًا لدودًا لجارتها الإمبراطورية العثمانية، فقد كانت الإمبراطورية الروسية أكبر خطر يتهدد الإمبراطورية العثمانية، وكان الخطر وجوديًا بحق.
فلما تنافست الجارتان في الحرب العالمية الأولى، انهارت روسيا أولًا بسبب منع القوات العثمانية وصول الإمدادات من أوروبا إلى روسيا عبر البحر الأسود، وقد عارض القيصر نيقولا الثاني ووزير خارجيته سيرغي سازانوف فكرة التفاوض لأجل سلام منفصل مع العثمانيين، ولو كانا قبِلا ذلك فلربما كان قرارهما سينقذ روسيا.
اختارت الجانب الخطأ في الحرب العالمية الأولى
ربما كان انضمام الإمبراطورية العثمانية إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى أهم أسباب سقوطها، فقبل الحرب وقع العثمانيون معاهدة سرية مع الألمان، وكان ذلك خيارًا خاطئًا جدًا.
لما نشبت الحرب، خاض الجيش العثماني معركة شرسة قاسية في شبه جزيرة غاليبولي لحماية إسطنبول من غزو الحلفاء عامي 1915 و1916، وفي النهاية خسر العثمانيون نحو نصف مليون جندي، مات معظمهم بسبب الأمراض، إضافةً إلى نحو 3.8 مليون جريح، فوقّعت الإمبراطورية صلحًا مع البريطانيين في أكتوبر 1918 وانسحبت من الحرب.
يرجح البعض نجاة الإمبراطورية العثمانية وبقاءها، لولا دورها المشؤوم في الحرب العالمية الأولى، إذ يرون أن الإمبراطورية امتلكت القدرة على التطور نحو دولة حديثة متحدة متعددة الأعراق واللغات، لكن الحرب العالمية الأولى قادت إلى تفكيكها، إذ تحالفت الإمبراطورية العثمانية مع الطرف الخاسر، فلما انتهت الحرب، اتخذ المنتصرون قرار تقسيم أراضيها.
اقرأ أيضًا:
كل ما تود معرفته عن سقوط القسطنطينية
من هو دراكولا الحقيقي؟ تعرف على فلاد المُخوزِق
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: أكرم محيي الدين