نظريًا، هناك متسع للآلاف. يحتوي النظام الشمسي على ثمانية كواكب: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون، وكلها تدور حول الشمس بفعل قوى الجذب الشديدة. لكن هل هذا هو الحد الأقصى لعدد الكواكب التي يمكن أن تدور حول الشمس؟ أم أن هناك متسعًا للمزيد؟
وفقًا لموسوعة الكواكب خارج المجموعة الشمسية، فمقارنةً بأنظمة الكواكب الأخرى المعروفة، وعلى غير المتوقع، يحتوي نظامنا الشمسي على الكثير من الكواكب. نعرف 812 نظامًا كوكبيًا فيها ثلاثة أو أكثر من الكواكب المؤكدة، بينما نعرف نظامًا واحدًا، يسمى كيبلر-90، يحتوي على عدد الكواكب ذاته في نظامنا الشمسي.
من المرجح أن تحوي تلك الأنظمة كواكب داخلية أصغر من أن نرصدها، لذلك قد لا يكون النظام الشمسي في الواقع أكثر نظام مأهول بالكواكب في الجوار الكوني. تسلط الموسوعة الضوء على أن ثمانية كواكب قد يكون العدد الأقصى لشغل أكبر النظم الكوكبية، إذا قصدنا الكيفية الطبيعية تمامًا ودون مؤثر خارجي.
لحساب العدد الأقصى المطلق للكواكب التي تدور حول الشمس، سنتوغل في الجانب النظري، متجاهلين بعض العوامل الطبيعية التي قد تحد من عدد الكواكب المتوقع. تمثلت فضلى الطرق للباحثين في تصميم أو هندسة نظام شمسي جديد من الصفر.
هندسة نظام شمسي
قال شون ريموند، عالم الفلك في مختبر بوردو للفيزياء الفلكية في فرنسا، المتخصص في أنظمة الكواكب: «عندما تتحدث عن عدد الكواكب التي قد توجد في نظام كوكبي، ستحتاج إلى تناول عدة جوانب».
قال ريموند إن بنية النظام الكوكبي هي نتيجة لعدد من العوامل المعقدة، متضمنةً حجم النجوم، وحجم الكواكب، ونوع الكواكب -الكواكب الصخرية أو العمالقة الغازية مثلًا- وعدد الأقمار التي تدور حول كل كوكب، وموقع الكويكبات والمذنبات الكبيرة -مثل تلك الموجودة في حزام الكويكبات بين المشتري والمريخ، وفي حزام كايبر وراء نبتون- واتجاه مدارات الكواكب، وكمية المواد المتبقية من تشكل الشمس لإنشاء الكواكب. يستغرق الأمر أيضًا مئات الملايين من السنين من الاصطدامات الشديدة وتأثير الجاذبية بين الكواكب حتى يثبت النظام أخيرًا في صورة تكوين مستقر.
إذا كنا حضارةً فائقة التقدم كما نعتقد، في ظل التكنولوجيا والموارد اللذان تخطيا إمكاناتنا الحالية، فقد نتغلب على الكثير من هذه القيود، ونصمم نظامًا شمسيًا يمتلئ بأكبر عدد من الكواكب.
في هذا النظام الشمسي النظري المصمم هندسيًا، لنفترض أنه لا يوجد حد للمواد المتاحة لإنشاء الكواكب، وأنه يمكن إنتاجها بمؤثر خارجي ووضعها حيث نريد. سنتمكن أيضًا من إزالة الأقمار والكويكبات والمذنبات والعوائق الأخرى التي قد تعقد الأمور. لكن ما زالت توجد بعض القيود: الجاذبية التي تؤثر بها الكواكب والشمس ستكون ذاتها. ويجب أن تحافظ الكواكب على مسارها حول الشمس دون تداخل، لحفظ استقرار النظام.
يُعرف الكوكب بأنه جرم سماوي:
- يدور حول الشمس.
- لديه كتلة كافية لتحقيق التوازن الهيدروستاتيكي، ما يجعله مستدير الشكل.
- تخلص جوار مداره من الحطام (وذلك سبب عدم اعتبار بلوتو كوكبًا حقيقيًا، وفقًا للاتحاد الفلكي الدولي).
الحجم أهم مما تعتقد
في النظام الشمسي المصمم هندسيًا، الحد الأقصى لعدد الكواكب محدد بعدد المدارات الكوكبية التي يمكنك وضعها حول الشمس، دون إخلال باستقرار النظام.
قال ريموند: «عندما يصبح نظام كوكبي غير مستقر، تبدأ مدارات الكواكب بالتقاطع، ما يعني أنها قد تتصادم أو تتشتت بفعل الجاذبية، لتنطلق الكواكب كالقذائف نحو الكواكب الأخرى وخارج النظام».
