كان أبراهام لينكولن محاميًا علَّم نفسه المهنة، ومشرِّعًا ومعارضًا قويًا للعبودية. انتُخب في نوفمبر سنة 1860 ليصبح الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة قبل اندلاع الحرب الأهلية بفترة قصيرة وأثبت في هذه الحرب أنه مُخطط عسكري بارع وقائد داهية.
مهَّد إعلان تحرير العبيد الذي أقرّه لينكولن الطريق إلى إلغاء العبودية، ويُعَد خطاب جيتيسبيرغ الذي ألقاه الخطاب الأهم في التاريخ الأمريكي. في أبريل سنة 1865، اغتيل لينكولن على يد جون ويلكس بوث أحد أنصار الكونفدرالية عندما كانت ولايات الاتحاد على وشك تحقيق النصر في الحرب الأهلية، جعل الاغتيال لينكولن شهيدًا في سبيل الحرية، ويعده كثيرون أحد أعظم الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
حياة أبراهام لينكولن المبكرة
وُلِد لينكولن في 12 فبراير سنة 1809، لتوماس ونانسي لينكولن في كوخ خشبي من غرفة واحدة في مقاطعة هاردين في كنتاكي، ثم انتقلت عائلته إلى جنوب إنديانا سنة 1816، واقتصر تعليم لينكولن الرسمي على ثلاث فترات وجيزة في المدارس المحلية إذ اضطر إلى العمل لإعانة عائلته.
انتقلت عائلة لينكولن إلى مقاطعة ماكون في جنوب إلينوي سنة 1830 حيث عمل في نقل الشحنات عبر نهر المسيسيبي إلى نيو أورلينز، ثم استقر في بلدة نيو سالم في إلينوي وعمل صاحبًا لمتجر وساعي بريد، وانخرط في السياسة المحلية داعمًا لحزب (ويغ) وفاز في انتخابات الهيئة التشريعية في ولاية إلينوي سنة 1834، وقد عارض -مثل أبطاله من حزب ويغ أمثال هنري كلاي ودانيال وبستر- انتشار العبودية في الأقاليم، وكانت له رؤية شاملة في توسُّع الولايات المتحدة الأميركية مع التركيز على التجارة والمدن أكثر من الزراعة.
درس لينكولن المحاماة بنفسه، واجتاز امتحان ممارسة المهنة سنة 1836، ثم انتقل في السنة التالية إلى عاصمة الولاية التي كانت قد سُمِّيت حديثًا سبرينغفيلد وأمضى السنوات القليلة التالية يعمل محاميًا مع مختلف أنواع الموكلِّين من أفراد عاديين وسكان محليين إلى شركات خطوط السكك الحديدية الوطنية.
تعرَّف لينكولن بماري تود وهي فتاة جميلة ميسورة الحال من كنتاكي، كان لها خُطَّاب كثيرون من ضمنهم ستيفن دوغلاس خصم لينكولن السياسي مستقبلًا، تزوج لينكولن وماري سنة 1842 وأنجبا أربعة أطفال، لكن أحدهم فقط عاش حتى مرحلة الرشد هو روبرت تود لينكولن (1843-1926) وتوفي باقي أطفالهما إدوارد بيكر لينكولن (1846-1850) ووليام والاس لينكولن (1850-1862) وتوماس (تاد) لينكولن (1853-1871) في مراحل مبكرة من حياتهم.
أبراهام لينكولن ودخول الحياة السياسية
فاز أبراهام لينكولن في انتخابات مجلس النواب الأمريكي سنة 1846 وبدأ ولايته في السنة التالية. لم تكن شعبيته كبيرة بين ناخبي ولاية إلينوي لموقفه المُعارض بشدة للحرب المكسيكية الأمريكية. لم يُوَفَّق لينكولن في أولى تجاربه السياسية وعاد إلى سبرينغفيلد سنة 1849 وقد قرر ألا يحاول الترشح ثانيةً.
لكن الظروف قادته إلى الحياة السياسية مرة أخرى، إذ حاول دوغلاس النائب الديمقراطي البارز في الكونغرس تمرير قانون كانساس- نبراسكا (1854) الذي يمنح الناخبين -لا الحكومة الفيدرالية- حق تقرير وجود عبيد في الولاية أو عدمه.
وقف لينكولن في 16 أكتوبر 1854 أمام حشد كبير في بيوريا في مناظرة ضد دوغلاس حول قانون كانساس- نبراسكا، مستنكرًا استمرار العبودية، واصفًا القانون بأنه مخالف للمبادئ الأساسية لمعاهدة الاستقلال الأمريكية.
