تشير نظرية الإنترنت الميت اصطلاحًا إلى أن المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي والبوت قد تجاوز الإنترنت الذي أنتجه الإنسان. لكن من أين جاءت هذه الفكرة؟ وهل لها أي أساس في الواقع؟
إذا بحثت عن (shrimp Jesus) أو يسوع الجمبري على فيسبوك، قد تشاهد عشرات الصور التي ولّدها الذكاء الاصطناعي للقشريات المتشابكة بأشكال مختلفة لصورة نمطية ليسوع المسيح. وقد حصدت بعض هذه الصور الواقعية جدًا أكثر من 20,000 إعجاب وتعليق، فما الذي يحدث هنا إذن؟
ما هي نظرية الإنترنت الميت؟
تقوم نظرية الإنترنت الميت على أن أغلب المحتوى على الإنترنت والنشاط المتعلق به -ومن ضمن ذلك حسابات مواقع التواصل الاجتماعي- ينشئه الذكاء الاصطناعي.
تستطيع هذه الحسابات الوهمية إنشاء منشورات بسرعة مع الصور يولّدها الذكاء الاصطناعي، وذلك لاستحصال التفاعل -نقرة أو إعجاب أو تعليق- على منصات مثل فيسبوك وانستغرام وتيك توك. وهذا ما يفسّر صور الجمبري ليسوع، إذ يبدو أن الذكاء الاصطناعي تعلّم أن هذا المزيج من السخرية والأيقونات الدينية هو حاليًا ما يحدث تفاعلًا وينتشر بسرعة على نطاق واسع.
لكن نظرية الإنترنت الميت تذهب أبعد من ذلك، إذ يبدو أن كثيرًا من الحسابات التي تتفاعل مع هذا المحتوى يديرها الذكاء الاصطناعي أيضًا، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة من التفاعلات الاصطناعية التي لا تملك هدفًا أو أجندة ولا تتضمن البشر مطلقًا.
استحصال تفاعل غير ضار أم دعاية متطورة؟
قد يبدو أن الدافع وراء هذه الحسابات واضحًا للوهلة الأولى، يؤدي التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي إلى عائدات الإعلانات، فإذا أنشأ شخص حسابًا وتلقى تفاعلًا كبيرًا، قد يكسب جزءًا من عائدات الإعلانات من مؤسسات التواصل الاجتماعي مثل ميتا.
فهل تتوقف نظرية الإنترنت الميت عند استحصال التفاعل غير الضار؟ أم توجد محاولة معقدة وخفية وممولة تمويلًا كافيًا لدعم الأنظمة الاستبدادية ومهاجمة المعارضين ونشر الدعاية؟ قد تبدو صور الجمبري ليسوع غير مؤذية -مع إنها غريبة-، ولكن قد توجد أيضًا حيلة على المدى الطويل.
مع نمو هذه الحسابات التي يقودها الذكاء الاصطناعي بين المتابعين (الوهميين بأغلبهم)، يمنح عدد المتابعين المرتفع الثقة أمام مستخدمين الحقيقيين، ما يعني أن جيشًا من الحسابات الوهمية يجري إنشاؤه بعدد كبير من المتابعين جاهز لتقديمه لأعلى سعر يُدفع.
هذا الأمر بالغ الأهمية لأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الآن هي المصدر الأساسي للأخبار لكثير من المستخدمين حول العالم، ففي أستراليا يرى 46% من الشباب بعمر 18-24 في مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا رئيسيًا للأخبار في عام 2023، وارتفعت هذه النسبة مقارنةً بعام 2022 حين كانت 28%، لتهيمن بذلك على الوسائل التقليدية كالراديو والتلفاز.
المعلومات المضللة التي تقدمها بوتات الدردشة
توجد أدلة قوية على أن هذه الحسابات الوهمية واسعة الانتشار تتلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي للتأثير في الرأي العام بالمعلومات المضللة، ويحدث هذا منذ سنوات.
حللت دراسة من عام 2018 14 مليون تغريدة امتدت على 10 أشهر بين 2016 و2017، وجدت هذه الدراسة أن البوتات على مواقع التواصل الاجتماعي تشارك بغزارة في نشر المقالات من مصادر غير موثوقة. أي أن هذه الحسابات التي تضم أعدادًا كبيرة من المتابعين أضفت الشرعية والثقة على المعلومات الخاطئة والمضللة، ودفعت المستخدمين الحقيقيين لتصديق المحتوى المنشور والتفاعل معه وإعادة مشاركته.
وقد لوحظ نهج التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي بعد أحداث إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة، ففي 2019 وجدت الدراسات أن المنشورات التي تولّدها البوتات على تويتر حينها ساهمت بكثرة في المناقشة العامة، وعملت على تضخيم الحكايات المحتملة ذات الصلة بالأحداث المتطرفة أو تشويهها.
وقد انتشرت حديثًا عدة حملات تضليل واسعة موالية لروسيا، وسعت إلى إفشال دعم أوكرانيا وترويج المشاعر الموالية لروسيا. وقد كشف ذلك جهود منسقة من النشطاء والصحفيين، إذ وضّحوا استخدام البوتات والذكاء الاصطناعي لإنشاء معلومات مغلوطة ونشرها بين ملايين المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي.
في منصة إكس وحدها، استخدمت الحملة أكثر من 10,000 حساب بوت للنشر السريع لعشرات الآلاف من الرسائل الموالية للكرملين والمنسوبة إلى مشاهير الولايات المتحدة وأوروبا بأنهم يدعمون الحرب المستمرة ضد أوكرانيا.
إن حجم هذا التأثير مهم جدًا، حتى أن بعض التقارير تقول إن ما يقارب نصف حركة الإنترنت في عام 2022 كانت بفعل البوتات، ومع التطورات الأخيرة التي طرأت على الذكاء الاصطناعي التوليدي -كنماذج شات جي بي تي من أوبن إي آي وجيميني من جوجل- زادت جودة المحتوى المزيف.
تسعى مؤسسات مواقع التواصل الاجتماعي للتصدي لإساءة استخدام منصاتها، ومن الجدير بالذكر أن إيلون ماسك نظر في مطالبة المستخدمين بدفع تكاليف العضوية لإيقاف البوتات المنتشرة بكثرة.
بوسع عمالقة مواقع التواصل الاجتماعي إزالة كميات كبيرة من نشاط البوتات المرصود إن اختاروا ذلك.
ضع نظرية الإنترنت الميت بالحسبان
لا تدّعي نظرية الإنترنت أن معظم تفاعلاتك الشخصية على الإنترنت زائفة حقًا، لكنها مع ذلك تقدّم وجهة نظر مثيرة للاهتمام، فلم يعد الإنترنت من صنع الإنسان وموجه للإنسان، وهذا هو المقصود بموت الإنترنت الذي عرفناه واعتدناه.
حرية نشر أفكارنا على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هو ما يجعل من الإنترنت أداة قوية وجبارة، وبطبيعة الحال هذه هي القوة التي يسعى الجميع للتحكم بها، وهنا تأتي نظرية الإنترنت الميت للتذكير بأهمية التشكيك والتحقق، وتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى بعقلية نقدية، فأي نظرة رائجة أو تفاعل -خصوصًا المشاعر العامة- قد تكون مصطنعة ومصممة لتغيير نظرتك إلى العالم.
اقرأ أيضًا:
12 دورة مجانية على الإنترنت ستغير الطريقة التي ترى بها العالم
هل اللاشيء موجود؟ وما هو بالضبط؟
ترجمة: سليمان عبد المنعم
تدقيق: زين حيدر
مراجعة: محمد حسان عجك