يعتمد الحد الأدنى للمسافة الآمنة بين مدارات الكواكب في نظام مستقر على حجم كل كوكب، أو للدقة نصف قطر الكوكب. نصف قطر هيل على كوكب ما هو المسافة بين الكوكب وحافة مجال تأثيره، إذ تتأثر الأجسام ذات الكتلة الأصغر بجاذبية الكوكب داخل تلك المنطقة، مثل القمر الذي يدور حول الأرض.
وفقًا لوكالة ناسا، تجذب الكواكب الأكبر الأجسام بقوة، إذ إن نصف قطرها أكبر. لذلك فإن المسافة بين مداري الأرض والمريخ، التي تبلغ نحو 78.3 مليون كيلومترًا، أصغر بسبع مرات تقريبًا من المسافة بين مداري كوكب المريخ والمشتري، البالغة نحو 550.7 مليون كيلومتر.
لهذا يعتمد عدد المدارات الذي يستوعبه النظام الشمسي غالبًا على حجم الكواكب. مثلًا، كوكب المشتري أكبر بنحو 300 ضعف من الأرض، ما يعني أن نصف قطر هيل أكبر بنحو 10 أضعاف، وأن 10 مدارات أرضية منفصلة يمكن أن تشغل نفس الحيز الذي يشغله مدار كوكب المشتري الحالي.
إذن، لزيادة عدد الكواكب في نظام ما، يتحتم جعل الكواكب صغيرة قدر الإمكان.
اتجاهان متعاكسان
حجم الكواكب هو المفتاح لزيادة عدد المدارات التي يمكن أن تدخل في نظام مُهندَس. ومع ذلك، هناك حيلة ذكية أخرى يمكننا استغلالها لإضافة بعض المدارات بغض النظر عن حجم الكوكب: تغيير الاتجاه الذي تتحرك فيه الكواكب حول الشمس.
في النظام الشمسي الحالي، يدور كل كوكب في الاتجاه ذاته حول الشمس. إذ تشكلت الكواكب من سحابة كبيرة من الغبار تدور جزيئاتها في الاتجاه ذاته.
أما في نظامنا الشمسي المصمم هندسيًا، ستمتلك كواكبنا القدرة على الدوران حول الشمس في الاتجاه المعاكس، ما يُسمى المدارات العكسية. تظل هذه الفكرة وليدة خيال واسع إلى حد ما. من المحتمل ألا توجد مدارات عكسية في الطبيعة بسبب طبيعة تشكل الكواكب.
مع ذلك، إذا دار كوكبان حول الشمس في اتجاهين متعاكسين فإن قوى الجاذبية بينهما ستضعف قليلًا ويمكن تقليل الحد الأدنى للمسافة الآمنة بين مداريهما.
قال ريموند: «إذا سار كوكبان في مدارين مختلفين في الاتجاه نفسه، فسيكون أمامهما وقت أطول ليقابل أحدهما الآخر في أثناء المرور، ما يطلق العنان لقوى الجاذبية. أما إذا كانا يسيران في اتجاهين متعاكسين، فإنهما يتفاعلان لفترة زمنية أقصر، ما يجنبنا الاصطدام أو التشتت».
إذن، إذا جعلنا واحدًا من كل مدارين في نظامنا الهندسي مدارًا عكسيًا شبه دائري لتتحرك المجموعات المتجاورة في اتجاهين متعاكسين، يمكننا تقليل المساحة المطلوبة بين كل مدار، وبذلك يتسع النظام لكواكب إضافية.
تقاسم المدارات
حتى الآن، نفترض أن كل مدار في نظامنا الشمسي المُصمم يحتوي على كوكب واحد فقط. ومع ذلك، من الممكن في الواقع أن يكون لديك عدة كواكب تتشارك المدار ذاته، وتمكن رؤية مثال على ذلك في نظامنا الشمسي الحالي.
كوكب المشتري لديه مجموعتان من الكويكبات، معروفة باسم كويكبات معسكر الإغريق وكويكبات طروادة، تشاركه المدار. هذه المجموعات تقع بزاوية 60° أمام العملاق الغازي وخلفه في دورانه حول الشمس. يظن علماء الفلك أنه قد تشترك الكواكب في المدارات بطريقة مماثلة. وأطلقوا على هذه العوالم البعيدة اسم كواكب طروادة.
قال ريموند: «يبحث الناس بدأب عن أشباه كواكب طروادة بين أنظمة الكواكب الخارجية، لإمكانية تشكلها طبيعيًا. مع ذلك، لم يُرصد أي منها حتى الآن».
