تزخر الأرض بالجبال، بدءًا من جبل ويتشيبروف الضئيل في ولاية فيكتوريا في أستراليا، الذي يبلغ ارتفاعه 147 مترًا فوق مستوى سطح البحر، إلى جبل إيفرست في آسيا، وهو أعلى جبل على وجه الأرض، ويقف شامخًا بارتفاع 8849 مترًا. ولكن كيف تتشكل هذه القمم الضئيلة منها والعملاقة؟ بدأ الجيولوجيون للتو في فهم بعض الطرق العديدة التي تتشكل بها الجبال.
تتشكل الجبال بعدة طرق، والعديد منها على علاقة وثيقة بالصفائح التكتونية للأرض. إحدى تلك الطرق هي تصادم هذه الألواح الصخرية العملاقة، فيمكن أن تنثني حوافها وتنطوي، ما يدفع الصخور إلى الأعلى فتشكل سلسلة جبال. تشكلت جبال الهيمالايا -موطن جبل إيفرست- بهذه الطريقة.
يذكر متحف علم الحفريات بجامعة كاليفورنيا طريقة أخرى: في بعض الأحيان عندما تلتقي الصفائح التكتونية، تتحرك فيها الصخور بعضها فوق بعض وتنتهي إحدى الصفائح بالغوص تحت الأخرى، وهي ظاهرة تُعرف باسم الانزلاق التكتوني. يمكن للصخور التي تتفتت عند الحواف أن تتكوم وتؤدي إلى ظهور سلاسل جبلية مثل جبال الأنديز.
يشير المتحف إلى أنه يمكن أيضًا أن تتشكل الجبال في أثناء انقسام الصفائح التكتونية، وكتل الصخور الموجودة على جانبي الصدع الناتج قد تشكل سلاسل جبلية، مثل سلسلة جبال سييرا نيفادا في غرب الولايات المتحدة.
وفقًا لقسم الجيولوجيا بجامعة جيمس ماديسون، فالبراكين هي طريقة أخرى لنشأة الجبال. تنفجر البراكين -غالبًا- في مناطق الانزلاق التكتوني، وينتج عنها تشكل أقواس الجزر مثل جزر اليابان. بالإضافة إلى ذلك، بمقدور أعمدة عملاقة من الصخور الساخنة المعروفة باسم أعمدة الوشاح أن ترتفع من مكان قريب من لب الأرض لصهر الصخور التي تعلوها، تمامًا مثل موقد اللحام، وتشكل جزرًا بركانية مثل جزر غالاباغوس Galapagos.
قال ليجون ليو -عالم الجيولوجيا في جامعة إلينوي أوربانا-شامبين- لموقع لايف ساينس Live Science: «من الطرق غير المألوفة كذلك أن يساعد التآكل في الحث على نمو الجبال. تتسبب الأنهار الجليدية أو الأنهار التي تجري على سفوح الجبال في تآكل الصخور وتجرفها معها».
أجرى ليجون ليو دراسة في عام 2014 أشار فيها إلى أن هذا التآكل يخفف الوزن عن القشرة الأرضية، ما يدفع طبقة الوشاح الطرية الموجود تحتها إلى الارتداد نحو الأعلى ويؤدي إلى ارتفاع قمم الجبال.
أضاف ليو: «تقترح النتائج الحديثة طريقة أخرى وهي احتمالية انفصال قطع الصخور الكثيفة من الجزء السفلي من الصفائح التكتونية وسقوطها في الوشاح الموجود تحتها، ما قد يتسبب في طفو السطح السفلي إلى الأعلى. مثل هذا الانفصال بإمكانه المساعدة في تفسير كيفية تشكل الجبال العالية أو الهضاب في جوف المناطق الداخلية للقارات، مثل جبال روكي وهضبة كولورادو».
نوه جوني وو Jonny Wu، عالم الديناميكا الجيولوجية بجامعة أريزونا في توكسون، لموقع لايف ساينس بأنه قد يلعب نشاط أعماق الأرض دورًا في بناء الجبال، وهذا ما يكتشفه الجيولوجيون حاليًا.
وأضاف: «عندما تهبط الصفائح التكتونية المنزلقة، فإنها قد تتفاعل مع طبقات الوشاح أو التدفقات المتماوجة. هذه التفاعلات بين اللوح والوشاح ربما تؤدي إلى تفاعل متسلسل محسوس على السطح، ما يتسبب في ارتفاع الجبال أو انخفاضها، علاوة على ذلك، فإن الصخور الموجودة في الوشاح تموج بعنف على فترات زمنية تبلغ ملايين السنين، وهي ظاهرة تُعرف باسم التضاريس الديناميكية. هذا التحرك يمكن أن يطوي سطح الأرض إلى الأعلى».
واستطرد قائلًا: «عمومًا، إن بناء الجبال يتحكم في شكل الأرض. تؤثر الجبال في المناخ والطقس، كما أن أن تآكل السلاسل الجبلية وتجوية وتعرية رواسبها له تأثير كيميائي كبير في سطح الكوكب والمحيطات والغلاف الجوي».
على أي حال، أكد غريغوري روتينيك -الباحث في معهد الجيوفيزياء التابع للأكاديمية التشيكية للعلوم- في تعليق له عام 2023 في مجلة ناتشر جيوساينس Nature أنه ما يزال هناك جدل حول مدى قدرة التضاريس الديناميكية على تغيير سطح الأرض.
من ناحية أخرى، أوضح شون غالين Sean Gallen، عالم تضاريس الأرض في جامعة ولاية كولورادو في فورت كولينز، لموقع لايف ساينس، أن ما ذكره جوني وو قد يساعد أيضًا على تفسير الارتفاعات العالية في هضبة التبت.
واستدرك قائلًا: «استُخدمت تلك الأمثلة التي تضم هذه الأنواع من العمليات لشرح تاريخ بناء الجبال، وتشمل أجزاءً من جبال الأنديز ومناطق معينة من الانزلاقات التكتونية في البحر الأبيض المتوسط. حتى مع أهمية الجبال للحياة على الأرض، فإننا ما زلنا لا نفهم جيدًا كيف تتشكل وتتغير عبر الزمن، لهذا السبب أجد أن دراستها مثيرة للغاية».
اقرأ أيضًا:
كيف تتكون الجبال؟ وما هي أنواع الجبال حسب طريقة تشكلها
ما هي طبقات الأرض؟ كم عددها ومما تتكون كل منها؟
ترجمة: عمرو أحمد
تدقيق: جعفر الجزيري