يصاب الإنسان بأمراض عديدة تؤدي إلى نقص شديد في إشباع الدم الأكسجيني، الأمر الذي قد يهدد حياة الفرد ويفقده القدرة الذاتية على التنفس، ما يضطر الأطباء – في الحالات الشديدة- إلى وضعه على جهاز التنفس الاصطناعي (جهاز التهوية الآلية) للحفاظ على إشباع طبيعي من الأكسجين.
تنقذ هذه الأجهزة حياة الملايين من المرضى، لكن قد تسبب أذيات على مستوى أعضاء متعددة في الجسم وخاصةً الرئتين، مثل ذات الرئة المرتبط بجهاز التهوية الآلية والأذية الرئوية الناجمة عن العلاج المديد بالأكسجين وغيرها.
يحاول العلماء جاهدين البحث عن طرق جديدة تمكّنهم من تزويد الجسم بالأكسجين مع تجنب الآثار الجانبية للتهوية الآلية.
استخدم العلماء تقنية أخرى-إضافةً إلى جهاز التهوية الآلية- عُرفت باسم أجهزة دعم الحياة ECMO، تستخرج هذه الأجهزة الدم من الجسم وتزوده بالأكسجين وكذلك تخلصه من غاز ثنائي أكسيد الكربون، تستخدم هذه الأجهزة في الحالات التي تتطلب الحفاظ على أكسجة الدم ضمن الحدود الطبيعية لمدة زمنية محددة، مثل عمليات القلب المفتوح، أو الإصابات الناجمة عن حوادث السير.
حققت هذه التقنية مقارنةً مع الطريقة الحديثة في حقن الأكسجين الوريدي ثورة في مجال الطب وتغلبت على مشكلات نقص الأكسجة المعنّد، وتجنبت خطورة استخراج الدم لإجراء عمليات التبادل الغازي.
أشار الباحثون في ورقتهم البحثية إلى إمكانية تجنب حدوث الإصابات الرئوية المرتبطة بأجهزة التهوية الآلية في حال نجاح هذه الطريقة.
تعتمد هذه التقنية توجيه سائل محمل بالأكسجين عبر سلسلة من الفوهات التي تصبح أصغر فأصغر، ليصبح حجم الفقاعات في نهاية هذه العملية أصغر من حجم كرية الدم الحمراء، ما يسمح بحقنها مباشرةً في مجرى الدم دون حدوث صمات داخل الأوعية (انسداد في الأوعية الدموية).
تحاط هذه الجزيئات بغشاء شحمي قابل للذوبان بعد دخول السائل إلى الجسم، يفيد هذا الغشاء في حماية الجسم من التأثير السمي لهذه المواد واحتمال تكتلها مع بعضها مسببةً انسدادًا في الأوعية الدموية.
يذوب هذا الغشاء بعد إضافة المحلول إلى الجسم فتتحرر بعدها جزيئات الأكسجين إلى كافة النسج.
أظهرت التجارب التي أُجريت على الدم البشري، أن تطبيق هذه الطريقة قد يرفع نسبة إشباع الدم الأكسجيني من 15% إلى أكثر من 95% خلال دقائق قليلة، واختلفت هذه النسبة في التجارب التي نُفّذت على الفئران إذ بلغت فقط 20-50%.
تتميز هذه الطريقة في العلاج بسهولة التحكم في جرعة الأكسجين المعدّة للحقن وتحديد حجم السوائل المعطاة، وكلاهما من العوامل الحاسمة في تدبير المرضى المصابين بآفات رئوية خطيرة.
أكد الباحثون على أن هذه الطريقة ما تزال قيد الاختبار ولم تستخدم بشكل مباشر حتى الآن، لكنهم توصلوا إلى تركيبة ملائمة لجسم الإنسان إلى حد كبير.
يجب أن تكون إضافة الأكسجين بهذه الطريقة خاضعة لحسابات دقيقة، وذلك بسبب المضاعفات التي قد تنتج عن حقن جرعات عالية أو منخفضة نسبةً إلى حاجة المريض، كذلك الخطورة التي تحملها الطريقة الخاطئة في الحقن، لذا يحرص الباحثون على تطبيق التجربة على عدد أكبر من الحيوانات قبل تطبيقها على الإنسان.
أكد العلماء على أن أجهزة الحقن الجديدة لن تحلّ مكان أجهزة التنفس الاصطناعي أو أجهزة دعم الحياة، فهي لا يمكن أن تكون علاجًا طويل الأمد، لكنها تعد حلًا مؤقتًا ينقذ حياة المريض حتى تأمين جهاز تهوية آلية، ويحميه من أذيات الأعضاء الناجمة عن نقص الأكسجة، ويقلل من نسبة حدوث توقف القلب.
من المتوقع دمج هذه التقنية مع أجهزة التهوية الآلية لتأمين علاج واسع وآمن للمرضى.
دراسة عام 2012 عن حقن الأكسجين الوريدي
أصيبت فتاة في عام 2006 ب «التهاب رئوي حاد»، طوّر على أثره نزيفًا رئويًا أدى إلى نقص شديد في إشباع الدم الأكسجيني، تلاه توقف قلب وحدوث الوفاة.
شكّلت هذه الحادثة دافعًا لعدة باحثين في مستشفى بوسطن للأطفال لتكوين فريق بحث علمي بقيادة طبيب يدعى جون خير في قسم الأمراض القلبية في مستشفى بوسطن للأطفال.
ضمّ الفريق أعضاء من تخصصات مختلفة مثل الهندسة الجزيئية، وعلوم الأحياء والجزيئات الدقيقة، وأطباء من مختلف الاختصاصات.
ابتكر الباحثون طريقةً جديدة لتقديم الدعم التنفسي من طريق حقن الأكسجين داخل الوريد مباشرةً، وذلك باستخدام جهاز يسمى السونيكاتور الذي يعتمد على أمواج صوتية عالية الطاقة تساعد على دمج جزيئات غاز الأكسجين مع جزيئات شحمية تغلفها وتحتبس بداخلها.
يتراوح حجم هذه الجزيئات بين 2-4 ميكرومتر (لا ترى بالعين المجردة)، وتحمل الأكسجين بتركيز .%70نجحت هذه الطريقة عند تطبيقها على الحيوانات التي عانت نقص أكسجة شديد أو انسداد ميكانيكي في الطرق التنفسية العلوية، ولاحظوا نتائج مذهلة في التجارب التي أُجريت على دم الإنسان في المختبرات.
نوّه العلماء إلى ضرورة الالتزام بحقن الأكسجين خلال مدة تتراوح بين 15-30 دقيقة، ولا يجب تجاوز هذه المدة لأن التسريب الزائد قد يشكل حملًا زائدًا على القلب.
أجريت محاولة حقن مشابهة في أوائل التسعينيات لكنها فشلت فشلًا ذريعًا وسببت وفيات نتيجة الإصابة بصمات هوائية قاتلة.
لذلك، توجه الباحثون في تجاربهم الحديثة إلى تحطيم هذه الجزيئات وتصغير حجمها لتجنب حدوث انسداد في الأوعية الدموية، حصل الباحثون على تمويل دراستهم من صندوق تطوير التكنولوجيا في مستشفى بوسطن للأطفال وحصل د. خير على جائزة وزارة الدفاع الأميركية للبحوث الأساسية.
اقرأ أيضًا:
نقص تأكسج الدم: الأسباب والعلاج
نقص الأكسجين: أسباب نقص الأكسجين وتشخيصه وعلاجه
ترجمة: بثينة خدام
تدقيق: طارق طويل
مراجعة: لبنى حمزة