إذا أردنا زيادة عدد الكواكب في نظامنا الشمسي المصمم هندسيًا، قد نرغب في الحصول على أكبر عدد ممكن من كواكب طروادة. لكن تمامًا كما هو الحال مع عدد المدارات التي يمكنك تنسيقها حول الشمس، يجب أن تكون الكواكب التي يمكنك وضعها في مدار ما متباعدةً بما يكفي لإبقائه مستقرًا.
في دراسة نُشرت عام 2010 في مجلة Celestial Mechanics and Dynamical Astronomy، استخدم اثنان من علماء الفلك نصف قطر هيل لمعرفة عدد الكواكب التي يمكن أن تتشارك في المدار. وجدوا أن العدد يصل إلى 42 كوكبًا بحجم الأرض تشترك في مدار واحد. وتمامًا كما هو الحال مع عدد المدارات في نظام ما، فكلما كانت الكواكب أصغر، كان بإمكانك وضع المزيد منها في المدار ذاته.
أضاف ريموند أن فرص وجود هذا العدد الكبير من الكواكب تتشارك مدارًا واحدًا على نحو طبيعي، صفر عمليًا، لأن كل الكواكب في نظام كهذا يجب أن تكون متماثلة في الحجم، وتشكلت في الوقت ذاته ليبقى النظام مستقرًا. لكن في النظام الشمسي المُعدّل هندسيًا، قد تتحقق رؤية البنية المدارية المشتركة تلك. ما سيزيد من عدد الكواكب التي يمكننا تضمينها.
ما العدد الأقصى نظريًا؟
الآن بعد أن فهمنا المتغيرات الرئيسية التي نحتاج إليها لهندسة نظام شمسي مليء بالكواكب، فقد حان الوقت أخيرًا للعب بالأرقام ومعرفة عدد الكواكب التي يمكننا وضعها داخله.
لحسن الحظ، استغل ريموند المحاكاة الحاسوبية التي ابتكرها بحثًا عن إجابة. مع ذلك، دعونا لا نغض الطرف عن عدم مراجعة تلك الحسابات من قِبل الأقران، وأنها مع استنادها على نظريات استُخدمت سابقًا في أكثر من محاكاة منطقية، فإن قليلًا من التشكيك وإعادة النظر لن يضر.
لحزم أكبر عدد من الكواكب داخل حقيبة النظام الشمسي المُهندَس، يمتد النظام ليبلغ 1000 وحدة فلكية من الشمس. حاليًا، تبعد حافة للنظام الشمسي، المُعرَّفة سابقًا والمعروفة أيضًا باسم الغلاف الشمسي، نحو 100 وحدة فلكية من الشمس وفقًا لوكالة الفضاء الأوروبية، لكن لا تفقد الشمس جاذبيتها تبعًا لطول المسافة، بل يمتد تأثيرها إلى أبعد من ذلك بكثير. ويستخدم نموذج ريموند كواكب متساوية في الحجم ذات مدارات عكسية متناوبة.
مع أخذ كل هذا في الحسبان، إذا كنت تستخدم كواكب بحجم الأرض، يمكنك احتواء 57 مدارًا، كل منها يحتوي على 42 كوكبًا، فيكون الإجمالي 2394 كوكبًا.
أما إذا استخدمت كواكب أصغر حجمًا بعُشر حجم الأرض -تقريبًا كتلة المريخ- فيمكنك احتواء 121 مدارًا، يحتوي كل منها على 89 كوكبًا، ما يعطي إجمالًا 10769 كوكبًا. وإذا كان حجم الكواكب يقارب حجم القمر –واحد على مئة من كتلة الأرض- فيمكن الحصول على 341 مدارًا، يحتوي كل منها على 193 كوكبًا، ما ينتج 65813 كوكبًا يدور حول الشمس.
لا شك أن هذه الأرقام مبالغ فيها، وتظل القدرة على هندسة مثل هذه الأنظمة المعقدة حلمًا بعيد المنال. تُسلط هذه التجربة الفكرية الممتعة الضوء على مساحات واسعة من النظام الشمسي، فكواكبنا الثمانية الهزيلة لا تشغل الحيز كاملًا. نظريًا هناك متسع للمزيد، لكن الطبيعة أنهت عملها هنا، ولسنا بصدد انضمام كواكب جديدة لنظامنا الشمسي.
اقرأ أيضًا:
تلسكوب ناسا الجديد سيشكل ثورة في رحلة البحث عن كواكب شبيهة بالأرض
تلسكوب ناسا الجديد سيشكل ثورة في رحلة البحث عن كواكب شبيهة بالأرض
ترجمة: عصماء عصمت
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: أكرم محيي الدين