يرى بعض العلماء إن تخفيف مكوّن واحد قد ينقذ عددًا كبيرًا من الأرواح، ألا وهو الملح. إذ يموت أكثر من 2500 أسترالي كل عام بسبب الإصابة بأمراض مرتبطة بتناول كميات كبيرة من الملح.
ينبغي عدم التغاضي عن التعرّض غير الضروري لأمراض تؤثر في صحة القلب وتؤدي للإصابة بسكتات دماغية والوفاة. يظهر تقرير جديد لمعهد جراتان، أنه توجد خطوات عمليّة تستطيع الحكومة الفيدرالية اتخاذها لإنقاذ الأرواح والتقليل من الإنفاق الصحي ومساعدة الاقتصاد.
تناول كميات كبيرة من الملح يؤدي إلى عواقب مميتة
تناول كميات كبيرة من الملح ضار بالصحة، ويؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغيّة. يعاني واحد من كل ثلاثة أستراليين من ارتفاع ضغط الدم، ويساهم تناول كميات كبيرة من الملح بازدياد عدد المصابين. وللأسف، يأكل المواطن الأسترالي كميات كبيرة من الملح تزيد عن ضعف الحد الأقصى اليومي الموصى به وهو 5 جرامات، أي ما يعادل ملعقة صغيرة.
تعلم الحكومات الأسترالية أن الإفراط في تناول الملح يؤدي إلى مشكلات كبيرة. لذلك حددوا في عام 2021 هدفًا وهو التقليل من تناول الملح بنسبة 30% على الأقل بحلول عام 2030. وهو هدف قيّم ونبيل لكن الأستراليين ما يزالون يتناولون كميات كبيرة من الملح، ولا توجد سياسات لتغيير ذلك.
إضافة الملح عادةً إلى الطعام في أثناء تحضيره
معظم كميات الملح الذي يتناوله الأستراليون لا يُضاف على الطاولة إنما يضاف حوالي ثلاثة أرباعه إلى الغذاء في أثناء التحضير.
ويُخفى الملح ضمن المواد الغذائية اليومية مثل الخبز والجبن واللحوم المصنعة. وقد تحتوي الأطعمة الشائعة مثل وجبات المعكرونة الجاهزة للأكل أو شطيرة لحم الخنزير على ما يصل إلى نصف الكمية الإجمالية الموصى بها من الملح يوميًا.
إن أفضل طريقة لتقليل كميات الملح المتناولة هي وضع حدود للكميّات المتناولة، إذ أن تقليل كمية الملح المضافة إلى الغذاء في أثناء تصنيعه هي الطريقة الأكثر فعالية للتخفيف من كميات الملح المتناولة.
قد تساعد الحدود المتعلقة بكميات الملح المتناولة بوضع قيود على كميات الملح المسموح بإضافتها إلى أنواع الطعام المختلفة مثل الخبز أو البسكويت. والالتزام بهذه الحدود، يتطلب من الشركات تغيير وصفات منتجاتها، وتقليل كمية الملح.
وضع حدود لكميات الملح وسهل التنفيذ وتكلفته رخيصة، وقد يساعد على الوصول إلى نتائج بسرعة. وقد خفّضت المملكة المتحدة تناول الملح بنسبة 20% خلال عقد بوضع حدود لكميات الملح المتناولة، وتحقق جنوب إفريقيا مكاسب من هذه الحدود أيضًا.
لن يلاحظ معظم المستهلكين تغييرًا عند تقليل كميات الملح، وستحتاج الشركات إلى تحديث وصفاتها، وبنقل تكاليف تحديث الوصفات إلى المستهلكين، ستكون التكاليف حوالي 10 سنتات كل أسبوع للأسرة متوسطة الاستهلاك.
ولن يلاحظ المستهلكون الكثير من التغيير على المائدة، فأغلب الناس لا يلاحظون إزالة بعض الملح من الأطعمة الشائعة. وتوجد كثير من الطرق التي تستطيع من خلالها الشركات جعل الأطعمة مالحة دون إضافة نفس القدر من الملح.
فمثلًا، بالوسع استخدام بلورات الملح صغيرة الحجم، أو استخدام الملح الغني بالبوتاسيوم (الذي يحل مكان الصوديوم الضار). ولأن التغيير سيكون تدريجيًا، فإن براعم التذوق لدينا ستتكيف مع الأطعمة الأقل ملوحة بمرور الوقت.
حدود الملح في أستراليا غير فعالة
وضعت أستراليا حدودًا طوعيّة للملح منذ عام 2009، لكنها سيئة التصميم وسيئة التنفيذ، فقد قللت من تناول السكان للملح بنسبة 0.3% فقط.
نظرًا لأن حدود أستراليا طوعية، فقد اختارت كثير من شركات الأغذية عدم المشاركة في المخطط أو الالتزام به، وأظهر تحليل أن 73% من المنتجات الغذائية لا تلتزم بتطبيق حدود الملح على منتجاتها بينما خفضت 4% فقط محتواها من الملح.
المبادرة قادرة على إنقاذ الأرواح
تُظهر نماذج من جامعة ملبورن أن إصلاح هذه الحدود الفاشلة وغير المجدية قد تضيف 36 ألف من سنوات الحياة الصحية لدى توزيعها على السكان في السنوات 20 المقبلة.
وهذا من شأنه أن يؤخّر أكثر من 300 حالة وفاة كل عام، ويقلل الإنفاق على الرعاية الصحية بمقدار 35 مليون دولار أسترالي سنويًا، أي ما يعادل 6000 زيارة للمستشفى.
وتبيّن التجربة الدولية أن تكاليف تنفيذ حدود الملح هذه ستكون منخفضة جدًا وتفوقها الفوائد بكثير.
كيفية إصلاح حدود الملح الفاشلة
لتحقيق المكاسب، يجب أن تبدأ الحكومة الفيدرالية بفرض الحدود بجعل الامتثال إلزاميًا، إذ توجد 15 دولة لديها فيها حدود إلزامية للملح، وتخطط 14 لإضافتها.
يجب أن يتضاعف عدد الأطعمة التي تطبق حدود الملح في أستراليا، ليكون واسعًا مثل تلك التي حددتها المملكة المتحدة في عام 2014. ويجب أن تتوسع الأهداف لتشمل الأطعمة الشائعة التي لا تحدد أستراليا أهدافًا لها حاليًا، مثل الفاصولياء المطبوخة والمعلبة والزبدة والسمن والخضروات المعلبة.
يجب إغلاق الثغرة ضمن المخطط الحالي التي تتيح للشركات استبعاد الحدود على خمس من منتجاتها. ويجب على الحكومة الفيدرالية تصميم السياسة، بدلًا من الاشتراك مع ممثلي الصناعات لتكون أكثر صرامة وملائمة.
على مدى العقود القادمة، ستحتاج أستراليا إلى كثير من السياسات الجديدة والمحسنة للحد من الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي. ويجب أن يكون تقليل تناول الملح جزءًا من هذه الأجندة. سمحت أستراليا لصناعة الأغذية بوضع المعايير، دون إحراز أي تقدم يُذكر ضد التهديدات الكبيرة على الصحة ولفترة طويلة جدًا.
إن الجديّة بشأن تطبيق حدود على استخدام الملح واستهلاكه من شأنها أن تنقذ الأرواح، وإن التكاليف المترتبة على تطبيق هذه الإجراءات من شأنها أن تخفض تكاليف الرعاية الصحية وتزيد من النشاط الاقتصادي.
اقرأ أيضًا:
هل تزيد إضافة الملح إلى الطعام خطر الوفاة؟
الملح الصيني «غلوتامات أحادية الصوديوم»: ما مخاطر البهار الموجود في جميع الأطعمة؟
ترجمة: سارة دامر
تدقيق: آلاء ديب
مراجعة: محمد حسان عجك