في الظلام المبكر بعد الانفجار العظيم، لم يكن من شيء سوى بحر شاسع من الهيدروجين والهيليوم. لم تظهر العناصر الأثقل التي تشكلت من الاندماج إلا بعد ظهور النجوم التي وُلِدَت من كثافات سحيقة في ذلك الغاز المتكتل. أو هذا ما اعتقده العلماء، إذ لم نرَ قط تلك النجوم الأولى، المعروفة باسم نجوم المجموعة الثالثة. قد تغير ورقة بحثية جديدة هذا الأمر أخيرًا.

وصف فريق دولي من علماء الفلك بقيادة سيجي فوجيموتو من جامعة تكساس في أوستن، في نسخة أولية قُدمت إلى مجلة الفيزياء الفلكية، ما يعتقدون أنه قد يكون مجرة في الكون المبكر غنية بهذه الأجسام المراوغة.

هذه المجرة المسماة (GLIMPSE-16403)، ليست مُؤكَّدة بأي حال الأحوال بأنها مضيفة لنجوم المجموعة الثالثة. لكن تحديد مرشح يشير إلى أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن نتمكن أخيرًا من تحديد موقع النجوم الأولى في الكون.

كتب الباحثون: «يمهد هذا العمل الطريق بوضوح لاكتشاف أول مجرات الفئة الثالثة. مهما كان مصير المرشحين الحاليين، فإن الأساليب المطورة في هذه الدراسة ستمكن عمليات البحث عن مجرات الفئة الثالثة في الفجر الكوني».

الفجر الكوني هو العصر الذي يمتد إلى أول مليار سنة أو نحو ذلك بعد الانفجار العظيم، الذي أدى إلى ظهور الكون قبل نحو 13.8 مليار سنة. تكون الكون خلال هذا الوقت من بلازما كوارك-غلوون ساخنة ملأت الكون في لحظاته الأولى، وشكلت نجومًا ومجرات اجتاحت الظلام حرفيًا بنورها المشتعل.

كانت نجوم الفئة الثالثة المبكرة خطوة حيوية نحو الكون الذي نراه من حولنا اليوم. لا يمكن إنشاء عناصر أثقل من الهيدروجين والهيليوم إلا بواسطة عمليات متطرفة مثل اندماج النوى وانفجارات المستعر. مع ذلك، لم تسفر الأبحاث السابقة إلا عن آثار ثانوية لهذه النجوم من الجيل الأول، لا الأجسام نفسها.

يعتقد علماء الفلك أن هذا يرجع إلى أن نجوم المجموعة الثالثة ربما كانت ضخمة للغاية، أكبر من أي نجوم موجودة في الكون الحديث. تعيش النجوم الأكبر عمرًا أقصر بكثير من النجوم الأصغر، لذلك ربما اختفت تلك النجوم الأولى منذ فترة طويلة، ولم تخلف سوى العناصر التي اندمجت في أنويتها لتلتقطها الأجيال النجمية اللاحقة.

يسعى علماء الكونيات والفلك لرؤية كيف كانت تلك النجوم المبكرة. إنهم يريدون معرفة كيف أضاءت الفجر الكوني، لتزيل ضباب الهيدروجين المحايد الذي جعل الفضاء معتمًا. أفضل فرصة لدينا لهذا هو جيمس ويب، أقوى تلسكوب فضائي أنشئ على الإطلاق، والذي حُسِّن للنظر إلى ما هو أبعد في الكون المبكر من أي تلسكوب سابق، بعينه الحساسة للأشعة تحت الحمراء.

إن النظر إلى الفجر الكوني صعب بما فيه الكفاية، ولكن البحث عن إبرة في كومة القش هذه أصعب. تصور فوجيموتو وزملاؤه أنه يمكنهم تسريع البحث بالنظر من كثب إلى مناطق صغيرة فقط من السماء، بحثًا عن البصمات الكيميائية لنجوم المجموعة الثالثة.

ركز الباحثون جهودهم على المجرات ذات أطياف انبعاث الهيدروجين والهيليوم القوية، والقليل من الأدلة على وجود عناصر أخرى. أسفر بحثهم عن مرشحين. كان أحدهما مؤقتًا فقط، لكن (GLIMPSE-16403) التي كانت تتسكع في الفجر الكوني منذ نحو 825 مليون سنة بعد الانفجار العظيم، استوفت جميع المعايير التي حددها الباحثون لمجرة من النوع الثالث. ما يجعل المجرة المرشح الأفضل حتى الآن للعثور على النجوم التي أضاءت الكون المبكر.

سنحتاج إلى المزيد من العمل لتحديد طبيعة النجوم في (GLIMPSE-16403)، ما قد يكون صعبًا، إذ نحتاج إلى طيف مفصل، وهذا ليس من السهل الحصول عليه في مساحات شاسعة من الزمكان. ومع ذلك، فإن الاكتشاف مثير للغاية، إذ يبدو اكتشاف نجوم المجموعة الثالثة قريبًا جدًا.

اقرأ أيضًا:

جيمس ويب يكشف عن مجرة ناشئة، هل ستكون النسخة الصغيرة من درب التبانة؟

اكتشاف مئات الثقوب السوداء المخفية ومؤشرات لوجود مليارات منها

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر