لطالما حلم العلماء بإيجاد طريقة للدفع تستطيع توفير قوة كافية على فترة كافية لتشغيل مهمة مأهولة إلى نجم آخر في عمر بشري واحد. من الناحية النظرية قد يحدث ذلك باستخدام واحدة من أندر المواد في الكون هي المادة المضادة.
تركز أبحاث الدفع على الوصول إلى أماكن بعيدة في الفضاء بسرعة، والصواريخ هي أكثر الوسائل شيوعًا بسبب قدرتها على توفير الكثير من قوة الدفع لكن كفاءتها قليلة جدًا. وتوجد خيارات أخرى تحقق الكفاءة -كالدفع الكهربائي والشراع الشمسي- على فترة طويلة ولكن بكميات ضئيلة من القوة. لكن دراسة حديثة تناولت إمكانيات تطوير محرك فضائي باستخدام المادة المضادة ونشرتها جامعة الإمارات العربية المتحدة باسم الباحثين سوسن عمار عميرة وعبد الحميد مراد.
ذكر المادة المضادة يجعل تصور إنشاء هذا المحرك الفضائي صعبًا جدًا، فقد فقد استغرق الأمر 20 عامًا لإنشاء المادة المضادة بصورة مصطنعة لأول مرة، وذلك بعد اكتشافها أول مرة عام 1932 بجهود الفيزيائي كارل ديفيد أندرسون، إذ نال جائزة نوبل في الفيزياء عام 1936 عن اكتشافه للبوزيترونات -شكل المادة المضادة للإلكترون- في الأشعة الكونية بتمريرها عبر غرفة سحابية.
منذ ذلك الحين، فُحصت المادة المضادة بكافة الطرائق التي استطاع العلماء التفكير بها، وقد واجهوا صعوبات جمة بسبب ميزة الفناء الذاتي الذي أعطى المادة المضادة اسمها، فعندما يتلامس بروتون من المادة المضادة مع بروتونات أو نيوترونات المادة العادية يُفني كلًا منهما الآخر، وينطلق مزيج من الطاقة تكون عادةً على شكل أشعة غاما إضافة إلى جسيمات قصيرة العمر عالية الطاقة تُعرف باسم البيون والكاون تسافر بسرعات نسبية (تقاس بالنسبة لسرعة الضوء).
على هذا، قد تحتوي السفينة من الناحية النظرية على ما يكفي من المادة المضادة لإحداث انفجار الفناء عمدًا باستخدام الجسيمات النسبية بوصفها شكلًا من أشكال الدفع أو استخدام أشعة جاما بوصفها مصدرًا للطاقة؛ إذ تصل الطاقة المنبعثة من جرام واحد من مضادات البروتون المُبادة إلى 180 تريليون جول، أي أضعاف أسية تصل القوة 11 عند مقارنتها مع وقود الصواريخ، وهي من حيث كثافة الطاقة أكبر من المفاعل النووي (بالانشطار أو الاندماج) بمئة مرة. وبحسب تقديرات الدراسة: «بوسع جرام واحد من الهيدروجين المضاد أن يزود 23 مكوكًا فضائيًا بالطاقة بالحالة المثالية».
فلماذا لا نمتلك أنظمة الدفع المذهلة هذه حتى الآن؟ الإجابة البسيطة هي أن التعامل مع المادة المضادة أمر صعب لأنها ستدمر نفسها بأي شيء تلمسه. ولذلك يجب تعليقها في مجال احتواء كهرومغناطيسي متقدم. وأطول فترة تمكن العلماء من فعلها كانت نحو 16 دقيقة في سيرن في عام 2016، وحينها كان الإنجاز بعدد محدود من الذرات، وليس بالكيلوجرامات اللازمة لدعم نظام الدفع بين النجوم.
إضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر كميات هائلة من الطاقة لإنشاء المادة المضادة، ما يجعلها باهظة الثمن، فإنتاج 10 نانوجرام من البروتونات المضادة سنويًا يكلف ملايين الدولارات باستخدام مبطئ البروتون المضاد -مسرع الجسيمات الضخم في سيرن-.
استنادًا إلى ما سبق، يتطلب إنتاج جرام واحد من المادة المضادة طاقة تصل 25 مليون كيلوواط بالساعة، وهو ما يكفي لتشغيل مدينة صغيرة طوال عام، فضلًا عن أنه سيكلف أكثر من 4 ملايين دولار بأسعار الكهرباء المتوسطة، ما يجعلها واحدة من أغلى المواد على وجه الأرض.
نظرًا لهذه التكلفة والحجم الهائل للبنية الأساسية اللازمة لذلك، فإن أبحاث المادة المضادة محدودة نسبيًا؛ إذ يُنتج سنويًا 100-125 ورقة بحثية مقارنة بعام 2000 (25 دراسة تقريبًا). وللمقارنة بطفرة الذكاء الاصطناعي الحالية، تُنشر 1000 ورقة بحثية سنويًا فيما يخص نماذج اللغة الكبيرة (أكثر أشكال الخوارزميات شيوعًا في هذا المجال).
وبعبارة أخرى، فإن التكلفة الإجمالية والأفق النسبي طويل الأمد يحدان من حجم التمويل والتقدم في إنشاء المادة المضادة وتخزينها. ما يعني أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن الوصول إلى محرك سفينة المادة المضادة. وقد نحتاج في الوقت ذاته إلى ابتكار بعض التقنيات الأولية لإنتاج الطاقة مثل الاندماج النووي الذي قد يخفض من تكلفة الطاقة وتمكننا من إجراء البحوث التي قد توصلنا إلى تلك النتيجة في نهاية المطاف.
ومع ذلك كله، ستبقى إمكانية السفر بسرعات تقترب من السرعة النسبية وإمكانية نقل البشر إلى نجم آخر خلال حياة واحدة أهدافًا طموحة لعشاق الفضاء والاستكشاف في كل مكان، وسيسعون إلى تحقيقها بغض النظر عن المدة التي تستغرقها.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف هائل في المادة المضادة قد يساعد في البحث عن المادة المظلمة
المادة المضادة المكتشفة على محطة الفضاء الدولية قد تقود نحو فيزياء جديدة
ترجمة: لور عماد خليل
تدقيق: ريمي سيلمان
مراجعة: محمد حسان عجك