ومع تدهور أحوال حزب ويغ، انضم لينكولن إلى الحزب الجمهوري الجديد الذي تأسس لمعارضة توسع العبودية سنة 1856، ورشح نفسه ثانيةً لانتخابات مجلس الشيوخ في تلك السنة، (وكان قد خاض معركة انتخابية فاشلة سنة 1855 أيضًا). ألقى لينكولن في شهر يونيو خطابه الشهير (البيت المُقسَّم) الذي اقتبس فيه أقوالًا من الكتاب المقدس ليشرح أفكاره، وقال فيه: «لن تحتمل هذه الحكومة طويلًا أن يكون نصفها من العبيد ونصفها الآخر من الأحرار».
واجه لينكولن دوغلاس في سلسلة من المُناظرات الشهيرة، وقد أكسبه أداؤه في هذه المناظرات شهرةً واسعة في البلاد كلها رغم خسارته في انتخابات مجلس الشيوخ.
حملة لينكولن الانتخابية للرئاسة 1860
ازدادت شعبية لينكولن في أوائل عام 1860، بعد أن ألقى خطبة حماسية أخرى في اتحاد كوبر في مدينة نيويورك، واختاره الجمهوريون مرشحًا للرئاسة في مايو من نفس العام، متجاهلين السيناتور ويليام سيوارد من نيويورك ومرشحين أقوياء آخرين لمصلحة لينكولن المحامي النحيف من إلينوي الذي اقتصرت خبرته السياسية على فترة واحدة غير موفقة في مجلس النواب.
واجه لينكولن دوغلاس مرةً ثانية في الانتخابات العامة، وكان دوغلاس ممثل الرئاسة لديموقراطيي الشمال، في حين رشح ديموقراطيو الجنوب جون سي بريكنريدج من ولاية كنتاكي، ورشح الحزب الدستوري -حديث التأسيس وقتها- جون بيل مرشحًا لهم. اقتسم بيل وبريكنريدج الأصوات في الجنوب وفاز لينكولن بمعظم أصوات الشمال ووصل إلى الهيئة الانتخابية ليفوز بعدها بالرئاسة ويدخل البيت الأبيض.
شكَّل لينكولن حكومة قوية جمع فيها الكثير من خصومه السياسيين أمثال سيوارد وسالمون بي تشيس وإدوارد بيتس وإدوارد م ستانتون.
لينكولن والحرب الأهلية
بعد سنوات من التوترات الإقليمية بين الشمال والجنوب، استفز الجنوبيين انتخاب رجل شمالي مُعاد للعبودية رئيسًا للولايات المتحدة، وبحلول موعد التنصيب الرسمي للينكولن في مارس 1861، انفصلت سبع ولايات جنوبية عن الاتحاد وأعلنت نفسها الولايات الكونفدرالية الأميركية.
في أبريل، أمر لينكولن بإرسال أسطول من السفن لإيصال الإمدادات إلى حصن سمتر في ولاية كارولينا الجنوبية، لكن الكونفدراليين أطلقوا النار على الحصن وعلى أسطول الاتحاد، فأشعلت هذه الحادثة الحرب الأهلية، وتحطمت آمال الاتحاديين في تحقيق نصر سريع بعد خسارتهم معركة بول ران (مانساس)، استدعى لينكولن 500 ألف جندي إضافي وتهيأ الطرفان لصراع طويل.
كان قائد الكونفدراليين جيفرسون ديفيس من خريجي أكاديمية (وست بوينت) العسكرية وبطلًا في الحرب المكسيكية ووزيرًا سابقًا للدفاع، أما لينكولن فلم تكن لديه أي خبرة عسكرية باستثناء مشاركة قصيرة في حرب بلاك هوك سنة 1832، لكنه فاجأ الجميع وأثبت كفاءته في قيادة الحرب، فتعلّم بسرعة حيل الحرب واستراتيجياتها في السنوات الأولى من الحرب الأهلية، واكتسب خبرةً في اختيار أكفأ القادة العسكريين لقيادة معاركه.
كان الجنرال جورج ماكيلان قائد جيش الاتحاد محبوبًا بين جنوده، لكنه أثار حنق لينكولن أكثر من مرة لتردده المستمر وإحجامه عن التقدم، وعندما فشل في اللحاق بجيش الكونفدرالية المهزوم بقيادة روبرت إي لي بعد انتصار الاتحاد في معركة أنتيتام في سبتمبر 1862، عزله لينكولن من قيادة الجيش.
تعرّض لينكولن لبعض الانتقادات بسبب تعليق بعض الحريات المدنية في أثناء الحرب، مثل حق المثول أمام القضاء قبل الاعتقال، لكنه رأى هذه الإجراءات ضرورية لتحقيق النصر.
الفوز في انتخابات الرئاسة 1864
واجه لينكولن سنة 1864 معركةً صعبة عندما ترشح لولاية رئاسية ثانية ضد المرشح الديموقراطي القائد السابق لجيش الاتحاد جورج ماكيلان، لكن انتصارات الاتحاد -خاصة استيلاء ويليام تي شيرمان على مدينة أتلانتا في سبتمبر- رجّحت كفة الأصوات لصالح الرئيس، وفي الخطاب الذي ألقاه في بداية ولايته الثانية في 4 مارس سنة 1865 تحدث لينكولن عن الحاجة إلى إعادة إعمار الجنوب وإعادة بناء الاتحاد «من دون حقد على أحد وبإحسان للجميع».
تابع الجيش بقيادة شيرمان السير شمالًا محققًا الانتصارات عبر ولايتي كارولينا الجنوبية والشمالية في حملته العسكرية (السير إلى البحر) التي بدأها من أتلانتا. استسلم الجنرال لي قائد الكونفدراليين للجنرال جرانت قائد جيش الاتحاد في معركة (أبوماتوكس كورت هاوس) في فيرجينيا في 9 أبريل. أصبح النصر وشيكًا، وألقى لينكولن في 11 أبريل خطابًا في حديقة البيت الأبيض حثَّ فيها الجماهير على الترحيب بعودة الولايات الجنوبية إلى الاتحاد، لكن نهاية لينكولن المأساوية لم تسمح له أن يعيش ليشهد تحقُّق رؤيته حول إعادة البناء.
اغتيال أبراهام لينكولن
تسلل الممثل المسرحي المتعاطف مع الكونفدراليين جون ويلكس بوث ليلة 14 أبريل سنة 1865 إلى مقصورة الرئيس في مسرح فورد في العاصمة واشنطن وأطلق النار على مؤخرة رأسه من مسافة قريبة، نُقِل لينكولن إلى نُزِل قريب من المسرح، لكنه لم يستعِد وعيه وتوفي في الساعات الأولى من صباح 15 أبريل 1865.
جعل اغتيال لينكولن منه شهيدًا وطنيًا. وفي 21 أبريل 1865 غادر قطار يحمل نعشه العاصمة واشنطن في طريقه إلى مدينة سبرينغفيلد في إلينوي حيث دُفِن في الرابع من مايو. سافر قطار أبراهام لينكولن عبر 180 مدينة في 7 ولايات ليستطيع المُعَزُّون توديع رئيسهم الراحل.
يحتفل الأمريكيون بميلاد كل من لينكولن وجورج واشنطن في (يوم الرئيس) الموافق الاثنين الثالث في فبراير من كل عام.
أقوال أبراهام لينكولن:
«لا يضيع شيء ذو قيمة لو أمضينا وقتًا كافيًا في إتقانه».
«أريد ممن عرفني جيدًا أن يقول عني إنني طالما اقتلعت الأشواك وزرعت مكانها الورود في كل مكان رأيته مناسبًا لنمو وردة».
«أميل إلى الصمت، وسواء كان ذلك من الحكمة أم لا، فإن الرجال القادرون على إمساك ألسنتهم في أيامنا هذه أقل من غيرهم».
«أشعر بالقلق على هذا الاتحاد وعلى الدستور وحريات الناس، وأريدهم ألا يحيدوا عن الفكرة الأصيلة التي أشعلت نضالنا، وسأكون سعيدًا جدًا لو جعلني الله أداةً متواضعة في يده ويد الشعب، وسخَّرني لمتابعة هدف هذا النضال العظيم»
«هذه الحرب ليست إلا سباقًا بين الناس، فهي من وجهة نظر الاتحاد صراع للحفاظ على العالم بصورته التي نعرفها، وعلى حكومة هدفها الأساسي الارتقاء بأحوال الناس ورفع الأوزار المزيفة عن كواهلهم وإتاحة سبل السعي الشريف للجميع وتوفير بدايات حرة وفرص عادلة في سباق الحياة للجميع»
«منذ 87 سنة، بنى آباؤنا على هذه القارة أمة جديدة تصبو إلى الحرية وتؤمن أن الناس جميعًا قد خُلقوا سواسية»
«ستشهد هذه الأمة التي يحميها الله ولادة جديدة للحرية، إن حكومة الشعب، من الشعب ولأجل الشعب لن تفنى من هذه الأرض»
اقرأ أيضًا:
مجتمع ما بعد الجائحة: الآثار المجتمعية وعواقب الأوبئة الماضية
أصول اللغة البشرية تعود إلى 25 مليون سنة!
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: أكرم محيي الدين