لطالما كانت الظواهر السماوية -الشمسية منها أو القمرية- المثيرة للخوف، مصدر دعمٍ للجيوش، وذات تأثير في إثبات نظرياتٍ رائدة.
تحدث الظواهر الفلكية حين تكون الأرض والشمس، أو الأرض والقمر في خط واحد فيختفي بذلك أحدهما -إما الشمس أو القمر- عن المنظور الأرضي. لهذا السبب ليس من الغريب أن هذه الظواهر السماوية النادرة قد أثرت على تصرفات البشر، وتحديدًا قبل أن يتم تفسيرها.
بدايةً من بث الخوف في القلوب، مرورًا بترجيح ميزان القوة لأحد الجيوش وانتهاءً بنظرياتٍ ثورية، كان لحوادث الكسوف التالية دورٌ في التاريخ.
22 أكتوبر 2134 قبل الميلاد:
كسوف شمسي جلب الدمار لهسي وهو أحد أوائل السجلات التي تذكر الكسوف في ملف شوش ينغ الصيني القديم (كتاب التاريخ)، وصف الظاهرة كيومٍ «لم يلتقِ فيه الشمس والقمر بتناغم». يعتقد المؤرخون أنه يشير بهذا إلى كسوف شمس 22 أكتوبر 2134 قبل الميلاد.
تقول الأسطورة أن اثنين من علماء الفلك الملكيين: هسي وهو، قد تهربا من واجبهما وثملا وهما في منتصف العمل. بسبب هذا لم يتمكنا من التنبؤ بالحدث فقطع الإمبراطور رأسيهما.
28 مايو 585 قبل الميلاد:
كسوف شمس مهّد للهدنة بين سكان ليديا وسكان ميديس.
وفقاً للمؤرخ الإغريقي القديم هيرودوت، حدث كسوف شمسي كامل وتسبب بإيقاف نارٍ غير متوقع بين دولتين متحاربتين قرب نهر هاليس والتي تعرف حاليًا بمركز تركيا. لمدة خمس سنوات.
كان سكان دولة ليديا وميديس يتقاتلون من أجل السيطرة على أناتوليا. خلال معركة هاليس والمعروفة كذلك بمعركة الكسوف، أظلمت السماء واختفت الشمس خلف القمر. وحينَ فسر الجنود الظاهرة على أنها إشارة أن الآلهة تريد للحرب أن تنتهي، ألقوا أسلحتهم وعقدوا هدنة.
27 أغسطس 413 قبل الميلاد:
خسوف القمر والخرافات يمكن أن تكون مميتة لسكان أثينا. ففي ذروة الحرب البيلوبونيسية، وهي حرب بين أثينا وإسبرطة امتدت لعشر سنوات، وجد جنود أثينا أنفسهم في معركة خاسرة ضد مدينة صقلية- ولاية سيراكيوز (الذين تعاونوا مع إسبرطة). أعطى القائد الأثيني: نيسياس أمرًا بالانسحاب المؤقت.
وفقًا لشهادة الفيلسوف والكاتب الإغريقي بلوتارتش، حين أبحرت القوات عائدة إلى الوطن حدث خسوف القمر ما جعل القائد: نيسياس المؤمن بالخوارق يؤجل رحيلهم. استغل الجيش السيراكيوزي هذا التأخير ليشنوا هجمة أخرى فانتصروا على الأثينيين وأضعفوا قاعدتهم في البحر المتوسط. الهزيمة في صقلية كانت بدايةً لنهاية سيطرة أثينا.
29 فبراير 1504:
خسوف القمر أنقذ كريستوفر كولومبوس من التضور جوعًا؟
بعد اثني عشر عامًا من وصوله إلى سان فرانسيسكو، كان كريستوفر كولومبوس يستكشف ساحل أمريكا الوسطى حين هاجمت ديدان الخشب سفينته متسببة بتسرباتٍ أجبرته على توقف طارئ في جامايكا.
أمضى مع طاقمه هناك أكثر من عامٍ وهم ينتظرون الإنقاذ. رحب السكان الأصليون بهم في البداية وقدموا لهم الطعام و المأوى، لكنهم قطعوا عنهم الإمدادات حين رفض الإسبان القيام بالمقايضة مقابل ذلك، وحين سرق بعض من طاقم كولومبوس منهم.
طبقًا لشهادة ولده فيرديناند، استخدم كريستوفر التقويم الذي أحضره معه مرجعًا، إذ قرأ فيه عن خسوف قمري كامل مقبل. كتب فيرديناند أن كولومبوس أخبر سكان جامايكا أن الآلهة غير راضية عنهم لعدم تقديمهم المساعدة وأنهم سيظهرون عدم رضاهم من خلال تحويل لون القمر إلى الأحمر الدامي، وحدث الخسوف في موعده تمامًا.
يقول فيرديناند:«إن سكان جامايكا أصيبوا بالرعب ووعدوا أن يستمروا بتقديم الطعام لكولومبوس ورفاقه».
القصة ممتعة لكن عددًا من المؤرخين يشكون في صحتها، خاصة أن السكان الأصليين للمنطقة شهدوا خسوفًا قمريًا قبل ستة أعوامٍ فقط، لكن تؤكد الأبحاث أن خسوفًا قمريًا قد حدثَ حقًا في تلك الفترة.
7 أغسطس 1869:
كسوف شمسيّ يتسبب في عقد الصلح بين العلماء وسكان ألاسكا.
أجرى جورج ديفيدسون -مستكشف وعالم فلك بارز- عدة استطلاعات في عدة مناطق في ألاسكا التي كانت وقتها منطقة غير مستكشفة تقريبًا، حين قرر الذهاب في حملة علمية إلى وادي تشيلكات في 1869.
تلقى جورج ديفيدسون تحذيراتٍ بشأن السكان الهنديين المحليين في تشيلكات، إذ إن بعض الأمريكان قد أثاروا غضبهم وقد يستقبلونه بالرماح والمسدسات.
خلال لقاء أولي مليء بالتوتر في السادس من أغسطس، وضح ديفيدسون أنه أتى إلى هنا لأغراض علمية بحتة، وأخبر أهل تشيلكات أنه كان متلهفًا تحديدًا لمراقبة كسوف القمر الكامل الذي سيحدث في اليوم التالي. ما اعتقده أهل تشيلكات عن الكسوف وعن تنبؤات ديفيدسون غير معروف، لكن ديفيدسون وباقي رفاقه أكدوا أنهم تمكنوا من مواصلة الاستكشاف بعد ذلك الحدث.
29 مايو 1919:
كسوف الشمس يؤكد صحة نظرية آينشتاين.
في محاولة لإثبات صحة النظرية النسبية العامة لآينشتاين والتي عمرها أربع سنوات، استغل العلماء الإنجليز بقيادة عالم الطبيعيات السير: آرثر إيدينغتون كسوف الشمس الكامل. خلال الكسوف حينما حجب القمر ضوء الشمس ظهرت نجوم أكثر حولها.
الحسابات التي أجراها الفريق خلال الكسوف تؤكد أن ضوء النجوم التف حول الشمس. كان هذا إثباتًا أوليًا لنظرية آينشتاين التي تنص على: أن الأجسام هائلة الحجم تشوه نسيج الزمكان وهذا التشوه هو الجاذبية.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: زينب العزاوي
تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت