ما المقصود بمبدأ نصل أوكام؟
نصل أوكام هو مبدأ منهجي يعطي الأفضلية للنظرية الأبسط، أي إنه لا يجوز تقديم نظرية معقدة عندما توجد نظريات أبسط يمكنها التعامل مع الظاهرة نفسها. بمعنى آخر، يضمن نصل أوكام ألا تتعدد الكينونات دون وجود ضرورة لذلك.
جاءت تسمية «مبدأ نصل أوكام» نسبةً إلى ويليام الأوكامي، وهو عالم لاهوت وفيزيائي وفيلسوف (1287-1347). كان من المفكرين المدرسيين، وهي صفة تطلق عادةً على فلسفة المدارس الكاتدرائية في العصور الوسطى، التي أصبحت جامعاتٍ فيما بعد وحاولت المزج بين العقائد المسيحية وعناصر الفلسفة الإغريقية عند سقراط وأرسطو باستخدام القياس المنطقي والجدل.
كان ويليام الأوكامي أكثر المفكرين المدرسيين تأثيرًا في القرن الرابع عشر الميلادي، وكانت لمواقفه تجاه المعرفة والمنطق والاستقصاء العلمي دور رئيسي في الانتقال من فكر القرون الوسطى إلى الفكر الحديث.
من الجدير بالذكر، أن ويليام لم يكن أول من اقترح نصل أوكام، فقد كان دوراندوس من سان بورسان وجون دنس سكوتوس، إضافةً إلى أن ألبرت آينشتاين وإسحاق نيوتن، كانوا من بين أولئك الذين عبروا عن الفكرة في وقت سابق.
ينص مبدأ أوكام في شكله الأكثر شيوعًا على تفضيل البساطة في تكوين النظريات من جهة أنواع الكينونات وعدد المبادئ التي تقرها النظرية، وإن أبسط الحلول هو الحل الصحيح في أغلب الأحوال.
وقد استخدمه لتفنيد بعض الكينونات الفلسفية خلال دفاعه عن اللاهوت المسيحي في وجه الفلسفة اليونانية، إذ نفى كينوناتٍ فلسفيةً كالعقل الواعي المنسوب لأرسطو والعقل الفاعل وكذلك حرية الاختيار، بحجة أنها غير ضرورية.
ومثله فعل الاقتصادي الفرنسي نيكولا دوريزم وغاليلو غاليلي في دفاعه عن نموذجه الفلكي للسماوات. كما كان لنيوتن نصيبه في استخدامه أيضًا، وذلك في تفضيل الفرضية الأبسط على الفرضيات المنافسة.
يصف نيوتن ذلك بقوله: «علينا أن نقبل فقط بالأسباب التي تلزم وتكفي لتفسير جميع جوانب الظاهرة المدروسة».
لكن المبدأ عُرِف باسم أوكام، لأن الأخير استخدمه على نطاق واسع وبتشدد.
هل مبدأ نصل أوكام صحيح؟
يجادل منتقدو المبدأ بأنه يعطي الأولوية للبساطة على الدقة. ونظرًا لأنه لا يمكن تعريف مفهوم البساطة بشكل مطلق، فمن غير الممكن أن يكون أساسًا أكيدًا للمقارنة واتخاذه قاعدة.
اتخذ المنتقدون من النظريات المتنافسة للخلق والتطور مثالًا، إذ تعتمد في هذه النظريات البساطة النسبية على السياق الزمني والثقافي.
ففي علم الاقتصاد، يعد نصل أوكام واحدًا من أهم المبادئ الاقتصادية المعاصرة. ومن أسمائه الأخرى في هذا المجال مبدأ التقتير أو البخل، الذي يقضي باستخدام أقل الوسائل كلفةً لتحقيق غاية اقتصادية ما. أما في مجال الرياضيات، فيقضي بتفضيل أقل البراهين تعقيدًا عند تساوي تلك البراهين بالنتيجة ودرجة عموميتها. وفي الفيزياء والفلك أيضًا يقضي بتفضيل أقل التفسيرات تعقيدًا لظاهرة طبيعية ما عند وجود عدة تفسيرات محتملة. وقد وصل حد تطبيقها إلى نفي وجود إحدى الكينونات الفيزيائية وهي الأثير، التي كان يُعتقد وجودها في أواخر القرن التاسع عشر.
من ناحية أخرى، هناك جدل يظهر عند الإفراط في التطبيق. فعلى سبيل المثال، رأى أنصار المذهب السلوكي في فلسفة الذهن إنه يمكن تفسير اللغة والسلوك دون الرجوع إلى الحالات الذهنية التي يختبرها الفرد كالأفكار والمشاعر والنوايا، بالتالي فإن تطبيق «نصل أوكام» ينفي وجود هذه الحالات الذهنية لأنها لا دور لها في تفسير الأفعال. ذلك لأنها مجرد نتائج جانبية مرافقة للعمليات المادية التي تحدث في الأدمغة وتجعل الناس تتصرف بصورة معينة.
في هذه الحالة، لا يوظف نصل أوكام لنفي أو إنكار وجود كينونات أو حالات محددة، بل إنه يعمل على التمييز بين الحالات التي تقوم بالمساهمة في التفسير. ويعد تطبيقها أمرًا جيدًا إذا ما حدد تمامًا ما الذي يُعد تفسيرًا بسيطًا وما الذي يُعد تبسيطًا مخلًا.
يمكن تطبيق مبدأ نصل أوكام في العديد من مجالات العلم والمنطق. على سبيل المثال، إذا قام اثنان من برامج الحاسوب بنفس المهمة، فالبرنامج الذي يستهلك وقتًا أقصر وأخطاءً أقل قد يكون هو الأفضل. أو إذا كنت طبيبًا وأتاك مريض يشكو من انسداد في الأنف، فمن المرجح أن يكون لديه نزلة برد أكثر من احتمالية وجود اضطراب نادر في الجهاز المناعي.
هناك أيضًا مبدأ KISS اختصار الجملة (Keep it Simple, Stupid) وهو مبدأ تصميم تابع للبحرية الأمريكية، ينص على أن معظم الأنظمة تعمل بشكل أفضل إذا كانت بسيطة وليست معقدة. بالتالي ينبغي تجنب التعقيد غير الضروري وتبسيط الأمور. وقد ارتبطت العبارة بمهندس الطائرات كيلي جونسون، وكان المصطلح شائع الاستخدام في عام 1970.
مع ذلك، من المهم أن ندرك أن نصل أوكام هو دليل منطقي أكثر من كونه قانونًا. فهو لا يصف التبسيط المفرط ، وإذا توفرت نظرية أكثر تعقيدًا تشرح الحقائق بشكل أفضل، فيجب تفضيل النظرية الأكثر تعقيدًا. كما هو الحال دائمًا مع العلم، إذ يجب أن تفوز الأدلة المثبتة بالتجربة.
حذر فرانسيس كريك الذي شارك في اكتشاف بنية الحمض النووي، من أن بساطة نصل أوكام لم تكن مناسبةً تمامًا. فعلى سبيل المثال، رأى أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي هي نظرية أكثر تعقيدًا من مجرد القول بأن جميع الحيوانات هي نتاج خالق إلهي.
اقرأ أيضًا:
لماذا يكون المؤمنون بنظرية الخلق أكثر احتمالًا لتصديق نظريات المؤامرة؟
ترجمة: كلوديا قرقوط
تدقيق: جنى الغضبان