من السهل رؤية أطلال آبار النفط المهجورة في الولايات المتحدة، حتى أنها تركت فجوات كبيرة في الأرض والمشهد لا يسر الناظرين، لكن الآثار غير المرئية لتلك الآبار مقلقة أكثر.
في أنحاء الولايات المتحدة وكندا، توجد الملايين من آبار النفط والغاز المهجورة أو غير النشطة التي خلفها المستثمرون السابقون، وغالبًا ما تكون مغلقة بأسلوب غير صحيح، وقد تكون هذه الآبار اليتيمة مهجورة، لكنها ما زالت تملك تأثيرًا.
من المقدر أن الآبار المهجورة، التي يُعتقد أن مئات الآلاف منها غير موثقة، تطلق كميات هائلة من انبعاثات غاز الميثان المسببة لاحترار الغلاف الجوي، وهي كمية تتجاوز بكثير توقعات المؤسسات البيئية مثل وكالة حماية البيئة الأمريكية.
تشير التقديرات الحذرة إلى أن آبار النفط المهجورة قد تمثل ما يصل إلى 4% من انبعاثات غاز الميثان من أنظمة استخراج النفط والغاز في الولايات المتحدة، إلا أن صحة هذه التقديرات محل جدل، نظرًا للنقص النسبي في إجراء القياسات على الأرض.
ما يجعل الأمر أسوأ هو تصدع البيئة المحيطة بالآبار المهجورة، بصرف النظر عن الآبار المهجورة تمامًا، وقد يشكل صنف فرعي من الآبار غير النشطة المعروفة باسم الآبار المغلقة نفس مخاطر تسرب الميثان، ولكن أثرها غير ملحوظ وليس ذا دلالة في الأرقام الرسمية.
الآبار المغلقة هي آبار نفط خاملة لا تُستخدم حاليًا لإنتاج النفط، ويرجع ذلك على الأرجح إلى شروط السوق، ولكن يمكن إعادة تنشيطها في المستقبل، رغم كل القلق المتزايد حول مدى ضخامة كارثة الآبار المهجورة، لم يُقس مدى إسهام الآبار المغلقة -الكثير منها غير مغطى- في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
في دراسة جديدة أجراها علماء في جامعة سينسيناتي، سعى الباحثون لتدارك ذلك.
عالمة الكيمياء الجيوحيوية آمي تاونسند سمول ومساعدها البحثي جاكوب هوشور زارا مواقع 37 بئرًا غير نشط موجودة ضمن ملكية خاصة في منطقة حوض بيرميان بتكساس، وهو أكبر حوض لإنتاج النفط في الولايات المتحدة الذي ينتج عمومًا انبعاثات غاز الميثان أعلى بنحو 60% مقارنةً مع انبعاثات متوسط الناتج الوطني للنفط والغاز.
وجد الباحثون أن الآبار المغلقة جزء من المشكلة. في حين أن العديد من الآبار غير النشطة -التي قيست لمستويات الميثان المرتفعة- أظهرت إما عدم وجود تسرب أو القليل من التسرب، ولكن بعضها يسرب الميثان بكميات كبيرة يصل حدها الأقصى إلى 132 جرامًا في الساعة.
تقول تاونسند سمول: «كان بعضها يسرب الكثير، ومصادر قليلة هي المسؤولة عن معظم التسربات».
قد تختلف المشكلة من بئر مغلق إلى آخر، لكن القيم العالية جدًا زادت متوسط الانبعاث لجميع الآبار غير النشطة التي قيست إلى 6.2 جرام في الساعة وهو أعلى من متوسط الآبار المهجورة في الولايات الغربية الأخرى (بما فيها: كولورادو ويوتاه ووايومنغ) ولكنه أقل من المعدلات الأخرى في حوض الأبلاش في شمال شرق الولايات المتحدة.
يقول الباحثون إنه إذا عُثر على نفس مستويات التسرب لجميع آبار تكساس التي يبلغ عددها نحو 100 ألف بئر، فسيكون ناتج ذلك نحو 5.5 مليون كيلوجرام من الميثان المنبعث سنويًا أي ما يعادل حرق 150 مليون رطل من الفحم سنويًا.
على الرغم من ذلك، لا يمكننا استنتاج الكثير من البيانات الحالية، نظرًا لوجود الملايين من الآبار المهجورة أو غير النشطة في أمريكا الشمالية، ويجب إجراء العديد من القياسات.
وبمجرد أن نفعل ذلك -إذا ظهرت أنماط مماثلة من التسرب في جميع المواقع- فقد تكون هناك حلول عملية لإصلاح معظم التسريبات عبر التركيز على أسوأ مصادر التسريب.
قالت تاونسند سمول لصحيفة جريست وتكساس أوبزرفر: «إذا كنت تريد إحداث تأثير كبير، فما عليك سوى إصلاح أكثر الآبار تسريبًا».
عمومًا، يبدو أن الآبار غير النشطة تنتج انبعاثات ميثان أقل من الآبار النشطة المنتجة للنفط، ولكن هذه المواقع المهملة إلى حد كبير التي لم تُصن تشكل مشكلات بيئية أيضًا.
لاحظت تاونسند سمول وزميلها هوشور في بعثتهما أدلة على تجمع المياه الملوثة في خمسة من الآبار، إضافة إلى تسرب المياه المالحة ما أدى إلى تشكيل برك محاطة بالنباتات الميتة وانبعاث رائحة غازية قوية، وأضافت تاونسند سمول: «لقد شعرت بالذعر بسبب ذلك، ولم أر شيئًا كهذا من قبل في أوهايو. كان أحد الآبار يدفق كثيرًا من المياه لدرجة أن الناس الذين عاشوا هناك أطلقوا عليها اسم بحيرة، ولكنها سامة، وبها أشجار ميتة في محيطها ورائحتها مثل كبريتيد الهيدروجين».
في النهاية، يوجد الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، سواء في تقييم الآثار البيئية والصحية لما يمكن أن تمثله هذه الآبار المغلقة المؤذية على كوكب الأرض وكائناته.
وقد أشارت إدارة بايدن بقوة إلى نيتها البدء في معالجة الآثار السامة للآبار المهجورة، العملية المتضمنة في خطة إنفاق بقيمة 16 مليار دولار أمريكي.
إضافة إلى سد أسوأ الآبار تسريبًا وإجراء المزيد من القياسات للآبار غير النشطة، يقول الباحثون إن عمليات التفتيش المنتظمة للآبار المغلقة قد تساعد على منع تحول المواقع المهملة لمصادر انبعاث مؤذية، ويمكن تركيب كاميرات الأشعة تحت الحمراء لتحديد التسريبات.
لو كان الوضع مثاليًا، لتم كل ذلك بالفعل قبل أن نصل إلى هذه النقطة. ففي حين أن انخفاضات انبعاث ثاني أكسيد الكربون كانت محور التركيز الرئيسي للعديد من المبادرات المناخية، فإن الحقيقة هي أنه على المدى الأقصر، يُعد الميثان من أكثر الغازات الدفيئة فاعلية بقدرة احترارية أكبر 28 مرة خلال 100 عام.
على الرغم من المخاطر الشديدة، فإن الانبعاثات تتجه لتكون أسوأ، ففي هذا الشهر فقط أظهر تحليل جديد أجرته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن انبعاثات غاز الميثان العالمية السنوية شهدت أكبر زيادة منذ بدء تسجيل المعطيات في عام 1983.
اقرأ أيضًا:
تسرب النفط في المحيط: تاريخه ومسبباته
ما هو النفط أو البترول وكيف يتشكل وما هي أنواعه
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: نغم رابي