لا ينفك أنصار الصيام المتقطع عن ذكر فوائده التي تتضمن فقدان الوزن وتحسن مستويات سكر الدم وانخفاض الكولسترول، وبالفعل توجد بعض الأدلة العلمية التي تدعم حقيقة هذه الادعاءات على المدى القصير، لكن ماذا عن تأثيرات الصيام على المدى الطويل؟ وهل يعقل أن يكون ضرره أكبر من فائدته في صحة القلب؟
بُنيت دراسة مبدئية جديدة على تحليل تضمن أكثر من 20000 شخص بالغ في الولايات المتحدة اتبعوا نظامًا غذائيًا مقيّدًا زمنيًا وحصروا مواعيد أكلهم في مدة أقل من 8 ساعات يوميًا، وتبين أن هؤلاء الأشخاص كانوا أكثر عرضةً إلى الموت نتيجة مشكلات في القلب والأوعية الدموية بنسبة 91% مقارنةً بنظرائهم الذين يتناولون الطعام على مدى 12-16 ساعة يوميًا.
يُصنف النظام الغذائي المقيد زمنيًا من أنواع الصيام المتقطع، وهو ينطوي على حصر الأوقات التي يُسمح فيها بتناول الطعام في عدد معين من الساعات يتراوح بين 4 إلى 12 ساعة كل يوم. يلتزم معظم الأشخاص الذين يتبعون نظامًا غذائيًا مقيد زمنيًا ببرنامج 16:8 لتناول الطعام، أي أنهم يتناولون كل طعامهم خلال 8 ساعات ثم ينقطعون عن الأكل في الساعات الست عشرة المتبقية كل يوم.
أصبح الصيام المتقطع مثيرًا للجدل فيما يتعلق بالصحة والسلامة؛ ففي حين أن هناك دراسات تبين فوائده على المدى القصير، مثل انخفاض الكولسترول لدى الأشخاص الذين يتناولون طوال 10 إلى 12 ساعة في اليوم، إضافةً إلى تحسن ميكروبيوم الأمعاء لدى الذين يعانون السمنة، فإن الأدلة على فوائده في فقدان الوزن متضاربة.
علاوةً على ذلك، أظهرت دراسات أخرى أن الصيام المتقطع قد يساعد على تقليل بعض عوامل اختطار الإصابة بأمراض القلب، مثل الكولسترول وضغط الدم.
بيد أن الصيام المتقطع والأنظمة الغذائية المقيدة زمنيًا ما تزال مجالًا جديدًا في البحث العلمي، لذا يتفق الخبراء على وجود نقص في الدراسات التي تتناول تأثيرات هذه الأنظمة في الجسم على المدى الطويل، لا سيما تأثيرها في القلب والأوعية الدموية.
يقول كبير باحثي الدراسة الأخيرة وأستاذ علم الأوبئة والإحصاء الحيوي فيكتور وينز جونغ من جامعة شانغهاي جياو تونغ في الصين: «ازدادت شعبية الأنظمة الغذائية التي تفرض حصر تناول الطعام في فترات قصيرة في السنوات الأخيرة بغية فقدان الوزن وتحسين صحة القلب؛ غير أن تأثيراتها الصحية على المدى الطويل مثل خطر الموت بسبب اضطرابات القلب والأوعية الدموية وغيرها ما تزال غير معروفة».
تقصّى باحثو الدراسة التأثيرات الناجمة عن اتباع نظام غذائي مقيد بفترة 8 ساعات على المدى الطويل، وراجعوا بيانات عن أنماط تناول الطعام لدى المشاركين في استبيانات سنوية عن الصحة والتغذية من عام 2003 إلى عام 2018 في الولايات المتحدة، ثم قارنوها مع بيانات عن الوفيات بين عامي 2003 و2019 من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
قال الباحثون: «لقد تفاجأنا عندما وجدنا أن الأشخاص الذين اتبعوا نظامًا غذائيًا مقيدًا بثمان ساعات كانوا أكثر عرضةً إلى الموت من مشكلات القلب والأوعية الدموية. على الرغم من رواج هذه الأنظمة الغذائية بسبب فوائدها المحتملة على المدى القصير، فإن دراستنا تبين بوضوح أنها ليست مرتبطة بإطالة العمر مقارنةً بتناول الطعام على مدى 12 إلى 16 ساعة يوميًا كالمعتاد».
«يجب على مرضى القلب والسرطان تحديدًا الانتباه إلى العلاقة بين تناول الطعام خلال إطار 8 ساعات وزيادة خطر الموت نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية. تحث نتائج دراستنا على الحذر في إعطاء النصائح الغذائية وتخصيصها مع كل شخص على حدة لتتلاءم مع حالته الصحية وتتوافق مع آخر تطورات العلم».
«رغم أن الدراسة كشفت ارتباطًا بين تناول الطعام في إطار 8 ساعات والموت بسبب مشكلات القلب والأوعية الدموية، فإن هذا لا يعني أن الأنظمة الغذائية المقيدة زمنيًا تسبب الموت».
لا تخلو هذه الدراسة من أوجه القصور، فعلى سبيل المثال، اعتمد الباحثون على معلومات أدلى بها المشاركون ذاتيًا، أي أنها معرضة إلى التأثر بذاكرتهم وقدرتهم على التذكر، وقد لا تقيم الأنظمة الغذائية المعتادة بدقة، إلى جانب أنها لم تتضمن العوامل الأخرى التي قد تؤدي دورًا في الصحة.
قد تتناول البحوث القادمة الآليات البيولوجية التي تكمن وراء الرابط بين اتباع نظام غذائي مقيد زمنيًا ومشكلات القلب والأوعية الدموية، فضلًا عن إمكانية انطباق هذه النتائج في الدول الأخرى من العالم.
يقول أستاذ الطب الباطني كريستوفر غاردنر من جامعة ستانفورد: «تشير هذه الدراسة المبدئية عمومًا إلى أن الأنظمة الغذائية المقيدة زمنيًا قد تأتي بفوائد على المدى القصير ولكنها قد تسبب عواقب ضارة على المدى الطويل. نتطلع إلى معرفة المزيد عن تفاصيل التحليل في هذه الدراسة عندما تُقدَّم بالكامل».
اقرأ أيضًا:
قد لا يكون الصيام المتقطع النظام الغذائي الأفضل، بل إنه قد يقلل الكتلة العضلية
الصيام المتقطع يساعد على إنقاص الوزن فقط عند اتباع قاعدة محددة
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري
مراجعة: هادية أحمد