ما يزال كوكبنا يزخر بأماكن خفية لم تُكتشف بعد. ففي كل عام يعثر مستكشفو الكهوف الجريئون على ممرات وقاعات جديدة تحت الأرض، ما يوسّع أبعاد أطول وأكبر الأنظمة الكهفية. لكن المدهش أكثر وجود كيلومترات لا حصر لها ما تزال بانتظار الاستكشاف.

يقول الصحفي والكاتب مايكل ري تايلور، الذي خاض تجارب استكشاف العديد من الكهوف الكبرى: «لقد عرفنا أعلى الجبال منذ مئات السنين، وحددنا أعمق النقاط في المحيطات قبل أربعة أو خمسة عقود، لكن لا توجد أي تقنية يمكنها أن تخبرنا بمواقع أعمق الكهوف … يشيع قول مأثور بين المستكشفين: الكهوف تقع حيث تجدها».

على مدار أربعين عامًا من الكتابة عن استكشاف الكهوف، شهد تايلور تطورًا هائلًا في رسم الخرائط، خاصة خارج الولايات المتحدة. فقد بدأ استكشاف بعض الكهوف الضخمة في الصين وشرق أوروبا بجدية قبل بضعة عقود فقط، وقد يتجاوز أحدها في النهاية كهف ماموث ليصبح الأطول عالميًا.

تتشكّل الكهوف بفعل عمليات جيولوجية متعددة، مثل النشاط البركاني (أنابيب الحمم) والتآكل (كهوف البحر)، لكن معظم الطويلة تُعرف باسم الكهوف المنحلة، إذ تتسرب مياه سطحية حمضية إلى شقوق الحجر الجيري، فتذيبه تدريجيًا حتى تتشكل الفتحات الواسعة.

وقد يحدث التكوّن أيضًا من الأسفل إلى الأعلى. ففي الكهوف الهيبوجينية، تتصاعد مياه غنية بالكبريت وثاني أكسيد الكربون من أعماق الأرض، مكونةً أحماضًا قوية تذيب الحجر الجيري أعلاها. وقد تشكّلت بعض أكبر الكهوف بهذه الطريقة، ما يجعل اكتشافها أصعب نظرًا لندرة المداخل السطحية.

ومع تزايد شعبية الاستكشاف، بدأت المتنزهات في تقديم جولات الكهوف البرية للمغامرين الراغبين في تجاوز المسارات المضيئة. يقول تايلور في كتابه (الطبيعة المخفية: الكهوف البرية الجنوبية): «بإمكان أي شخص يملك الجرأة الكافية ليختبر شعور الزحف عبر ممر ضيق أن يخوض تجربة آمنة ومُرشَدة تتوفر فيها جميع المعدات اللازمة، ما يمنحه إحساسًا حقيقيًا بروح المغامرة».

1) كهف ماموث بطول 580.5 كيلومتر

يُعد الأطول بلا منازع، ويمتد تحت كنتاكي بالولايات المتحدة. دخل البشر إليه أول مرة قبل نحو 4,000 إلى 5,000 عام، على الأرجح للتنقيب عن الجبس والمعادن الأخرى. وقد شقّ المستكشفون الأصليون طريقهم في 32 كيلومترًا داخل الكهف تقريبًا، مستعينين بضوء المشاعل فقط.

وقد أصبح وجهة سياحية بحلول القرن التاسع عشر بفضل تشكيلاته المذهلة من النوازل وقاعاته الواسعة. وفي عام 1842، رسم المستكشف المستَعبد ستيفن بيشوب أول خريطة للمتاهات تحت الأرض. لكن حتى خمسينيات القرن العشرين، لم تبدأ محاولات رسم خريطة الامتداد الكامل لهذا الكهف الهائل.

في عام 1972، اكتُشِف ممر يربطه بنظام فلينت ريدج، ما ضاعف طوله إلى 231 كيلومترًا. وما يزال المستكشفون يكتشفون ممرات جديدة حتى اليوم. ويستقطب الكهف أكثر من نصف مليون زائر سنويًا.

