إن سطح الأرض مغطى بصفائح صلبة تتحرك وتتصادم وتغوص في باطن الأرض.

متى بدأت هذه العملية؟ إنها واحدة من الأشياء الفريدة على الأرض، على عكس كل كوكب آخر معروف في الكون، إذ يتكون سطح الأرض من صفائح صلبة تنزاح، وتتصادم، وتغوص.

متى انفصل سطح الأرض إلى صفائح تكتونية؟ متى بدأت تلك الصفائح بالتحرك؟ هذا السؤال مهم لأن الصفائح التكتونية ترتبط بتطور الحياة وتعقيدها.

المثير للدهشة أن الجيولوجيين ليست لديهم إجابة دقيقة حول وقت ظهور الصفائح التكتونية، تتراوح التقديرات بين 700 مليون سنة و4 مليارات سنة مضت، عندما كانت الأرض ما زالت شابة.

ذكر روبرت ستيرن، عالم الجيولوجيا من جامعة تكساس في دالاس، إن أقدم دليل لا لبس فيه على الصفائح التكتونية الحديثة يعود إلى عصر البروتيروزويك الحديث، بين مليار سنة و541 مليون سنة مضت.

إذ يكشف السجل الجيولوجي عن وفرة الأوفيوليت -أجزاء من القشرة المحيطية التي دُفعت إلى القارات- والشيست الأزرق، وهي صخور متحولة تتشكل في نطاقات الاندساس، أو المناطق التي تصطدم فيها الصفائح وتغوص في باطن الكوكب.

الاندساس هو سمة من سمات الصفائح التكتونية، إذ تُظهر هذه الصخور المنتشرة على نطاقات واسعة أن الصفائح كانت تصطدم منزلقة بعضها تحت بعض.

إلا أن العديد من الجيولوجيين يعتقدون أن وجهة نظر ستيرن متحفظة للغاية.

يتفق المنتقدون على وجود صخور تشير إلى أن الصفائح التكتونية انتشرت على نطاق واسع لأول مرة منذ 700 مليون سنة – 900 مليون سنة.

ربما كانت هذه الصخور موجودة في وقت سابق ثم اختفت بمرور الوقت. مثلًا، اصطدمت شبه القارة الهندية بجنوب آسيا منذ 55 مليون سنة فقط، وقد تآكلت بالفعل العديد من هذه الصخور، كما ذكر مارك هاريسون، وهو بروفيسور فخري في العلوم الجيولوجية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

قال هاريسون: «لم ينته بعد تصادم صفيحتي التبت والهند».

إذا كان الدليل على التكتونيات يختفي حتى مع حدوث تصادم من صفيحة إلى أخرى، فكيف نعثر على مثل هذه الصخور من الماضي السحيق؟

يجادل ستيرن بوجود دليل على حدوث بعض الاندساس منذ 1.8 مليار سنة، إذ لم يحدث بالكامل، ما يعزز وجهة نظره القائلة إنه حال وجود الصفائح التكتونية باتساق قبل 800 مليون سنة، فقد يكون الأمر أوضح في السجل الصخري.

يرى آخرون أن هذه العلامة هي دليل على أن الصفائح التكتونية كانت حاضرة بالفعل قبل ذلك الوقت.

اقترح العديد من الباحثين أن التحول إلى الصفائح التكتونية حدث قبل زمن بعيد.

يوجد العديد من الأدلة على حدوث نوع من التحول الجيولوجي خلال الدهر السحيق، في فترة تمتد بين 4 مليارات و2.5 مليار سنة. مثلًا، يعود تاريخ أحد أجزاء الأوفيوليت، جزء على الأقل، المحفوظ اليوم إلى 2.5 مليار سنة.

يوجد خط آخر من الأدلة في كيمياء القشرة، إذا كانت القشرة صخرة بركانية جديدة تمامًا، فإن كيمياءها إلى حد بعيد ستبدو أشبه بالوشاح الذي نشأت منه.

أما إذا انصهرت مجددًا وأعيد تدويرها بواسطة الصفائح التكتونية، فإن هذا النوع من الكيمياء سيتحول.

