يُعد الاستماع إلى الموسيقى المثيرة للعواطف، العامل الأكثر شيوعًا لتحفيز الشعور بالقشعريرة، التي يستشعرها بعض الأشخاص عند النظر إلى أعمال فنية جميلة، أو عند مشاهدة مشهد مؤثر في فيلم، أو أثناء الاتصال الجسدي مع شخص آخر.

أظهرت الدراسات أن نحو ثلثي سكان العالم تراودهم الرعشة، كما أنشأ مستخدمو Reddit المحبون للارتعاش الموسيقي صفحة لمشاركة وسائطهم المفضلة التي تسبب لهم القشعريرة.

لكن لماذا يشعر بعض الأشخاص بالارتعاش دون غيرهم؟ وما الأسباب التي تؤدي إلى شعور بالإثارة متبوع بالقشعريرة؟

ما زال العلماء يبحثون أسرار تلك الظاهرة، تتبعت دراسات واسعة على مدى العقود الخمسة الماضية مصدر القشعريرة وشكل رد فعلنا العاطفي تجاه المحفزات الغير المتوقعة في بيئتنا، مثل الموسيقى.

إن المقاطع الموسيقية التي تحتوي على نغمات غير متوقعة، مثل تغيرات مفاجئة في الصوت، أو دخول مفاجئ لفنان منفرد، غالبًا ما تكون محفزات شائعة لظاهرة القشعريرة، لأنها تكون مخالفة لتوقعات المستمعين على نحو إيجابي، على غرار ما حدث خلال الأداء الأول لسوزان بويل في برنامج Britain’s Got Talent عام 2009.

عندما يعزف عازف الكمان المنفرد مقطوعة موسيقية مؤثرة، تعزف النغمات تألقًا جميلًا، قد يجد المستمع هذه الذروة مشحونة عاطفيًا، ويستشعر الإثارة من مشاهدة أداء ناجح لقطعة موسيقية صعبة.

لكن العلم ما زال يحاول معرفة سبب تحول هذه الإثارة إلى قشعريرة في الجلد.

تقترح بعض الدراسات العلمية أن القشعريرة في الجلد هي بقايا تطورية من أسلافنا الأوائل الذين كانوا مشعرين أكثر من البشر الآن، إذ كانوا يحافظون على دفء أجسادهم بواسطة طبقة حرارية نشطة تحت شعر بشرتهم.

عند تعرض الشخص لتقلب حاد في درجة الحرارة، مثل التعرض لنسمة باردة فجأة في يوم مشمس، تظهر القشعريرة على الجلد مؤقتًا بارتفاع شعر الجسم ثم انخفاضه، فيعاد ضبط هذه الطبقة الحرارية.

منذ اخترع الإنسان الثياب، تقلصت حاجته إلى هذه الطبقة الحرارية النشطة، مع ذلك، ما زالت البنية الفيزيولوجية موجودة، إذ تحدث القشعريرة بوصفها رد فعل للمحفزات العاطفية، مثل الجمال الفائق في الفن أو الطبيعة.

تختلف الدراسات فيما يتعلق بانتشار الارتعاشات الجمالية، إذ تظهر الدراسات نسبة تتراوح بين 55-86% من السكان قادرين على تجربة هذا التأثير.

مراقبة كيفية تفاعل الجلد مع الموسيقى:

من المعتقد أنه إذا كان الشخص مندمج عقليًا مع قطعة موسيقية معينة، فإن هذا قد يزيد من احتمالية حدوث القشعريرة عنده، نتيجة تركيزه الزائد على المحفزات، ويعود اندماج الشخص مع مقطوعة موسيقية إلى نوع شخصيته.

لاختبار هذه الفرضية، وُصّل المشاركون في التجربة بجهاز يقيس استجابة الجلد الكلفانية، وهو مقياس لكيفية تغير المقاومة الكهربائية لجلد الأشخاص عند استثارتهم فيزيولوجيًا.

استمع المشاركون إلى عدة مقطوعات موسيقية، وراقب الباحثون استجاباتهم للموسيقى.

من المقطوعات الموسيقية المستخدمة في الدراسة:

  •  آلام القديس يوحنا ليوهان سيباستيان باخ.
  •  المقطوعة الثانية لشوبان.
  •  أغنية Making Love Out of Nothing.
  •  موسيقى Movement 6 من فيلم Methodea.
  •  موسيقى Oogway Ascends لهانز زيمر.

كل من هذه المقطوعات الموسيقية تتضمن لحظة مثيرة واحدة على الأقل تُعرف بقدرتها على إحساس المستمعين بالقشعريرة.

في أثناء استماع المشاركين لهذه المقطوعات الموسيقية، طلب منهم القائمون على الاختبار الإبلاغ عن تجاربهم مع القشعريرة بالضغط على زر صغير، ما أدى إلى إنشاء سجل زمني لكل جلسة استماع.

بمقارنة هذه البيانات مع القياسات الفيزيولوجية واختبار الشخصية الذي أكمله المشاركون، تمكنا لأول مرة من استخلاص استنتاجات مميزة حول الأسباب المحتملة لحدوث القشعريرة بشكل متكرر لبعض المستمعين دون غيرهم.

دور الشخصية في حدوث القشعريرة:

أظهرت نتائج اختبار الشخصية أن المستمعين الذين شعروا بالقشعريرة غالبًا ما يتمتعون بشخصية تتسم بالانفتاح على التجارب، وهي سمة تشمل الرغبة في استكشاف أفكار جديدة، وتجربة أشياء مختلفة، والاستمتاع بالتنوع والإبداع.

أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يمتلكون هذه السمة يتمتعون بخيال نشط بشكل غير عادي، ويقدرون الجمال والطبيعة، ويسعون لخوض تجارب جديدة، وغالبًا ما يعبرون بعمق عن مشاعرهم، ويحبون التنوع في الحياة، وتتميز بعض جوانب هذه الصفة بأنها ذات طابع عاطفي، مثل حب التنوع وتقدير الجمال، في حين تكون الجوانب الأخرى ذات طابع إدراكي، مثل الخيال والفضول الفكري.

مع أن الأبحاث السابقة ربطت سمة الانفتاح على التجارب بحدوث القشعريرة، استنتج الباحثون أن المستمعين كانوا يعيشون تلك الرعشة نتيجة لتفاعل عاطفي عميق مع الموسيقى.

بالمقابل، تظهر نتائج الدراسات أن المكونات الإدراكية لسمة الانفتاح على التجارب، مثل القيام بتوقعات عقلية حول تطور الموسيقى أو المشاركة في تخيلات موسيقية، ترتبط بحدوث القشعريرة بشكل أكبر من المكونات العاطفية.

تشير النتائج إلى أن الأشخاص الذين يندمجون عقليًا مع الموسيقى بدلًا من الاستماع إليها بشكل سطحي، قد يشعرون بالقشعريرة على نحو أكثر تواترًا وشدةً من غيرهم.

اقرأ أيضًا:

دراسة الموسيقى قد تزيد من المادة الرمادية في الدماغ لدى كبار السن

كيف تؤثر الموسيقى في دماغك؟

ترجمة: حسن السعيد

تدقيق: وسام صايفي

المصدر