بالنظر إلى تعقيد جسم الإنسان، فليس من الغريب أننا ما زلنا نحقق اكتشافات جديدة حول الأجزاء والأعضاء المختلفة التي تتكون منها أجسامنا، ومؤخرًا، توصل العلماء إلى اكتشاف جديد حول المخيخ في الجزء الخلفي من الدماغ!
كما هو متعارف، فإن للمخيخ دورًا مهمًا في التحكم في حركاتنا لتكون بالشكل الصحيح المتوازن، ولكن، تشير نتائج الدراسة الأخيرة التي توصل إليها العلماء إلى أن المخيخ يؤدي أيضًا دورًا رئيسًا عندما يتعلق الأمر بتذكر التجارب العاطفية الإيجابية منها والسلبية، إذ يتذكر الدماغ جيدًا هذه الأنواع من التجارب العاطفية لأسباب ليس أقلها أنها تساعد على حياة جنسنا البشري وبقائه، وحتى نتمكن من تذكر الأوقات التي مررنا فيها بظروف ومواقف خطيرة أو مزدهرة وجيدة.
يبدو أنّ اللوزة الدماغية والحصين هما منطقتا الدماغ المسئولتان أساسًا عن تعزيز هذه الذكريات والتجارب العاطفية، ولكن بما أن المخيخ مرتبط بالفعل بعملية تكييف الخوف، التي تُعَد شكلًا من أشكال التعلم والتعبير عن استجابات الخوف، لذلك، كان هدف الباحثين من وراء الدراسة الأخيرة معرفة: هل للمخيخ دور في تسجيل الذكريات العاطفية أيضًا أو لا؟
كتب الباحثون في دراستهم المنشورة: «كان الهدف من هذه الدراسة هو التحقق: هل للوصلات والروابط المخيخية والدماغية دور في ظاهرة الذاكرة العرضية الفائقة للمعلومات البصرية المثيرة عاطفيًا أو لا؟».
تمكن فريق الباحثين من إثبات دور المخيخ المهم في هذه الظاهرة بالفعل، وذلك بإجراء مسح بالأشعة لأدمغة 1418 شخص مشارك في هذه الدراسة بالتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وذلك في أثناء مشاهدتهم لصور عاطفية معروضة أمامهم، بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، وبعضها محايد، إذ تذكر المشاركون الصور العاطفية الإيجابية والسلبية جيدًا أكثر من تذكرهم للصور المحايدة، وقد ارتبطت هذه القدرة المعززة على التخزين بالأوقات التي كان فيها المخيخ أكثر نشاطًا.
علاوةً على ذلك، لاحظ الباحثون أيضًا مستوى أعلى من التواصل والترابط بين المخيخ والمخ؛ الذي يُعَد الجزء الأكبر من الدماغ، إذ يتلقى المخيخ معلومات من القشرة الحزامية الأمامية، وهي قسم من الدماغ يقع في الجانب الأنسي للقشرة الدماغية، وتعتبر منطقة أساسية لإدراك المشاعر وتقييمها، ولها دور في نقل المعلومات إلى اللوزة الدماغية والحصين.
يقول عالم الأعصاب دومينيك دي كويرفين من جامعة بازل في سويسرا: «تشير هذه النتائج إلى أن المخيخ يُعَد جزءًا لا يتجزأ من شبكة مسؤولة عن تحسين تخزين المعلومات العاطفية».
كما هو الحال مع أية نتائج جديدة حول الشبكات العصبونية الحيوية داخل رؤوسنا؛ فقد تكون هذه النتائج مفيدة لتوضيح كيفية إصلاح تلك الشبكات العصبونية الحيوية عند حدوث خلل أو ضرر ما، فمثلًا؛ عندما لا تُخزن الذكريات جيدًا، أو إذا كانت تلك الذكريات مطبوعة ومترسخة بوضوح شديد في أذهاننا وعقولنا.
عندما تتبادر التجارب المؤلمة أو المخيفة بسهولة إلى الذهن، قد يؤدي ذلك إلى مشكلات في الصحة العقلية. فبدلًا من أن يخدم ذلك مصلحتنا؛ يكون له في الواقع تأثير سلبي، ولذلك، قد تكون الأبحاث الجديدة حول هذا الأمر ذات فائدة كبيرة ومهمة في نهاية المطاف.
أكّد الباحثون في هذه الدراسة أن هذه النتائج تُوسّع المعرفة والفهم حول دور المخيخ في العمليات المعرفية والإدراكية والعاطفية المعقدة، وقد تكون أيضًا ذات صلة بفهم الاضطرابات النفسية المرتبطة بالشبكات العصبية العاطفية الشاذة، مثل: اضطراب ما بعد الصدمة، أو اضطراب طيف التوحد.
اقرأ أيضًأ:
ترجمة: أليسار الحائك علي
تدقيق: هادية أحمد زكي