قد يصعب على غير الرياضيين استيعاب فكرة أن الحرف (i) يمثل عددًا لا يوجد فعلًا، ويُسمى خياليًا أو تخيليًا. لكن إذا فتحت عقلك لهذه الطريقة من التفكير، يصبح عالم جديد تمامًا ممكنًا.
أنا رياضي أدرس التحليل، وهو فرع من الرياضيات يتعامل مع الأعداد المركبة. على عكس الأعداد الحقيقية الأكثر شيوعًا، الأعداد الصحيحة الموجبة والسالبة، الكسور، الجذور التربيعية، الجذور التكعيبية وحتى الأعداد مثل باي (π)، تحتوي الأعداد المركبة على مكون خيالي.
هذا يعني أنها تتكون من كل من الأعداد الحقيقية والعدد الخيالي! وهو الجذر التربيعي للعدد سالب 1.
تذكر، الجذر التربيعي لعدد يمثل عددًا مربعه هو العدد الأصلي. العدد الموجب عند ضربه في نفسه يعطي عددًا موجبًا. العدد السالب عند ضربه في نفسه يعطي عددًا موجبًا. أما العدد الخيالي i فيمثل عددًا عندما يُضرب في نفسه يصبح سالبًا.
غالبا ما تؤدي المحادثات حول الأعداد الخيالية مع غير الرياضيين إلى اعتراضات مثل: لكن هذه الأعداد غير موجودة حقًا، أليس كذلك؟
إذا كنت من هؤلاء المشككين، فأنت لست وحدك. حتى عمالقة الرياضيات وجدوا الأعداد المركبة صعبة الفهم.
مثلًا، تسمية (-√1) بأنه «خيالي» لا يساعد الناس على الفهم. الرياضي جيرولامو كاردانو، في كتابه الذي صدر عام 1545 حول الأعداد المركبة، رفضها كونها دقيقة تمامًا كما هي عديمة الفائدة.
حتى ليونارد أويلر، أحد أعظم الرياضيين، يُقال إنه حسب √(-2) و √(-3) لتصبح 6√. في حين أن الجواب الصحيح هو -√6.
في المدرسة الثانوية، ربما تكون قد صادفت الصيغة التربيعية، التي تعطي حلولًا للمعادلات التي يكون فيها المتغير المجهول مربعًا، مرفوعًا للقوة الثانية.
ربما لم يرغب معلمك في المدرسة الثانوية في التعامل مع مسألة ما يحدث عندما يكون (b² – 4ac)، العدد الموجود تحت الجذر في معادلة الدرجة الثانية، سالبًا. ربما تجاهل هذا الأمر بوصفه أمرًا ستتطرق إليه في الجامعة.
x = (-b ± √(b² – 4ac)) / 2a
b: معامل س
a: معامل س²
c: الحَد الثابت
يمكن تطبيق معادلة الدرجة الثانية في المزيد من الحالات عندما يُسمح للتعبير تحت الجذر أن يكون سالبًا.
إذا كنت مستعدًا لتصديق وجود الجذور التربيعية للأعداد السالبة، فستحصل على حلول لمجموعة جديدة من معادلات الدرجة الثانية. في الواقع، يظهر عالم كامل مذهل ومفيد من الرياضيات: عالم التحليل المركب.
الأعداد المركبة تبسط مجالات أخرى في الرياضيات
ماذا تحصل مقابل تصورك الجديد عن الأعداد المركبة؟
أولًا، يُصبح علم المثلثات أسهل بكثير. فبدلًا من حفظ العديد من صيغ المثلثات المعقدة، تحتاج فقط إلى معادلة واحدة لحلها جميعًا: صيغة أويلر 1740.
بمهارات جبرية جيدة، يمكنك التعامل مع صيغة أويلر، لتجد أن معظم صيغ المثلثات القياسية المستخدمة لقياس طول أو زاوية المثلث تصبح سهلة للغاية.
صيغة أويلر: الأُس e مرفوع إلى القوة i مضروبة في الزاوية x، تساوي جيب التمام للزاوية x + جيب الزاوية x مضروبًا في i
e: أساس اللوغاريتم الطبيعي
i: العدد التخيلي، جذر سالب 1
x: الزاوية
تعتمد معادلة أويلر على الأعداد الخيالية.
يصبح حساب التفاضل والتكامل أسهل أيضًا. كما لاحظ علماء الرياضيات روجر كوتس ورينيه ديكارت، الذي صاغ مصطلح العدد الخيالي، وآخرون، أن الأعداد المركبة تجعل من السهل حل التكاملات التي تبدو مستحيلة، وقياس المساحة تحت المنحنيات المركبة.
للأعداد المركبة أيضًا دور في فهم جميع الأشكال الهندسية الممكنة التي يمكنك إنشاؤها باستخدام المسطرة والفرجار. لاحظ علماء الرياضيات جان روبرت أرجاند وكارل فريدريك غاوس، أنه يمكنك استخدام الأعداد المركبة لمعالجة الأشكال الهندسية مثل الخماسي والمثمن.
التحليل المركب في العالم الواقعي
للتحليل المركب العديد من التطبيقات في العالم الواقعي.
فكرة الرياضي رافائيل بومبيلي إجراء العمليات الجبرية مثل الجمع والطرح والضرب والقسمة على الأعداد المركبة، تجعل من الممكن استخدامها في حساب التفاضل والتكامل.
من هنا، أصبح الكثير مما يستخدمه العلماء في الفيزياء لدراسة الإشارات، أو نقل البيانات، أسهل في الإدارة والفهم.
مثلًا، يُستخدم التحليل المركب لمعالجة الأمواج الصغيرة، أو التذبذبات الصغيرة في البيانات. هذه التقنيات مهمة للغاية لإزالة الضوضاء من إشارة مشوشة قادمة من قمر صناعي، ولضغط الصور لتخزين البيانات بكفاءة.
يسمح التحليل المركب للمهندسين بتبسيط المشكلات المعقدة، على هذا فهو أيضًا أداة مهمة في العديد من مواضيع الفيزياء التطبيقية، مثل دراسة الخصائص الكهربائية والسائلة للهياكل المعقدة.
بالتوصل إلى فهم أفضل للأعداد المركبة، تمكن علماء رياضيات مشهورون مثل كارل فايرستراس وآخرون من تطوير التحليل المركب، وبناء أداة مفيدة تُبسط الرياضيات وتُطور العلوم، بل تجعلها أيضًا أكثر قابلية للفهم.
اقرأ أيضًا:
لماذا مجموع أي وجهين متقابلين في النرد يساوي 7؟
كيف غيرت معادلة عبقرية محفورة على جسر تاريخ الرياضيات؟
ترجمة: إلياس الونيسي
تدقيق: أكرم محيي الدين