بعد ثلاثة أعوام من وطوء قدمي نيل أرمسترونج سطح القمر لتكون أولى خطوات البشرية على سطح النجم الشاحب انطلقت بعثة أبولو17 في ديسمبر عام 1972. وصفتها وكالة ناسا بأنها آخر بعثات هبوط البشر على القمر وأطولها وأكثرها نجاحًا، وقد أسفرت عن اكتشافات علمية مهمة والتقطت واحدة من أشهر الصور في تاريخ كوكب الأرض.
أبولو 17 تُرسل أول عالم إلى الفضاء
بدأت المهمة في 7 ديسمبر 1972 بعد 33 دقيقة من منتصف الليل. هدرت محركات صاروخ ساتورن 5 وغمرت كيب كانافيرال في فلوريدا في وهج برتقالي. تحول الليل إلى النهار وأعمت كرة النار المتفرجين الذين جاءوا لرؤية أبولو 17 وهو يهدر في السماء.
في غضون دقائق لم يبقَ من أثر عمود الدخان سوى بقعة بين النجوم، وقد أطلق برنامج أبولو مهمته الأخيرة إلى القمر. ضم طاقم أبولو 17 القائد يوجين سيرنان وقائد وحدة القيادة رونالد إيفانز وطيار المركبة القمرية هاريسون جاك شميت، أول رائد فضاء تدرب في الأصل بوصفه عالمًا يحلق في الفضاء.
كان شميت الجيولوجي الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد، من بين ستة علماء اختيروا من مجموعة تضم 1400 متقدم للانضمام إلى فريق رواد الفضاء عام 1965. وقد عُين في طاقم أبولو 18، ولكن عندما أدت التخفيضات في الميزانية إلى إلغاء ناسا تلك البعثة إضافةً إلى أبولو 19 و 20، عيّنه مسؤولو الوكالة ليحل محل رائد الفضاء جو إنجل في آخر رحلة إلى القمر.
بعد أربعة أيام من إطلاق أبولو 17، دار إيفانز في مدار حول القمر وهبط شميت وسيرنان بالمركبة القمرية تشالنجر في وادي توروس ليترو الضيق وهو أعمق من جراند كانيون. وما يميز مهمات أبولو هو موقع الهبوط وهو شرق القمر. قضى شميت وسيرنان سبع ساعات في ثلاثة أيام متتالية لاستكشاف الحفر والصخور والجبال المحيطة. وجمَّعوا محطة علمية لنقل البيانات وأخذوا قياسات الجاذبية واقتطعوا شظايا من الصخور القديمة وجمعوا عينات أساسية من باطن القمر.
خلال سيرهم على سطح القمر، كان رواد الفضاء يستكشفون حافة فوهة البركان القصير عندما صرخ شميت: »هناك تربة برتقالية!« وأكد سيرنان الاكتشاف الملون وسط التربة الرمادية.
يرى كبير المؤرخين في وكالة ناسا برايان أودوم، أن العينات التي جمعها رواد الفضاء من حافة الفوهة وُجِد أنها تتكون من زجاج بركاني تشكل في أثناء انفجار بركاني. يقول: «تخبرنا العينات أن المادة البركانية نشأت من القمر وليس من تأثير نيزكي«. يُعد هذا الاكتشاف من أهم نتاجات برنامج أبولو بأكمله.
آخر الرجال على القمر
قبل اختتام الرحلة على سطح القمر، ألقى رواد الفضاء كلمات تأبين لبرنامج أبولو، إذ قال شميت، الذي مثل نيو مكسيكو في مجلس الشيوخ الأمريكي: «لقد شهد وادي التاريخ هذا الجنس البشري يكمل خطواته الثورية الأولى نحو الكون وأظن أنه لم يكن لأبولو مساهمةً أكثر أهمية للتاريخ».
قال سيرنان: «إن التحدي الذي نواجهه اليوم قد شكل مصير الإنسان في الغد، وبينما نغادر القمر كما أتينا، فإننا سنعود بسلام وأمل للبشرية جمعاء«. قبل قيامهم بأخر خطواتهم على سطح القمر، ركع القائد ونقش الأحرف الأولى لاسم ابنته على التربة القمرية. انطلق تشالنجر من القمر وترك وراءه لوحة كُتِب عليها: «هنا أكمل الإنسان اكتشافاته الأولى للقمر».
أمضى سيرنان وشميت 22 ساعة و 4 دقائق خارج الوحدة القمرية متجاوزين الوقت الكامل الذي أمضته أبولو 11 في قاعدة ترانكويليتي. ومع ذلك، لا يمكن مقارنة المصلحة العامة بالسير التاريخي على سطح القمر الذي قام به أرمسترونج وباز ألدرين.
عندما سقطت كبسولة أبولو 17 في المحيط الهادئ في 19 ديسمبر، انتهت المهمة التي استغرقت أسبوعين تقريبًا، وكان برنامج أبولو قد أصبح ذكرى. بدأت حقبة جديدة من رحلات الفضاء المأهولة ذات المدار المنخفض التي تضمنت محطة سكايلاب الفضائية وبرنامج مكوك الفضاء، إلا أن في جعبة ناسا خططًا لرحلة عودة إلى القمر. بعد ما يقرب من 50 عامًا من أبولو 17، بدأت مهمة Artemis 1 غير المأهولة التابعة لناسا في نوفمبر 2022 بوصفها خطوة أولية لإنزال اثنين من رواد الفضاء في القطب الجنوبي للقمر في عام 2025.
نقلت أبولو 17، 110 كيلوغرامًا من التربة والصخور القمرية إلى الأرض، إذ إنها امتازت عن جميع عمليات النقل السابقة واستمرت في تقديم رؤى علمية بعد نصف قرن. جرى فتح واحدة من آخر العينات غير المختومة أخيرًا في مارس 2022. يقول أودوم: «جُمعَت هذه العينات المحددة من منطقة مظلمة على القمر وعندما يعود برنامج Artemis إلى القمر، سوف نستكشف مناطق مظلمة أخرى، وما هذه العينات إلا نظائر لما قد نعثر عليه بالقرب من منطقة القطب الجنوبي للقمر».
ربما كان إرث Apollo 17 الأكثر ديمومة هو صورة أيقونية التقطتها كاميرا Hasselblad مقاس 70 ملم بعد نحو خمس ساعات من الإطلاق. التقط أحد أفراد الطاقم – وهو غير معروف بالضبط – صورة لكامل الأرض على بعد 45000 كيلومتر. أصبحت صورة بلو ماربل للكوكب المضاء بالكامل بيابساته الخضراء والبنية والمحيطات الياقوتية والسحب البيضاء وقممه الجليدية الموضوعة على الفراغ المظلم للفضاء رمزًا ليوم الأرض والقضايا البيئية.
تُعد بلو ماربل واحدة من أكثر الصور التي جرى نسخها على نطاق واسع في التاريخ. يقول أودوم: «بينما لم تشعل الصورة فتيل الحركة البيئية، إلا أنها كانت صورة حماسية مهيجة جعلت كثيرًا من الناس ينظرون لمدى هشاشة كوكبنا بمفهوم وطريقة مغايرة أخرى».
اقرأ أيضًا:
بعد 50 عامًا على تجميدها، تحليل العينات القمرية القادمة من بعثة أبولو 17
حقائق حول أبولو 13: المهمة الفضائية التي تحولت من كارثة إلى إنجاز عالمي
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: لبنى حمزة