تزداد قدرة الإنسان على فهم أصوات الحيوانات وتفاعلاتهم مع بيئتهم المحيطة إن كان يتمتع بسمة التعاطف مع أقرانه من البشر، وتبلغ تلك القدرة أقصاها إن كان عمر الشخص بين 20 و29 عامًا، وفقًا لبحث جديد أُجري بالتعاون مع مؤسسات سويسرية.
كيف يعرّف الباحثون مشاعر الحيوانات؟
المشاعر هي ردات فعل قوية قصيرة الأمد، تُطلق استجابةً لمنبهات معيّنة خارجية أو داخلية. توصف بمستوى محدد من الإثارة «النشاط الجسدي» والحالات الشعورية «المشاعر الإيجابية مقابل السلبية».
في الدراسة الحالية، سُجلت بيانات حيوانات الاختبار في حالات الإثارة المختلفة، المرتبطة بالحالات الشعورية، مثل توقع وصول الطعام أو الإحباط بسبب عدم وصول الطعام.
تُحقق من الحالات الشعورية باستخدام المؤشرات السلوكية الموضحة في المراجع البحثية. قُيمت الإثارة العاطفية بناءً على معدلات ضربات القلب للحيوانات والحركة، إذ إن الحركة مؤشر سلوكي جيد للإثارة لدى الحيوانات.
بحث العلماء عن عن آثار ما يسمى النظام العاطفي المشترك بين الثدييات، مع أن البحث شمل تطبيقات تتعلق برفاهية الحيوانات أيضًا.
أظهرت النتائج أنه اعتمادًا على أصوات الحيوانات، نستطيع نحن البشر تحديد هل الحيوان متوتر أو متحمس؟ وهل يعبر عن مشاعر إيجابية أو سلبية؟ وينطبق هذا على عدد من الثدييات المختلفة.
تقول عالمة الأحياء السلوكية إيلودي بريفر: «تعتمد قدرتنا على تفسير الأصوات على عدة عوامل، مثل العمر والمعرفة الوثيقة بالحيوانات، إضافةً إلى مدى تعاطفنا مع البشر».
للمرة الأولى نختبر تأثير العديد من أصوات الحيوانات المختلفة على البشر، فيما يتعلق بالإثارة، «أي التوتر أو الحماس»، والتكافؤ، «أي الحالات الشعورية الإيجابية مقابل السلبية».
شارك في الدراسة 1024 شخصًا من 48 دولة مختلفة، وتضمنت الدراسة أصواتًا أو نداءات لستة ثدييات. استمع المشاركون إلى أصوات الماعز والماشية والخيول البرية والمستأنسة والخنازير والخنازير البرية، إضافةً إلى أصوات بشرية عشوائية أداها ممثلون.
اختلاف القدرة على تفسير أصوات الحيوانات:
أظهرت النتائج أن نسبة الإجابات الصحيحة المتعلقة بأصوات الحيوانات الدالة على الإثارة بلغت 54.1%، أما الدالة على الحالات الشعورية فكانت 55.3%.
أدلى المشاركون بمعلومات شملت العمر والجنس ومستوى التعليم، ثم أجروا اختبارًا لتقييم مدى التعاطف. لاحظ الباحثون العديد من العوامل المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بمدى فهم البشر لأصوات الحيوانات.
من كان أداؤه أفضل في الاختبار؟
درس الباحثون العديد من الخصائص الديموغرافية المؤثرة في القدرة على تفسير أصوات الحيوانات:
- العمل مع الحيوانات: كانت النتائج أفضل بدرجة ملحوظة لدى المشاركين الذين يتفاعلون مع الحيوانات في عملهم، وإن اختلفت أنواع الحيوانات عن الموجودة في الدراسة.
- العمر: أظهرت النتائج اختلافًا واضحًا. إذ كان أداء الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا هو الأسوأ، في حين كان أداء الأشخاص بعمر 20-29 عامًا هو الأفضل في أداء الاختبار. استنتج الباحثون أن القدرة على فهم أصوات الحيوانات تقل مع التقدم في العمر.
- التعاطف: من المثير للاهتمام أن أصحاب النتائج الجيدة في اختبار التعاطف تجاه البشر حققوا أيضًا أفضل النتائج في اختبار فهم أصوات الحيوانات.
- الجنس: لم يظهر فارق ملحوظ بين الرجال والنساء، ما يتناقض مع الاعتقاد السائد بأن النساء أكثر تعاطفًا وأذكى عاطفيًا من الرجال.
- الأبوّة: لم يظهر فارق واضح بين المشاركين الذين لديهم أطفال ومن ليس لديهم.
- درجة التعليم: لم يظهر أي فارق معتبر.
- التدجين: يرتبط هذا العامل بالحيوان ذاته لا بالأشخاص المشاركين، إذ كان من الأسهل فهم أصوات الخنازير والخيول المستأنسة المتعايشة مع البشر أكثر من مثيلاتها البرية.
