تمر جميع النساء بمرحلة انقطاع الطمث التي لا تتسبب عادة بمشكلات نفسية أو جسدية خطيرة، لكنها عند بعض النساء تمثل مرحلة تحول عميق تؤثر في صحتهن الجسدية والنفسية.
يمر جسم المرأة بتغييرات كثيرة في أثناء انقطاع الطمث مثل زيادة الوزن وانخفاض الرغبة الجنسية، وبالإضافة إلى التغييرات الجسدية هذه تواجه معظم النساء تحديات نفسية، إذ تعاني نحو 50٪ من النساء في مرحلة انقطاع الطمث مجموعةً متنوعةً من الأعراض العاطفية والنفسية مثل النسيان وصعوبات في النوم والقلق.
يقول ويس نيبر، مدير قسم الجودة في منصة سوندرمايند للصحة النفسية: «تصاب النساء بالتوتر في أثناء مرحلة انقطاع الطمث وما قبلها بسبب التبدلات الهرمونية وخاصة في هرمون الإستروجين مما يؤثر في النواقل العصبية في الدماغ، ويختلف تأثير التغييرات الهرمونية هذه من امرأة إلى أخرى، وهذا يعني أنه ليس بالضرورة أن تكون تجربة انقطاع الطمث واحدة عند جميع النساء.»
لكنّ توقع الإصابة بالقلق والتوتر بسبب التغيرات الهرمونية شيء، ومعرفة شكل هذا القلق والخطوات اللازمة لتجاوز المرحلة بنجاح شيء آخر، سنعرف في هذا المقال لماذا يسبب انقطاع الطمث القلق أحيانًا (وبعض الأعراض الأخرى)، وما هي الاستراتيجيات التي يمكن للمرأة اللجوء إليها للتعامل مع هذا القلق.
انقطاع الطمث والصحة الجسدية والقلق:
يُقدر متوسط سن انقطاع الطمث عند النساء في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 51 عامًا، وقد يحدث انقطاع الطمث عند بعض النساء في بداية الأربعينيات. تعد المرأة آيسة إن انقطع عنها الطمث 12 شهرًا متواصلًا، إذ يتوقف الجسم بعد هذه المرحلة عن إنتاج هرموني الإستروجين والبروجسترون، وتنخفض مستوياتهما في الجسم.
تسبق فترة ما قبل انقطاع الطمث فترة انقطاع الطمث الفعلية، وتبدأ فيها مستويات الإستروجين والبروجسترون بالتبدل، وقد تظهر في هذه المرحلة أيضًا بعض الأعراض الجسدية.
يقول دكتور بروس دور رئيس المستشارين الطبيين في منظمة بايوت: «هناك أكثر من ٤٠٠ مستقبل لهرمون الإستروجين في الجسم، لذلك تختلف الأعراض من امرأة لأخرى. يوجد ثلاث فئات رئيسية للأعراض المتوقعة المرافقة لانقطاع الطمث: أولًا الأعراض الوعائية الحركية، والتي تتضمن كلًا من التعرق الليلي، وهبات الحرارة، وجفاف المهبل أو التألم في أثناء الجماع، وصعوبات في النوم. وقد تربك الأعراض السابقة المرأة إذ لا تعلم أين ومتى ستبدأ بالظهور.»
تشمل الأعراض الجسدية الأخرى زيادة الوزن، وجفاف البشرة، وتساقط الشعر وترهل الثديين، والقشعريرة.
تتشابه بعض أعراض انقطاع الطمث مع أعراض مرضية أخرى، لكن أعراض انقطاع الطمث تتميز عن غيرها بأنها تظهر فجأة بدون إنذار. فقد تشعر امرأة ما على سبيل المثال فجأة بالخمول والصداع وآلام في البطن والأرق، فمن الطبيعي أن تجعلها التغيرات السابقة تشعر بالتوتر والقلق حول ما يجري في جسدها، وهذا هو تحديدًا القلق المرافق لانقطاع الطمث.
أسباب أخرى للقلق في فترة انقطاع الطمث:
تمثل التبدلات الهرمونية سببًا رئيسيًا للقلق في مرحلة انقطاع الطمث، لكنها ليست السبب الوحيد دائمًا، فقد تصاب النساء في سن انقطاع الطمث بالقلق والتوتر لأسباب أخرى مثل:
المشكلات الحياتية:
لا تتوقف الحياة عند مرور النساء بانقطاع الطمث، يشرح نيبر: «تمر المرأة بمجموعة من التغيرات في هذه الفترة من حياتها والتي بدورها قد تؤثر في مستويات القلق لديها، مثل التغيرات الأسرية بسبب نضوج الأبناء ومغادرتهم المنزل مثلًا، أو تغيرات مهنية، أو الانتقال إلى بيت جديد، قد تتسبب كل العوامل السابقة بالقلق، الذي قد يزداد سوءًا بسبب التغيرات الهرمونية التي تمر بها النساء في مرحلة انقطاع الطمث.»
تغيرات جسدية مجهولة السبب:
قد يسبب التفكير في بداية انقطاع الطمث والمسار المحتمل لهذه الرحلة العصيبة القلق والتوتر. أضاف نيبر أن كثيرًا من النساء لا يعلمن التغيرات التي قد تطرأ على أجسادهن في فترة انقطاع الطمث، وهذا قد يزيد من مشاعر القلق لديهن. لا يصنف الأطباء التوتر كأحد أعراض انقطاع الطمث المهمة، وهو أمر سيء للغاية. يناقش المجال الطبي الأعراض الجسدية مثل هبات الحرارة وغيرها بصورة كافية، لكنه لا يولي نفس الأهمية للأعراض النفسية مثل القلق والتوتر.
