رغم استمرار البحث عن المزيد من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، يبدو أنه يوجد مصدر للطاقة قد غفلت عنه البشرية، وقد يبدو هذا غريبًا بعض الشيء، فكوكب الأرض يُسمى الكوكب الأزرق، لأن أكثر من 70% منه مُغطى بالبحار والمحيطات، فهل توجد طريقة لاستغلال الأمواج لإنتاج الطاقة الكهربائية؟

في الواقع نستطيع فعل ذلك، وعلى الأرجح سنفعل يومًا ما. لأنه قد اتضح -بالترافق مع الكثير من العمل اللوجستي- أن المحيطات تمتلك القدرة على تغيير قواعد لعبة البحث عن الطاقة المتجددة النظيفة جذريًا.

ما مقدار الطاقة الذي يمكن توفيره من المحيطات؟

لا يبدو خفيًا على أحد أن البشرية تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء أكثر من أي وقت مضى، فوفقًا لآخر إحصائية، تستهلك البشرية ما يقارب من 180000 تيراواط ساعة سنويًا. وفي الوقت الحالي، فقط 11000 تيراواط ساعة -نحو 6% من إجمالي استهلاك البشرية- تأتي من مصادر مائية.

لكن باستطاعة الأمواج فعل أكثر من ذلك، وقد ذكر البروفيسور أماديو لياو رودريجي -أستاذ قسم الهندسة الكهربائية في جامعة نوفا في مدينة لشبونة- في ورقة بحثية عام 2008: «تمثل أمواج البحار والمحيطات مصدرًا واعدًا للغاية بين مصادر الطاقة المُتجددة العديدة، ويبدو أنها قادرة على إنتاج كميات هائلة من الطاقة في كل مكان على وجه الأرض تقريبًا».

لكن بطبيعة الحال، لا تنتشر الأمواج بالتساوي على وجه الأرض، ويرجع ذلك إلى اختلاف المناخ حسب الموقع الجغرافي والدورات المناخية، فالأمواج أقوى في المناطق المعتدلة الشمالية والجنوبية، حين تصطف تقريبًا خطوط العرض مع المملكة المتحدة وألاسكا وخليج هدسون في الشمال، وفي الجنوب مع تشيلي والأرجنتين. بطبيعة الحال أيضًا، تكون الأمواج عادةً أقوى في المحيط المفتوح مقارنةً بقرب الشواطئ، نظرًا إلى ضخامتها في المحيط المفتوح.

ذكر البروفيسور رودريجي: «نظريًا، يمكن إنتاج ما يعادل ثمانية مليون تيراواط ساعة سنويًا من الطاقة من الأمواج، أي أكثر بمئة ضعف من كمية الطاقة الكهرومائية التي يُنتجها العالم، لإنتاج مثل هذه الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري، ستكون النتيجة انبعاث نحو مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون».

هذا يبلغ نحو 45 ضعف الكمية التي تحتاج إليها البشرية، حتى مع احتساب الطاقة التي تُنتجها سواحل الولايات المتحدة، التي تبلغ 2.64 تريليون كيلوواط ساعة من الطاقة في السنة، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وهو ما يعادل أكثر من ثلاثة أخماس توليد الكهرباء السنوي الحالي في الولايات المتحدة.

إذن ما المانع من استخدام هذه الكميات الهائلة والمتوفرة بكثرة من الطاقة؟ كما هو متوقع فإن الأمر ليس بهذه البساطة.

الصعوبات التي تواجه استخدامنا لطاقة المحيطات:

رغم هذه الأرقام الجذابة، فمن المرجح بشدة أننا لن نستطيع أبدًا استخلاص طاقة المحيطات والبحار بكفاءة 100%، يرجح الخبراء أنه يمكن استخدام 10% – 15% منها فقط.

تمثل هذا النسبة القليلة كمية كبيرة جدًّا، لكن يظل من الصعب الحصول عليها، لأن استخلاص طاقة المحيطات والبحار أصعب بطبيعته مقارنةً باستخلاصها من المصادر المُتجددة الأخرى.

قال عالم المحيطات بيرك هيلز: «تتحرك الرياح والتيارات في اتجاه واحد، فمن السهل تحريك التوربينات أو طواحين الهواء عندما تكون الحركة خطية، للأسف لا تتحرك الأمواج حركة خطية، بل حركة تذبذبية. لذلك يتعين علينا أن نكون قادرين على تحويل هذه الطاقة المتذبذبة إلى شكل يمكن استخراجه».

حتى إذا وجدنا حلًا تقنيًا لهذه المشكلة، ستظل بعض التأثيرات البيئية الضارة على الحياة البحرية. من المفترض أن تتطلب تلك الحلول التقنية بعض المعدات والآلات الثقيلة، التي قد تُثبت في قاع المحيط، ما سيخلف ضوضاء وتلوثًا باستمرار، مثلما هو الحال مع توربينات الرياح البحرية الضخمة، ومن المرجح أن توجد بعض العواقب على الحياة البحرية.