وجدت دراسة عام 2012 أن أجزاء كبيرة من القشرة بدأت إعادة تدويرها منذ نحو 3 مليارات سنة.

قال المؤلف المشارك كريس هوكسوورث، بروفيسور فخري في العلوم الجيولوجية بجامعة سانت أندروز في المملكة المتحدة، إن هذا قد يمثل التحول إلى تدمير القشرة لإعادة تشكيلها.

تشير الأبحاث حول الزيركون -الفلزات التي تبقى عند انصهار الصخور المحيطة بها وتتشكل مجددًا- إلى أن القشرة الأرضية تحولت في وقت سابق، منذ نحو 3.8 مليار سنة.

قالت مؤلفة الدراسة ناديا درابون، عالمة الأرض والكواكب في جامعة هارفارد: «بدأنا نرى هياكل الزيركون التي تبدأ بالظهور أكثر فأكثر مثل ما نراه اليوم في مناطق الاندساس».

أصبحت القشرة أيضًا أقصر عمرًا في ذلك الوقت تقريبًا، ما يشير إلى عملية إعادة التدوير للاندساس.

لكن هل يعكس هذا التحول الصفائح التكتونية الحقيقية؟

تشير الأبحاث التي أُجريت على الزيركون ونُشرت عام 2023، والتي بحثت ظروف المجال المغناطيسي على الأرض عند تكون الفلزات، إلى أن هذه الحبيبات ظلت تقريبًا في مكان تشكلها حتى 3.4 مليار سنة مضت، ما يشير إلى أن الأراضي لم تكن تتحرك حتى تلك الفترة.

تفترض درابون أنه ربما ظهرت جوانب مختلفة من الصفائح في أزمنة مختلفة.

ربما بدأ الاندساس منذ 3.8 مليار سنة، إلا أن الأمر استغرق وقتًا حتى تبدأ القارات بالانزياح حول محيط الأرض.

تشير فكرة أحدث وأكثر إثارة للجدل أن الأرض قد طورت الصفائح التكتونية في الدهر الجهنمي، بين 4.5 مليار و4 مليار سنة مضت.

تنبع هذه الفكرة من أدلة متزايدة على أن الأرض حديثة النشأة كانت مكانًا حديثًا بشكل مدهش مع محيطات وقارات، وهو استنتاج مستخلص من أبحاث الزيركون وكيمياء أقدم الصخور التي ما زالت تحافظ على هيئتها على الأرض.

وجدت بعض الدراسات التي أُجريت على أقدم فلزات الزيركون على الأرض، التي يعود تاريخها إلى هذه الفترة الغامضة من التاريخ الجيولوجي، أنها تشبه بشكل ملحوظ الزيركونات التي تشكل الأقواس البركانية الموجودة فوق مناطق الاندساس اليوم.

قال جون كوريناجا، بروفيسور علوم الأرض والكواكب في جامعة ييل، إن النمذجة النظرية تُظهر أنه من الممكن وجود تكتونية الصفائح في ظروف الدهر الجهنمي.

كل قطعة من الأدلة لكل من هذه القصص حول المنشأ، تأتي مع نقاط ضعف.

مثلًا، تأتي الغالبية العظمى من الزيركون القديم جدًا من مكان واحد، وهو مرتفعات جاك في أستراليا، وقد لا تمثل ما كان يحدث على باقي الكوكب.

قد تكون أقدم الصخور غريبة كذلك، ربما ما زالت موجودة حتى يومنا هذا، لأنها لم تكن مثل جميع الصخور الأخرى على الأرض في هيئتها القديمة.

قال جيسي ريمينيك، عالم الجيولوجيا من جامعة بنسلفانيا: «من الصادم أن ندرك أنه لا يوجد إجماع حول متى بدأت تكتونية الصفائح».

اقرأ أيضًا:

لماذا تحدث الكثير من الزلازل بعيدًا عن خطوط صدع الصفائح التكتونية؟

ما الذي يسبب حركة الصفائح التكتونية؟

ترجمة: سليمان عبد المنعم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر