وسط تزايد الاهتمام الذي لاقته نماذج روبوتات اللغة الكبيرة مثل Chat GPT، ادعى أحد فلاسفة أوكسفورد مؤخرًا أن الذكاء الاصطناعي أظهر علامات على امتلاكه لأحاسيس، وقد شهدنا في الفترة الأخيرة تفرد الذكاء الاصطناعي وتقدمه نحو هدفه.

صرح الدكتور نيك بوستروم أننا يجب أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أكثر من مجرد مقياس تدريجي، وقال في صحيفة نيويورك تايمز: «إذا اعترفت بأن الأمر ليس كليًا، فمن المعقول أن يمتلك الذكاء الاصطناعي بعض الأحاسيس».

لفهم ادعاء بوستروم يجب علينا أن نفهم الأحاسيس واختلافها عن الوعي في نطاق الذكاء الاصطناعي. كلتا الظاهرتين متقاربتان، وخاضت فيهما الفلسفة قبل ظهور الذكاء الاصطناعي بفترة طويلة، لذلك ليس من قبيل المصادفة وجود خلط بين الأحاسيس والوعي في كثير من الأحيان.

بكل بساطة، جميع الكائنات الحساسة هي كائنات واعية، لكن ليس بالضرورة أن تكون الكائنات الواعية حساسة، لكن ماذا يعني ذلك؟

الوعي:

الوعي هو الإدراك الخاص بالوجود، وهو ما يجعل الإنسان كائنًا حساسًا ومفكرًا، ويميزه عن البكتيريا والعتائِق والطلائِعيات والفطريات والنباتات وبعض الحيوانات. يسمح الوعي مثلًا لدماغ الإنسان بفهم الأشياء من حوله، بمعنى أننا نتعلم عن طريق القيام بالأمور.

يشرح عالم النفس وليم جيمس الوعي بأنه تيار مستمر في التحرك ومتبدل وغير منقطع، ومن هنا نشأ مصطلح (تيار الوعي).

الأحاسيس:

ستار تريك (مسلسل أميركي تدور أحداثه في الفضاء الخارجي): ينظر الجيل القادم للأحاسيس نظرة الوعي والإدراك الذاتي والذكاء، وهذا صحيح تمامًا؛ لأن الأحاسيس هي القدرة الإنسانية الفطرية على تجربة الأحاسيس والمشاعر من دون تفسير أو ارتباط.

يقول إيشاني بريادارشيني؛ مرشح حصل على شهادة الدكتوراه في الأمن الإلكتروني من جامعة ديلاوير، في مجلة Popular Mechanics: «نحن لا نتكلم فقط عن كود برمجي، بل إننا نتكلم عن قدرة آلة على التفكير والإحساس، إضافةً إلى امتلاكها للقيم الأخلاقية والروحانية».

صعوبات فلسفية:

كانت فكرة الوعي في الفلسفة محل مناقشات شديدة منذ قرون، إذ يقول فيلسوف القرن السابع عشر رينيه ديكارت: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، قد تبدو عبارة بسيطة، ولكنها نتيجة لبحثه عن مقولة لا يمكن الشك في صحتها. يمكن التفكير في الأمر، لا يشك بوجوده لأنه شكك في نفسه في المقام الأول.

تحدثت نظريات عديدة عن الأساس البيولوجي للوعي، لكن كان هناك جدل بشأن الاختيار بينها وتصديق إحداها. تنظر المدرستان الفكريتان إلى ماهية الوعي، وعن أنه نتيجة مطلقات عصبية في دماغنا أو أنه مستقل تمامًا عنها.

في هذه الأثناء، تجري الكثير من اختبارات تورينج Turin tests غير الرسمية لمعرفة: هل بإمكان أجهزة الذكاء الاصطناعي التفكير والإدراك مثلنا أم لا؟ مع أننا نملك أسبابنا للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي يُظهر سلوكيات واعية، فإنه ليس واعيًا أو حساسًا مثلنا على الإطلاق.

يقول بريادارشيني أن الذكاء الاصطناعي قائم على كثير من التقليد واتخاذ القرارات التي تعتمد على البيانات، ما يعني نظريًا أنه يمكن تدريبه لامتلاك مهارات القيادة، وبهذا يكون قادرًا على اختلاق الذكاء التجاري اللازم لمعالجة القرارات الصعبة بواسطة البيانات.

إن استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي تقوم على اختلاق الأشياء حتى التصديق تجعل تصنيفه على أنه واعٍ أو حساس مهمة صعبة.
يعتقد الكثيرون أن اختبارات تورينج هي أول تقييم معياري موحد لاكتشاف الوعي والأحاسيس عند الحواسيب. على الرغم من فعاليتها الكبيرة، فإنها تعرضت لانتقادات واسعة النطاق.

في عام 1950، اخترع آلان تورينج اختبار تورينج المعروف في البداية باسم (لعبة المحاكاة) في محاولة لاكتشاف قدرة الحواسيب على إظهار سلوك ذكي شبيه أو مكافئ لسلوك الإنسان.

يشارك المقيّمون البشريون في محادثات نصية غير مرئية مع الحاسوب يجتاز الحاسوب الاختبار إذا استطاعت براعته في المحادثة خداع المقيّم وجعله غير قادر على التمييز بينه وبين المشارك البشري، ما يعني أن النظام واعٍ.

عاد اختبار تورينج للظهور مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل Chat GPT، المصممة خصيصًا لتقليد الكلام البشري. لقد شهدنا كثيرًا من الادعاءات المتضاربة بشأن اجتياز Chat GPT اختبار تورينج، لكن ما زالت قدراته ظاهرة. ظهرت قدراته عندما اجتاز نظام الذكاء الاصطناعي المشهور اختبارات بار، واختبارات القبول الجامعي، وحتى اختبارات تحليل الجداول المالية.

كل ذلك جيد جدًا، لكن يعتقد الكثير من الخبراء بأننا في حاجة إلى اختبار متطور لتقييم تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديث، وأننا ننظر للذكاء الاصطناعي بطريقة خاطئة تمامًا.

بدائل اختبار تورينج:

صرح كثير من الخبراء أننا في حاجة إلى تطوير اختبار تورينج جديد يوفر تقييمًا أكثر واقعية لقدرات الذكاء الاصطناعي.

نشر مصطفى سليمان مؤخرًا في كتابه (الموجة القادمة) قوله: «التكنولوجيا والقوة ومعضلة القرن الواحد والعشرين الكبرى»، وهو لا يتحدث عن موجة جديدة فحسب، بل أيضًا عن مدى حاجتنا إلى تغيير طريقة فهمنا للذكاء الاصطناعي.

يدور الكتاب حول فكرة الفهم الخاطئ لقدرات الذكاء الاصطناعي التي تصل إلى مستوى ذكاء الإنسان وتتفوق عليه، ويشُار إلى ذلك في بعض الأحيان بالذكاء الاصطناعي العام.

يؤمن سليمان بما يسميه الذكاء الاصطناعي القادر (ACI) الذي يشير إلى مجموعة من البرامج التي تستطيع إتمام المهام مع قليل من التدخل البشري.

يطلب اختبار تورينج الجديد من الذكاء الاصطناعي بناء خطة لعبة تجارية تحوّل 100 ألف دولار أمريكي من التمويل الأولي إلى مليون دولار أمريكي. سوف تتمحور هذه الخطة حول التجارة الإلكترونية بوضع خطة أولية لمنتج وطريقة بيعه، مثل شركات علي بابا، وأمازون، وما إلى ما ذلك من هذه الشركات.

لم تجتز أنظمة الذكاء الاصطناعي هذا الاختبار نظريًا، لكن لم تتوقف أحلام الطامحين بريادة الأعمال بفكرة تجارية ضخمة يطلبونها من Chat GPT. بغض النظر عن ذلك، ما زالت الأحاسيس هدفنا الذي نطمح إلى الوصول إليه.

ماذا يحدث إذا امتلك الذكاء الاصطناعي أحاسيس؟

غالبًا ما نرى كثيرًا من الأحداث السيئة التي تتعلق بفكرة امتلاك أنظمة الذكاء الاصطناعي للأحاسيس ووصولها إلى التفرد؛ أي أنه أصبح بمستوى ذكاء الإنسان أو يتخطاه.

شاهدنا علامات امتلاك الذكاء الاصطناعي للأحاسيس في أوائل عام 1997 عندما فاز حاسوب Deep Blue الذي صنعته شركة IBM على غاري كاسباروف في مباراة شطرنج.

في الواقع، إن التحدي الأكبر الذي نقف أمامه عند وصول الذكاء الاصطناعي إلى التفرد يكمن في إلغاء التحيز عند برمجة أنظمة من هذا النوع.

نعود دائمًا إلى مثال بريادارشي في القرن الواحد والعشرين بمعضلة العربات؛ سيناريو افتراضي يقول إن هناك سيارة ذاتية القيادة تصل إلى تقاطع طرق، حيث يقفز خمسة أشخاص من المشاة على الطريق، ولا يوجد وقت كافٍ للتصرف بسرعة.

إن انحرافه عن الطريق سوف ينقذ المشاة ويقتل السائق بحادثة اصطدام (إذا كان هناك سائق). إن معضلة القطار معضلة أخلاقية بحد ذاتها تقارن بين العمل الصائب والتضحية المقبولة.

حاليًا الذكاء الاصطناعي ليس أكثر من نظام اتخاذ قرار مبني على القواعد والمعايير، فماذا سيحدث لو كان بيده اتخاذ قرار أخلاقي؟ لا نعرف حتى الآن.

بعيدًا عن معضلة العربات، يذكر بوستروم أنه بإعطاء الذكاء الاصطناعي الفرصة للتعلم والنمو، فإن هنالك احتمالًا أن تكون أنظمة اللغات الكبيرة قادرة على تطوير الوعي، لكن القدرات الناتجة ما زالت مجهولة.

نحن لا نعلم في الواقع مدرى قدرة الذكاء الاصطناعي الواعي، وما حدود إمكاناته لأننا لسنا خارقي الذكاء أساسًا.

اقرأ أيضًا:

شركة أوبن إي أي تحلّ فريقها المخصص لدرء مخاطر الذكاء الاصطناعي

نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بجوجل ينصح المستخدمين بإضافة الغراء للبيتزا وتناول الصخور وصنع غاز الكلور!

ترجمة: خضر نعامة

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر