توصلت الدراسات التي أجريت على حركة الجزيئات داخل الزجاج إلى شيء مذهل للغاية على افتراض إمكانية تكرار النتائج، إذ يبدو أن العمليات داخل الزجاج، إضافةً إلى عدد قليل من المواد الأخرى ذات الخصائص المماثلة، قابلة للعكس بمرور الوقت، ما قد يخبرنا بشيء مثير للاهتمام بشأن القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
هل لاحظت من قبل وأنت تتنزه على الشاطئ، بأن الرياح في هبوبها لن ترسم على الرمل تاج محل أو وجه داني ديفيتو؟ أو بأنك حين تجلس في غرفة لا تتجمع في زاويتها ذرات الهواء، ما يؤدي إلى مفارقتك للحياة بسبب نقص الأكسجين في جزء مختلف بعض الشيء من الغرفة؟
إن هذه الأشياء لا تحدث، والفضل يعود إلى قانون يفرض سلطانه على كل القوانين، وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
لتفسير الأمر ببساطة، كل الأشياء تميل إلى الفوضى؛ فالحرارة تتدفق من المناطق الحارة إلى الباردة، والانتروبيا – مقياس الفوضى داخل الأنظمة – في نظام منعزل لا يسعها إلا الازدياد.
من المعروف أن جميع قوانين الفيزياء قابلة للعكس مع الزمن، بدءًا من تجربة شرودنغر وحتى قوانين نيوتن في الميكانيكا التقليدية؛ أي إذا عكست العمليات فإنك تخرج بالنتائج نفسها.
لكن القانون الثاني للديناميكا الحرارية مختلف، فهو يرينا سهمًا للزمن، فإذا رأيت نظامًا يتجه إلى الفوضى، فيمكن المراهنة على أنه يتجه إلى الأمام في الزمن، ومثلما يُقال: «لا يمكن التراجع عن طهي بيضة».
لهذا السبب، يبدو من الغرابة جدًا عدم ظهور السهم المحدد للزمن داخل الزجاج ومواد أخرى مشابهة دُرست سابقًا أو على الأقل بدا مثلما هو في كلا الاتجاهين.
لقد بدت الجزيئات في الزجاج والبلاستيك، مع العلم بأنهما مواد صلبة بدت قادرةً على التحرك في الأرجاء والتحول إلى حالات طاقة أكثر ملائمةً.
قد تؤثر عمليات إعادة الترتيب هذه في خصائص كلا المادتين (الزجاج والبلاستيك)، ما يجعل دراسة هذه العملية جديرة بالاهتمام في مجال التصنيع.
لقد حاول الباحثون في الدراسة، النظر إلى الزمن الفيزيائي للزجاج (الشيخوخة الفيزيائية)، إذ يوضح الباحثون في دراستهم: «على عكس تدهور التفاعلات الكيميائية مثل التآكل، فإن الزمن الفيزيائي ينطوي على التغيرات التي تطرأ على خصائص المادة، تلك التي تسببها إعادة ترتيب الجزيئات على نحو خاص».
يضيف الفريق: «إن المواد غير الكرستالية مثل الزجاج العادي والبوليمر والزجاج المعدني معرضة للتقدم الزمني الفيزيائي، لأن الحالة الزجاجية تتجه باستمرار إلى حالة توازن شبه مستقر».
تستغرق ملاحظة البشر لهذا التغيير وقتًا طويلًا، ومع ذلك يمكن دراسة عمر الزجاج باستخدام مفهوم «الزمن المادي». في هذا المفهوم، يتغير الزمن داخل المادة اعتمادًا على الفترة التي تستغرقها الجزيئات لإعادة ترتيب نفسها.
يوضح الفريق: «قد يعتقد بعض الناس أن مفهوم الوقت المادي يقوم على قياس الزمن في الساعة التي تتغير معدلاتها كلما تقدم عمر الزجاج»، وأضاف: «من الناحية النظرية، فإن هذا المفهوم مشابه لمفهوم الزمن المناسب الذي تتحدث عنه النظرية النسبية؛ الزمن الذي يُقاس على مدار الساعة التي تتبع مراقبًا متحركًا».
لدراسة هذا المفهوم، وجّه الفريق شعاع ليزر نحو عينة من الزجاج وراقبها عن كثب باستخدام كاميرا حديثة وعالية الدقة. عندما يضرب الضوء الجزيئات، يتشتت، لذا كان الفريق قادرًا على إجراء تحليل إحصائي لأنماط الضوء والظلام لتحديد مدى سرعة جزيئات المادة في إعادة ترتيب نفسها، أو مدى سرعة مرور زمن المادة.
هنا وجد الفريق شيئًا غريبًا حقًا، إذ يبدو أن تقلبات الجزيئات داخل الزجاج والمواد الأخرى التي درسها حتى الآن، يمكن عكسها بمرور الزمن.
شدّد تيل بومر؛ مؤلف الدراسة والباحث في معهد فيزياء المادة المكثفة في جامعة دارمشتات التقنية، على أن هذا لا يعني القدرة على عكي عمر المواد. فما زال الزجاج يتقدم في الزمن وتحدث عملية التعتيق هذه على مدى طويل وبطيئ من استخدام الزجاج.
ثمة أسئلة نتجت عن هذه الدراسة، مثل ما إذا كانت إمكانية عكس الزمن موجودة في مواد أخرى؟ وما مدى اختلاف الساعة الداخلية في هذه المواد؟ وأيضًا «ما هذا بحق السماء؟».
أضاف الفريق في دراسته: «نتائجنا تثير عددًا من الأسئلة، مثل ما إذا كانت إمكانية عكس الزمن المادي سمة عالمية لتقدم الزمن الفيزيائي، وما إذا كان في الإمكان صنع علاقات التقلب والتبدد العامة اعتمادًا على الوقت المادي بدلًا من وقت المختبر، وربما على مستوى الحبيبات الخشنة. إذا كان الأمر ممكنًا، فكيف يرتبط بمفهوم الحرارة الفعّالة الذي ظهر منذ زمن طويل لوصف التقدم الزمني الفيزيائي، وما إذا كانت قابلية انعكاس الزمن المادي تعكس قابلية عكس القوانين الأساسية للفيزياء، ومن ثم ترتبط بنظرية التقلب التي تحدد نتيجة انعكاس الزمن المجهري».
يأمل الفريق في اكتشاف إجابات هذه الأسئلة بعمق، باستخدام مواد مختلفة، وقد يتبع ذلك قريبًا نتائج غريبة ومثيرة للاهتمام.
نُشرت الدراسة في مجلة الفيزياء الطبيعة (Nature Physics).
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة تعتقد أن الزمن وهم تسببت به فيزياء الكم!
رواد الفضاء المتوجهون إلى المريخ سيتعرضون إلى تأثيرات تمدد الزمن!
ترجمة: خضر نعامة
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: هادية أحمد زكي