قد يمنع الخوف من الوصم أو عدم أخذ مشاعرهن على محمل الجد النساء من التحدث عن أحاسيسهن ومشاعرهن. وقد ترغب امرأة بالتعبير عن قلقها، لكنها تخشى ألا تتمكن من التعبير عنه بصورة صحيح، إذ لا يعلم عدد كبير من النساء ما يسبب لهن التوتر والقلق. تمنع كل العوامل السابقة النساء من التحدث عن القلق المرافق لانقطاع الطمث.
يفسر ذلك ضرورة إيجاد طبيب متفهم ومتمكن من أعراض انقطاع الطمث، وأن يكون مستعدًا للمساعدة على إيجاد سبب المشكلة.
وضح الدكتور دور ذلك قائلًا: «الطريقة الوحيدة لتفهم المرأة طبيعة القلق لديها، وتستطيع أن تميز بين القلق المرضي والقلق الناجم عن انقطاع الطمث هي أن تجد طبيبًا متمكنًا يستطيع تشخيص الأعراض وفهمها بصورة صحيحة.»
نصائح للتعامل مع القلق المرافق لانقطاع الطمث:
لا توجد طريقة وحيدة للتعامل مع القلق المرافق لفترة انقطاع الطمث وما قبلها، يلزم على ذلك أن تبحث كل امرأة عن أسلوب متعدد الجوانب ومناسب لعلاج الأعراض. هذه بعض الطرق التي تستطيع المرأة من خلالها تقليل الشعور بالتوتر في فترة انقطاع الطمث:
استشارة مختص في الصحة النفسية:
تساعد مراجعة الطبيب المختص على فهم المشاعر المختلفة التي تصيب المرأة ومن بينها القلق والتوتر، تفيد الاستشارة أيضًا في تنظيم الأفكار وإيجاد آليات للتأقلم مع القلق. قد تساعد تمارين التأمل على تهدئة الأفكار المقلقة.
إجراء تغييرات في النظام الغذائي وأسلوب الحياة:
وجدت الأبحاث أن الكافيين قد يفاقم من أعراض انقطاع الطمث، ولذلك تُنصَح محبات القهوة بشربها من دون كافيين. وقد يحسن الالتزام بحمية غذائية متوازنة وممارسة الرياضة الصحة النفسية والجسدية للمرأة. يقول نيبر: «تساعد التمارين الخفيفة مثل اليوغا والمشي على تحسين مستويات القلق بصورة كبيرة».
المعالجة الهرمونية المعاوضة:
يقول دكتور دور: «تتمثل فكرة العلاج الهرموني بتعويض النواقل الكيميائية، مثل الإستروجين والبروجسترون ورفع مستوياتها داخل الجسم. تشمل طرق العلاج بالتعويض الهرموني كلًا من الحبوب أو الأقراص أو من طريق الجلد مثل اللصاقات أو الكريمات والبخاخات. يضاف إلى ما سبق الحقن بالإبر في الشحم أو العضل.
تشكل الكبسولات التي تحوي حبيبات أسلوبًا جيدًا أيضًا للعلاج بالتعويض الهرموني، لأنها تُدخل جرعات متساوية ومنتظمة في مجرى الدم. يحاكي تعويض الهرمونات عبر الكبسولات طريقة غدد الجسم الحقيقية، إذ تشبه الكبسولة حبة الأرز الصغيرة التي تُزرع تحت الجلد وتحرر جرعات متساوية ودقيقة مباشرة في مجرى الدم».
أدوية القلق:
تُنصَح النساء اللاتي لم تساعدهن تمارين التأمل على التخفيف من القلق باللجوء إلى الأدوية المضادة للقلق بعد الرجوع للطبيب المختص. قد يصف الطبيب أدوية مضادة للاكتئاب أو مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية إذا كانت المرأة تواجه أعراضًا شديدةً وحادة. إذ أثبتت الأبحاث فوائد العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب في التخفيف من قلق انقطاع الطمث.
طلب المساعدة:
يقول نيبر في ذلك: «قد يساعد التواصل المستمر مع الأصدقاء والعائلة على تحسين الحالة النفسية للمرأة، لا سيما التواصل مع النساء اللاتي مررن بتجربة انقطاع الطمث سابقًا».
القلق عرض طبيعي من أعراض انقطاع الطمث، تُنصَح المرأة في سبيل التغلب على صعوبات هذه المرحلة بقراءة الكثير من الأبحاث المتعلقة بانقطاع الطمث، والانتباه للأعراض التي تواجهها، وألا تتردد في طلب المساعدة من الآخرين عند الحاجة.
يختم نيبر كلامه قائلًا: «ينبغي للمرأة أن تتذكر أن جميع النساء تمر بانقطاع الطمث خلال فترة حياتهن، مما يعني أنها ليست وحيدة في هذا الطريق. لذلك ننصح كل النساء باللجوء لصديق مقرب أو أحد أفراد العائلة.»
اقرأ أيضًا:
ما يجب توقعه في كل مرحلة من مراحل انقطاع الطمث
النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب خلال فترة ما قبل انقطاع الطمث
ترجمة: رهف وقّاف
تدقيق: لين الشيخ عبيد
مراجعة: وئام سليمان