تشير دراسة جديدة إلى أن «شات جي بي تي» وغيره من النماذج اللغوية الكبيرة، غير قادر على التعلم المستقل أو اكتساب المهارات دون مساعدة البشر. تدحض الاكتشافات الجديدة الاعتقادات المتداولة، التي تزعم أن مثل هذه النماذج ستحل محل البشر بمرور الوقت.
تُعد النماذج اللغوية الكبيرة إصدارات موسعة من النماذج اللغوية مسبقة التدريب، التي تُدرب على كميات هائلة من البيانات المتنوعة المنشورة على الإنترنت. يتيح الوصولُ إلى مثل هذه الكميات الهائلة من البيانات، القدرةَ على فهم لغة طبيعية وإنشائها، وأشكال أخرى من المحتوى يمكن استخدامها في نطاق واسع من المهام.
يمكن أيضًا إظهار «القدرات الناشئة»، وهي أشكال من الأداء العشوائي لقدرات هذه النماذج، غير مبنية على البيانات التي تدربت عليها، قد تشمل تنفيذ المهام التي تتطلب التفكير الفائق. قد تتضمن القدرة الناشئة فهم المواقف الاجتماعية مثلًا، التي تُستنج عادةً بإظهار أداء متميز يفوق خط الأساس العشوائي في اختبار الذكاء الاجتماعي، وهو مقياس للتفكير المنطقي متعلق بالمواقف الاجتماعية.
يُمثل عدم التوقع المرتبط بالقدرات الناشئة -خصوصًا عندما تُدرب هذه النماذج اللغوية على مجموعات أكبر من البيانات- تساؤلات جوهرية عن السلامة والأمن. يُجادل البعض بأن القدرات الناشئة في المستقبل قد تتضمن قدرات خطيرة محتملة، مثل التفكير والتخطيط، ما يمثل تهديدًا للبشر.
أظهرت دراسة جديدة نتائج مغايرة لهذه التوقعات، إذ بينت النماذج اللغوية محدودية قدرتها على اتباع التعليمات على أكمل وجه، أو التفوق في إتقان لغة ما، وعدم امتلاكها القدرة على إتقان مهارات جديدة دون تعليمات واضحة. يعني هذا أن قدراتهم بطبيعتها قابلة للتنبؤ وآمنة وقابلة للسيطرة، مع أن إساءة استخدامها ما زال ممكنًا.
مع استمرار توسيع نطاق هذه النماذج، من المحتمل أن تُنتج لغةً أعقد، وأن تصبح أدق عند مواجهة طلبات مفصلة وصريحة، لكن من غير المرجح أن تكتسب تفكيرًا معقدًا مستقلًا.
يقول الدكتور هاريش مادابوشي عالم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا: «التصورات الخاطئة عن خطورة النماذج اللغوية الكبرى، وإمكانية اكتسابها الوعي والتفكير المستقل، ساهمت في عدم اعتمادها على نطاق أوسع، وأدت إلى صرف الانتباه عن القضايا الحقيقية التي تتطلب تركيزنا».
أجرى مادبوشي وزملاؤه، بقيادة البروفيسور إيرينا غوريفيتش من جامعة دارمشتات التقنية في ألمانيا، تجارب لاختبار قدرة النماذج اللغوية الكبرى على إتمام المهام التي لم تصادفها من قبل، وميلها إلى توليد قدرات ناشئة.
افترض الباحثون سابقًا أن النماذج بارعة عندما يتعلق الأمر بالقدرة على الأداء ضمن خط الأساس العشوائي لاختبار الذكاء الاجتماعي. تبين الدراسة الجديدة أمرًا آخر، إذ أظهر الفريق أن النماذج كانت تستخدم قدرات معروفة لإتمام المهام بناءً على الأمثلة المقدمة لها، ما يُعرف باسم «التعلم في السياق».
أظهرت نتائج التجارب أن قدرة النماذج اللغوية الكبرى على اتباع تعليمات التعلم في السياق، وذاكرتها وكفاءتها اللغوية، قد تفسر قدراتها ومحدوديتها.
أضاف مادبوشي: «كان مثار القلق أنه مع زيادة حجم النماذج، ستستطيع حل مشكلات جديدة لا يمكن توقعها حاليًا، ما يمثل تهديدًا بأن النماذج الأكبر حجمًا قد تكتسب قدرات خطيرة، تتضمن التفكير والتخطيط».
أثار ذلك الكثير من المناقشات. تبين النتائج الجديدة عدم قدرة هذه النماذج على إبداء أي نوع من التفكير المتطور، وتقدم أدلة تثبت ذلك.
أعرب كبار الباحثين -ليس فقط العامة- عن مخاوف من اكتساب النماذج اللغوية الكبرى مهارات تفكير عليا ومحاكاة البشر، إضافةً إلى آراء المختصين في مجال الذكاء الاصطناعي حول العالم. يؤكد الفريق أن هذه المخاوف غير مبررة، مستشهدين بنتائج دراستهم التي توضح غياب أي نوع من قدرات التفكير المستقل لدى النماذج.
يقول مادبوشي: «مع أنه من المهم محاولة تجنب إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، في أمور مثل خلق أخبار مزيفة وزيادة خطر الاحتيال، فإنه من السابق لأوانه سن لوائح تنظيمية استنادًا إلى تهديدات مزعومة».
إن اعتماد المستخدمين على النماذج اعتمادًا كليًا، عندما يتعلق الأمر بتنفيذ المهام المعقدة دون إعطاء النموذج تعليمات واضحة، ليس بالأمر الصحيح. بالمقابل، يستطيع المستخدمون الاستفادة من قدرات النماذج اللغوية الكبرى على أكمل وجه، بتزويدها بتعليمات واضحة وأمثلة تساعد على إظهار النتائج المطلوبة.
يؤكد الفريق أن هذه النتائج لا تستبعد التهديدات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بالكامل. يوضح جوريفيتش: «أوضحنا أن ظهور مهارات التفكير المعقدة المرتبطة بتهديدات محددة غير ممكن، وأننا نستطيع التحكم في عملية التعلم للنماذج اللغوية الكبرى على نحو جيد. يجب أن تركز الأبحاث المستقبلية على المخاطر الأخرى المتعلقة بهذه النماذج، مثل إمكانية استخدامها لتوليد أخبار مزيفة».
اقرأ أيضًا:
كيف سنعرف إذا أصبح الذكاء الاصطناعي واعيًا؟
مؤشر غير جيد، الذكاء الاصطناعي سيستهلك طاقة أكثر مما كنا نظن
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: ميرڤت الضاهر