التعاطف تجاه البشر مرتبط بالتعاطف تجاه الحيوانات:
كان الارتباط بين التعاطف تجاه البشر وتجاه الحيوان مفاجئًا للباحثين. تقول بريفر: «كان من المفاجئ والممتع أن من حققوا أفضل النتائج في اختبار تقييم مستوى التعاطف تجاه البشر، هم أنفسهم الذين حققوا أفضل النتائج في اختبار فهم مشاعر الحيوانات».
تطور المشاعر:
درس الباحثون آثار النظام العاطفي المشترك بين الثدييات، الذي ربما احتفظنا به عبر التاريخ التطوري. تدعم الدراسة هذه الفكرة، خصوصًا فيما يتعلق بتمييز الإثارة. في حين تُظهر النتائج تباينًا كبيرًا في مدى قدرة الأشخاص على تمييز ما إذا كانت الحيوانات تمر بمشاعر إيجابية أو سلبية، تظهر الدراسة أن البشر يتمتعون بقدرة أعلى على التمييز بين الإثارة العالية والمنخفضة لدى الثدييات.
وفقًا لبريفر، قد يكون سبب ذلك أننا نمتلك سمات مشتركة مع الثدييات في التعبير عن شدة عواطفنا، أي الإثارة، ما يمنح المشاركين بعض القدرة الفطرية على تفسير الإثارة، ويجعل النتائج أقل اعتمادًا على المعرفة المكتسبة.
توضح بريفر: «غالبًا ما تكون الأصوات عالية التردد علامةً على زيادة الإثارة، والأصوات منخفضة التردد علامة على انخفاضها. لذلك إذا استخدم الشخص لتفسير أصوات الحيوانات المعيار ذاته الذي قد يستخدمه لفهم الإنسان، فإنه غالبًا ما يكون محقًا، إذ نعبر عن الإثارة بشكل مشابه للحيوانات، في حين لا ينطبق ذلك على الحالات الشعورية، إذ إنها –أي الإثارة- مرتبطة بمسارات الإجهاد، التي احتُفظ بها جيدًا من الناحية التطورية لدى الثدييات».
«كان بإمكاننا استخدام اختبارات أخرى تقيس ارتباط الأشخاص بالحيوانات، لكننا تمسكنا باختبار التعاطف المحدد هذا لتبسيط الأمر، الذي تُرجم وتُحقق من صحته في اللغات الثمانية في الدراسة».
الرفق بالحيوانات يتعلق تمامًا بالمشاعر:
تقول إيلودي بريفر: «يُعرّف الرفق بالحيوان من خلال الحياة العاطفية للحيوانات. لذلك فإن المعارف الجديدة التي تطرحها هذه الدراسة مهمة لكل من مجالي البحث الأساسي والتطبيقي. فهي تزيد من فهم المشاعر الحيوانية وتفتح فرصًا لتحسين هذا الفهم«.
قبل الاختبار، طُلب من المشاركين الإجابة عن الأسئلة الديموغرافية، أي الجنس والعمر والمستوى التعليمي، وهل لديهم أطفال؟ وهل يتعلق عملهم أو دراستهم بالحيوانات؟
في أثناء الاختبار، عُرض على المشاركين عدة أسئلة، يتضمن كل منها صوتين لحيوان معين، إما بإثارة مختلفة ولكن التكافؤ ذاته أو تكافؤ مختلف ولكن الإثارة ذاتها، ثم كان عليهم تخمين هل الصوت ذو إثارة عالية أو منخفضة، أو ذو شحنة عاطفية إيجابية أو سلبية، أي التكافؤ.
بعد الاختبار، طُلب منهم إكمال اختبار التعاطف المعياري الذي يحدد درجات من أربعة أبعاد للتعاطف مع الناس.
وفقًا للباحثين، تمهد الدراسة السبيل للتوصل إلى وسائل ملموسة للعمل على تحسين رفاهية الحيوان، من طريق فهم حياتهم العاطفية.
مثلًا، تطوير تطبيق يعمل بالذكاء الاصطناعي ويفسر أصوات الحيوانات، قد يدعم الأشخاص الذين يعملون مع الحيوانات ويفتح آفاقًا واعدة في هذا المجال.
تجدر الإشارة إلى أن كل شخص يستطيع أن يبدأ الآن بتطوير مهاراته الخاصة على فهم تلك الأصوات، وذلك بالتفاعل مع الحيوانات يوميًا.
اقرأ أيضًا:
هل يميل الناس إلى التعاطف مع الحيوانات أم البشر؟
تسجيلات أصوات الشمبانزي تمدنا بنظرة ثاقبة على تطور اللغة البشرية!
ترجمة: ميس مرقبي
تدقيق: رغد أبو الراغب