أظهرت محاكاة حاسوبية، أن المريخ كان موطنًا للحياة الميكروبية المنتجة للميثان منذ مليارات السنين. ويقول الباحثون الفرنسيون إنه على الرغم من اقتراح فرضية إمكانية دعم المريخ لوجود الكائنات الحية الدقيقة سابقًا، فإنها تبقى مجرد فرضية لم تُحدد كميًا.
نُشرت أبحاثهم في مجلة Nature Astronomy.
في بدايات تشكل النظام الشمسي، تعرض المريخ لقصفٍ من عدد كبير من النيازك والكويكبات، إذ يدل سطح المريخ على دعمه وجود السوائل والمياه.
عُرفت فترة البداية المبكرة في التاريخ الجيولوجي لكوكب المريخ باسم النوحي Noachian تيمنًا بالبطريرك القديم نوح. وعلى الرغم من عدم معرفة العمر الدقيق لـ النوحي، فإنها على الأرجح امتدت من 4.1 إلى 3.7 مليار سنة، وتكاد تكون مماثلةً جيولوجيًا لعصر التخلّق التلقائي على الأرض Earth’s Hadean؛ الذي امتد من 4.6 إلى 4 مليارات سنة.
يكتب مؤلفو الدراسة الحديثة: «خلال العصر النوحي، ربما وفّرت قشرة المريخ بيئةً ملائمةً لحياة الكائنات الدقيقة»، ويضيفون: «الطبقة العليا من سطح المريخ كانت توفر مأوىً جيدًا للحياة الأولية، وتحميها من الإشعاعات الكونية والأشعة فوق البنفسجية».
لقد كان كوكب المريخ خلال العصر النوحي موطنًا مناسبًا للكائنات الدقيقة المعروفة باسم (الميثانوجينات الهيدروجينية)؛ التي تستهلك الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وتنتج الميثان على شكل نفايات. وفي الأرض، كانت عملية الميثانوجينية الهيدروجينية من بين أقدم عمليات الأيض التي ظهرت آنذاك.
استخدم العلماء نموذجًا حديثًا لدراسة تأثير التغذية الهيدروجينية الميثانية على نظام المريخ الأولي. إذ دمجوا نموذجًا مناخيًا فوتوكيميائيًا (ينظر إلى تأثير الإشعاع على المركبات الكيميائية في الغلاف الجوي المريخي) مع نموذج لقشرة المريخ الأولية، ما سمح لهم بتحليل تركيب الغلاف الجوي والمناخ والخصائص الحرارية للقشرة، وتبادل الغازات بين القشرة والغلاف الجوي.
ذكر الباحثون في دراستهم: «نجد أن قابلية الحياة في الطبقات الجوفية كانت محتملةً للغاية، ويقتصر ذلك بشكل أساسي على مدى تغطية الجليد السطحي»، ويقولون: «كان من الممكن أن يصل إنتاج الكتلة الحيوية إلى مستوى عالٍ مثلما كان الحال في المحيط الأولي للأرض».
يشير الباحثون إلى أنه على الرغم من ذلك فإن التحول المتوقع في تركيب الغلاف الجوي الناجم عن عملية تولد الميثان كان سيؤدي إلى حدوث انخفاض في درجة الحرارة، وهذا ينهي الظروف الدافئة المحتملة في البداية التي تجعل من السطح غير صالح للحياة، فتضطر الكائنات الحية إلى العيش في الطبقات الجوفية العميقة في المريخ.
لقد درس الباحثون تأثير الميثانوجينات الهيدروجينية على المناخ الأرضي في المراحل الأولى من تشكل الكوكب، ثم أجروا مقارنةً مع نمذجة المريخ في مراحله الأولية، فلاحظوا وجود تشابهات واختلافات.
ذكر الباحثون في دراستهم: «من جهة، تتنبأ النماذج بوجود إمكانية الحياة للميثانوجينات الهيدروجينية على الكوكبين الصغيرين بالقدر ذاته التي تؤدي إلى إنتاج كتلة حيوية مماثلة. ومن ناحية أخرى، فإن آليات التغذية الراجعة للمناخ تعمل باتجاهات مختلفة».
وفي حين أن الميثانوجينات الهيدروجينية على الأرض قد ساعدت في الحفاظ على ظروف درجات الحرارة المعتدلة، فإنها كانت ستبرد سطح المريخ الأولي بما يقدر بـ 33-45 درجة مئوية. ذلك يعود إلى أن الغلاف الجوي الغني بالنيتروجين على الأرض سيشهد زيادةً في إنتاج الميثان الذي يؤدي بدوره لظهور الاحتباس الحراري، بينما يؤدي وجود الهيدروجين على المريخ إلى الاحتباس الحراري أكثر من الميثان الذي سوف ينتج من استهلاك الهيدروجين.
يقول الباحثون: «إن أفضل دليل يدعم توقعات نموذجهم هو اكتشاف الحياة الميثانوجينية على المريخ في الوقت الحاضر، التي يمكن أن تنحدر من الميكروبات الافتراضية التي أجروا لها نمذجةً. ولكن بما أن الغلاف الجوي المريخي قد تقلص في السنوات الملايين الماضية، فإن الحياة على المريخ كان يجب أن تغير مصدر طاقتها من الهيدروجين إلى الطاقة الحرارية والتفاعلات الكيميائية، مثل التأين في أعماق سطح الكوكب».
مع ذلك، يمكن لهذا العمل أيضًا أن يساعد في إرشاد البحث عن بقايا الميكروبات النوحيّة. ويشير الأمر بأنه من الممكن العثور على بقايا الكائنات الحية السابقة على سطح المريخ القديم الذي يعود إلى 3-4 مليار سنة، مثلما عُثر عليه على الأرض.
بالنسبة لمثل هذا البحث في المستقبل، يوصي الباحثون بثلاثة مواقع: سهل هيلاس بلانيتيا Hellas Planitia، وسهل إيزيدس بلانيتيا Isidis Planitia، وفوهة جيزيرو البركانية Jezero Crater بوصفها أفضل الأماكن للبحث عن علامات الحياة الميثانوجينية في وقت مبكر على سطح المريخ.
إذ إن مهمة عربة مسبار الصمود، المكلّفة بالبحث عن علامات الحياة القديمة على المريخ، تعمل بالفعل على تحديد مواقع على فوهة جيزيرو البركانية Jezero Crater.
اقرأ أيضًا:
الذكاء الاصطناعي قد يمثل أفضل فرصة لنا لإيجاد حياة على سطح المريخ
التقاط صور لدوائر غريبة الشكل على كوكب المريخ
ترجمة: حمداش رانية
تدقيق: منال توفيق الضللي