2) أوكس بيل ها بطول 495.7 كيلومتر وساك أكتون بطول 376.6 كيلومتر

تزخر شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك بتكوينات السينوتس، وهي مجارٍ طبيعية ضخمة ممتلئة بالمياه. تشكّلت هذه الكهوف بفعل إذابة الصخور الكلسية، لكن منذ نحو 18,000 عام، أدّى ارتفاع مستوى البحر إلى غمرها، ما جعلها أكبر الأنظمة الكهفية المغمورة بالمياه في العالم.

تُعد السينوتس القريبة من تولوم وجهات سياحية شهيرة، لكنها أيضًا مداخل لأنظمة لا يصل إليها إلا الغواصون المحترفون. يُعد كهف أوكس بيل ها الأكبر تحت الماء، إذ يمتد تحت الشعاب المرجانية والغابات والمستنقعات، ويمكن دخوله عبر عشرات السينوتس المترابطة. أما ثاني أكبر نظام مغمور فهو ساك أكتون، الذي يبلغ طوله 376 كيلومترًا.

3) كهف شوانغي بطول 417 كيلومتر

تُعرف مقاطعة قويتشو في جنوب الصين باسم مملكة الكهوف، حيث تشكلت أبراج الحجر الجيري والمجاري المائية بفعل التعرية لملايين السنين. اكتُشف أول مدخل لكهف شوانغي في أواخر الثمانينيات، أما اليوم فتُعرف خرائط أكثر من 416 كيلومترًا من ممراته، ما يجعله الأطول في آسيا.

يضم الكهف خمسة أنهار تحت الأرض، وعددًا من الشلالات، فضلًا عن قاعات بالغة الاتساع. وعُثر في داخله أيضًا على كائنات متكيفة مع الظلام الدامس، مثل الأسماك العمياء، إضافة إلى عشرات الأحافير لبقايا الباندا العملاقة، يعود عمر بعضها إلى 100 ألف عام.

4) كهف جويل بطول 354.8 كيلومتر وكهف ويند بطول 268.7 كيلومتر

تقع هذه الكهوف على بُعد 48 كيلومترًا من بعضها في بلاك هيلز من داكوتا الجنوبية. وتُعد أطول الكهوف الهيبوجينية، إذ تشكلت بفعل صعود مياه حمضية غنية بالكبريت من أعماق القشرة الأرضية، ما أدى إلى إذابة الصخور ونحت شبكة كهفية عميقة.

حصل جويل على اسمه من بلورات الكالسيت المتلألئة التي تغطي جدرانه. أما ويند، فقد تشكّل قبل 300 مليون عام ما يجعله من الأقدم عالميًا، ويحتوي على أكبر كمية من التغصنات الشبيه بقرص العسل (تكوينات تعرف باسم boxwork) مقارنة بأي كهف آخر على الأرض.

وفقًا لدراسات ضغط الهواء، فإن ما اكتشفناه من هذين الكهفين لا يتجاوز 5 إلى 10 بالمئة، ما يعني أن آلاف الكيلومترات الإضافية ما تزال تنتظر الاكتشاف.

5) كهف أوبتيمستجنا بطول 264 كيلومتر

يقع في أوكرانيا وهو أطول كهف في أوروبا وأكبر كهف جبسي في العالم. لم يُكتشف حتى عام 1966، وبقي مغلقًا إلى حد كبير أمام المستكشفين الغربيين حتى انهيار الاتحاد السوفيتي.

تتراص ممراته الضيقة ببلورات الجبس اللامعة، ويضم بحيرات تحت الأرض، إحداها تبلغ مساحتها نحو 84 مترًا مربعًا بعمق 6 أمتار، وعلى عكس كهوف الولايات المتحدة المكتظة بالسياح، ما يزال أوبتيمستجنا محتفظًا بحالته البرية، إذ يمكن استكشافه عبر جولات محلية مخصصة للمغامرين.

اقرأ أيضًا:

عشرة رسومات خلابة من الكهوف

بماذا تخبرنا الرسوم في الكهوف عن الحياة ما قبل التاريخ

ترجمة: أميمة الهلو

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر