عام 1995، لاحظ باحثو معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في مرصد بالومار التابع للمعهد لأول مرة ما كان يبدو أنه قزم بني يدور حول (جليز 229)، وهو نجم قزم أحمر يبعد 19 سنة ضوئية من الأرض.
منذ ذلك الحين، حير هذا القزم البني (جليز 229 بي) علماء الفلك، بسبب شكله القاتم للغاية بالنسبة إلى كتلته.
بكتلة تعادل 70 ضعف كوكب المشتري، كان من المفترض أن يكون أسطع مما رصدته التلسكوبات.
حديثًا نجح فريق دولي من علماء الفلك بقيادة معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في حل هذا الغموض، بتحديد أن القزم البني هو في الواقع زوجان من النجوم يدوران كل منهما حول الآخر من مسافة قريبة للغاية.
قاد الدراسة جيري دبليو شوان، طالب دراسات عليا في قسم علم الفلك بجامعة كاليفورنيا، بالتعاون مع ديمتري ماوي، أستاذ في مركز ديفيد موريسرو لعلم الفلك.
انضم إليهم فريق دولي من معاهد وجامعات حول العالم. ومولت وكالة ناسا ومؤسسة هايسينج سيمونز الدراسة. ضم فريق الدراسة الجديدة العديد من المؤلفين المشاركين في فريق اكتشاف جليز 229 بي، عام 1995.
من هؤلاء ريبيكا أوبنهايمر، طالبة دراسات عليا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا آنذاك، وهي الآن عالمة فيزياء فلكية في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، وشري كولكارني، أستاذ في مركز جورج إليري هيل لعلم الفلك وعلوم الكواكب، وكيث ماثيوس، مختص الأدوات في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وآخرون.
آنذاك، أشارت النتائج التي توصلوا إليها إلى أن جليز 229 بي يتضمن غاز الميثان في غلافه الجوي، وهو أمر نموذجي في العمالقة الغازية، مثل المشتري وزحل وأورانوس ونبتون، لكن ليس في النجوم.
شكلت هذه النتائج أول اكتشاف مؤكد لقزم بني وهو من الأجسام الباردة الشبيهة بالنجوم، التي تشكل «الحلقة المفقودة» بين عمالقة الغاز والنجوم، المتوقعة قبل 30 عامًا.
قالت أوبنهايمر: «إن رؤية أول جسم أصغر من نجم يدور حول شمس أخرى كان أمرًا سعيدًا».
«بدأ هذا الأمر بنماذج منزلية لهواة يبحثون عن أجسام غريبة مشابهة لهذا النموذج، بهدف إيجاد واقع افتراضي تنبؤي متسلسل منطقيًا، لكن ظل ذلك لغزًا لعقود من الزمن».
أضاف شوان: «كان جليز 229 بي يُعد قزمًا بنيًا نموذجيًا. الآن نعلم أننا كنا على خطأ بشأن طبيعة ذلك الجسم، إنه ليس قزمًا واحدًا بل قزمين، ولم يكن بمقدورنا التمييز بينهما بدقة حتى الآن».
أُجريت المئات من عمليات الرصد منذ اكتشاف النجم جليز 229 بي منذ 30 سنة، لكن ظل خفوته لغزًا لعلماء الفلك.
لمّا كان العلماء اشتبهوا في أن جليز 229 بي قد يكون نجمين توأمين، فإن القزمين البنيين لا بد أنهما متقاربان جدًا حتى يظلا عصيين على الملاحظة طوال 30 عامًا.
لتأكيد النظرية، اعتمد الفريق على مقياس التداخل في التلسكوب العملاق التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي، لرصد القزمين البنيين مكانيًا. ثم استخدموا جهاز مطياف لرصد توقعاتهم الطيفية المتميزة، وقياس تحول دوبلر.
أظهرت النتائج أن (جليز 229 بي) يتكون من قزمين بنيين: (جليز 229 بي a) و(جليز 229 بي b). بكتلة تقارب 38 و34 ضعف كتلة المشتري، ويدوران كل منهما حول الآخر في مدة 12 يومًا، والمسافة بينهما 16 ضعف المسافة بين الأرض والقمر.
تتطابق مستويات السطوع المرصودة أيضًا مع ما هو متوقع بالنسبة إلى قزمين بنيين صغيرين ضمن نطاق الكتلة هذا.
قال ماوي، الباحث في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا: «هذا الاكتشاف يفسر ليس فقط التناقض بين كتلة القزم البني وسطوعه، بل يمنحنا أيضًا فهمًا أعمق للأقزام البنية، التي تمثل حدًا فاصلًا بين النجوم والكواكب العملاقة».
يطرح الاكتشاف تساؤلات جديدة حول كيفية تشكل الأقزام البنية المترابطة، ويقترح وجود ثنائيات مماثلة تنتظر العثور عليها.
تشير النظريات إلى احتمالية تشكل أزواج الأقزام البنية ضمن القرص الكوكبي البدائي للنجم، إذ ينقسم إلى بذرتين من الأقزام البنية التي تصبح مرتبطة جاذبيًا.
قد تؤدي الآلية ذاتها إلى ظهور ثنائيات كوكبية خارجية، وإن ظلت هذه محض نظرية.
قالت أوبنهايمر إن هذا الاكتشاف يُعد تطورًا مذهلًا للغاية: «إن شعاع هذين العالمين اللذان يدوران كل منهما حول الآخر، في الواقع أصغر حجمًا من كوكب المشتري».
«سيبدوان في غاية الغرابة في سماء الليل إذا كان لدينا شيئًا مشابهًا في نظامنا الشمسي. هذا هو الاكتشاف الأكثر إثارة وروعة في الفيزياء الفلكية دون النجمية منذ عقود».
مستقبلًا، يخطط شوان وفريقه للبحث عن المزيد من الثنائيات القزمة البنية باستخدام الأدوات المتوفرة حاليًا وأدوات الجيل القادم. تشمل هذه الأجهزة جهاز رصد الكواكب، وجهاز التصوير بالأشعة تحت الحمراء التابعين لمرصد كيك لدراسة الكواكب الخارجية.
طور فريق بقيادة ماوي الجهاز الأول، أما الجهاز الثاني فهو قيد الإنشاء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
اقرأ أيضًا:
ناسا ترسل فيديو لقطة عبر الفضاء
رواد الفضاء سيرتدون بذلات (برادا) في رحلتهم القادمة إلى القمر!
ترجمة: سليمان عبد المنعم
تدقيق: أكرم محيي الدين