قالت جينيفر جارسون، مديرة مكتب تقنيات الطاقة المائية في وزارة الطاقة الأمريكية: «أمامنا الكثير لتعلمه عند وضع تلك الأنظمة التقنية لاستخراج الطاقة في قاع المحيطات، لذلك نمول الرصد البيئي، والعمليات اللازمة لفهم تفاعل الأنواع البيئية المختلفة مع الأنظمة الموجودة حاليًا».

هل يمكن استغلال طاقة المحيطات ذات يوم؟

رغم الصعوبات السابقة، هل يمكن توليد الطاقة من المحيطات، أم أن الأمر مجرد وهم؟

ربما يمكن لحكومة الولايات المتحدة إنفاق 25 مليون دولار لتمويل شركات الأبحاث الخاصة بتوليد الطاقة من الأمواج، وتلك الشركات تختبر الآن عدة أجهزة في مركز باك ويف، التي قد تُساعد في توليد الطاقة من الأمواج.

صرح البروفيسور هيلز: «نبني الآن صندوق اختبار ليتمكن أي شخص من إحضار أجهزته وتجربتها، فمن الأفضل أن تكون لدينا طريقة مُثبتة تُمكننا من توليد 500 كيلو واط، من أن يكون لدينا طريقة غير مُثبتة وغامضة تدعي أنه يمكننا توليد ميجا واط، لذلك أنشأنا صندوق الاختبار لمراقبة التجارب وتأكيدها».

أثبتت بعض الشركات جدارتها. مثل شركة كال ويف باور تكنولوجيز وهي شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا، وقد عاد جهازها المُسمى إكس ويف -وهو نسخة أصغر من الجهاز الذي يُختبر في مركز باك ويف- مؤخرًا من مهمة استمرت عشرة أشهر قبالة ساحل سان دييغو.

قال ماركوس ليمان، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة كال ويف: «يُمكن جهاز إكس ويف الذي تبلغ قوته ميجا واط إنتاج طاقة كافية لتشغيل نحو ثلاثة آلاف منزل، ويولد الطاقة باستخدام مثبطات داخلية لتحويل حركة الأمواج إلى عزم دوران مثل توربينات الرياح، وإن كان موجودًا بالكامل تحت الماء».

«الأمواج تحرك الجهاز لأعلى ولأسفل، وفي كل مرة يتحرك الجهاز نتمكن من توليد الطاقة بسبب تلك الحركة التذبذبية، التي يمكن تحويلها إلى كهرباء».

تتجه بعض الشركات إلى بناء أنظمة مخصصة لبعض المستخدمين، قال بالكي ناير الرئيس التنفيذي لشركة أوسكيلا باور في سياتل: «النظام الذي نحاول بناءه يصلح للمجتمعات الصغيرة، فهو مصمم خصيصى للجزر والمجتمعات الصغيرة».

من المتوقع أن تكون الطاقة المولدة من الأمواج -حتى بالنسبة إلى تلك النماذج الأولية- مصدرًا للطاقة للمناطق التي ليس فيها أي مصادر أخرى للطاقة، مثل الجزر البعيدة والمناطق النائية، حيث تكون الطاقة المتجددة شيئًا نادرًا، ومصادر الطاقة الأخرى المتاحة إما مكلفة وإما ملوثة للبيئة.

يتكون جهاز شركة أوسكيلا المُسمى تريتون دبليو إي سي، من جزئين، أحدهما على سطح المحيط ويتحرك مع الأمواج، والجزء الآخر -وهو هيكل كبير على شكل حلقة- معلق أسفل سطح المياه، من المفترض أن يظل ثابتًا نسبيًا. يؤدي هذا الاختلاف في الحركة بين الجزئين إلى توليد قوة على الأوتار التي تربط بينهما، التي تحولها ثلاث مجموعات لنقل الحركة إلى طاقة.

ركزت شركات أخرى على أجهزة أصغر وأرخص، وهي أجهزة يمكن تركيبها على المواني أو المراسي، بدلًا من وضعها بعيدًا عن الشاطئ، وهذا مفيد ليس للحصول على الطاقة فحسب، بل يتغلب أيضًا على واحدة من أكبر العقبات في طريق الحصول على طاقة متجددة نظيفة، وهي التكلفة. حاليًا، تبلغ طاقة الأمواج نحو عشرة أمثال سعر طاقة الوقود الأحفوري، ومن المرجح أن ينخفض هذا السعر مع زيادة حجم الإنتاج، لكن فقط إذا اختارت الحكومات والمستثمرون دعمها.

اقرأ أيضًا:

لماذا يتحول لون دم الإنسان إلى الأخضر في قاع المحيطات؟

اكتشاف دورة هيدروكربونية هائلة غير معروفة مختبئة في المحيطات

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: تمام طعمة

المصدر