أرضنا ليست مسطحة كما يزعم البعض، لكنها أيضًا ليست كروية تمامًا كما نظن عندما نشاهد الصور الملتقطة لها. لكن قبل أن نفسر عدم تمام كروية الأرض، لا بد أن نجيب عن السؤال الآتي :لماذا الكواكب كروية عمومًا؟
في الواقع، يجيب التساؤل عن نفسه، فحسب التعريف الحالي، لكي يُطلق على جسم ما اسم كوكب، يجب أن يكون له شكل كروي تقريبًا، إذ تميل الأجسام التي تزيد كتلتها على 10²³ كغم أن تكون كروية، بجانب تحقيق معايير أخرى مثل قدرتها على إزالة مداراتها، بمعنى هيمنة الجسم جاذبيًا في منطقته المدارية.
الأجسام التي تقل كتلتها عن هذا الحجم لا تصنف أنها كروية، من ثم لا تُسمى كواكب، توضح المعايير السابقة أن للجاذبية دورًا حاسمًا في تحديد شكل الأجسام؛ أي هل هي كروية أم لا، إذن فهي من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى إطلاق اسم كوكب على جسم ما في الفضاء الخارجي.
تشكلت الكواكب بفعل تصادم أجزاء من المادة معًا بمرور الزمن ضمن الأقراص الكوكبية الأولية حول النجوم، مُشكّلة كُتلًا أكبر، ومع تزايد كتلة هذه الأجسام تزداد جاذبيتها، ما يجذب المزيد من المادة للتصادم بها والارتباط معها. عندما تصل هذه الكتلة إلى حجم كوكب تكون حارة جدًا ومنصهرة، هنا يأتي دور الجاذبية في تشكيل هذه الأجسام وصقلها حتى يظهر الشكل الكروي المميز للكواكب.
يشرح جونتي هورنر أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة كوينزلاند: «تتجه قوة سحب الجاذبية دائمًا نحو المركز، وكلما كان الجسم أكبر تزداد هذه القوى، أي يصبح قادرًا على جذب مزيد من المادة إليه لتشكيل شكل كروي».
مع أن الجاذبية هي القوة الرئيسية في تشكيل الكواكب، فإنها في الواقع ضعيفة نسبيًا، إذ يجب أن يكون الجسم كبيرًا بما يكفي لتوليد قوة جاذبية كافية للتغلب على قوة المادة التي يتكون منها. تمتلك الأجسام الصلبة الصغيرة التي يبلغ قطرها أمتارًا أو كيلومترات قوة جاذبية ضعيفة جدًا، لا يمكنها التغلب على القوة البنيوية للمواد التي يتكون منها الجسم، على هذا لا يمكن لهذه الأجسام الصغيرة أن تتشكل في أشكال كروية بسبب جاذبيتها الضعيفة.
لهذا السبب تبدو الأجسام الأصغر حجمًا أقل انتظامًا في الشكل، مثل المذنب (67P)، الذي يبدو بعض الشيء على شكل بطة مطاطية. إذا كنت تتساءل هل بإمكان تلك الأجسام الصغيرة مثل الكويكبات الدوران بسرعة كافية لتشكيلها في شكل كروي؟ فالجواب هو لا، لأنها ببساطة لا تمتلك الكتلة اللازمة لذلك، فكلما دارت أسرع، تخسر صخورًا أكثر، لعدم امتلاك الجسم الصغير كتلة كافية للحفاظ عليها معًا بواسطة الجاذبية، فتدور تلك الصخور الصغيرة حول الجسم كأقمار صغيرة.
إذن لماذا الأرض ليست كروية تمامًا؟
أولًا، لأن جاذبية كوكبنا ليست قوية بما يكفي لتشكيل شكل كروي تمامًا، أيضًا فإنها ليست القوة الوحيدة المؤثرة في شكل الكوكب، إذ يؤثر النشاط التكتوني في حركة القارات وتكون اليابسة وسلاسل الجبال، إضافةً إلى قوى الطرد المركزية التي تُعد القوة الأساسية المساهمة في تحديد شكل الأرض.
عام 1671، سافر الفلكي جان ريختر من باريس في فرنسا إلى كايين في غويانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية، مصطحبًا ساعة بندولية، مع أن ساعته كانت تعمل بدقة في باريس، لاحظ عند وصوله إلى كايين أنها بدأت تعمل ببطء، إذ كانت تفقد دقيقتين ونصف كل يوم. استطاع حل هذه المشكلة بتقصير البندول، لكن عندما عاد إلى باريس بدأت الساعة تتحرك بأسرع مما كانت عليه بدقيقتين ونصف.
يشبه ما حدث لساعة ريختر مع يحدث عندما تقفز إلى أعلى في البرازيل وكندا، فعندما نقفز في أماكن مختلفة في العالم لا نشعر بأي فرق في الحركة أو الزمن، لكن في الواقع، تختلف سرعة سقوطنا بين مكان وآخر على سطح الأرض وذلك بسبب الجاذبية، هذا الاختلاف دقيق جدًا ولا يلاحظه إنسان، لكنه موجود بالفعل بسبب اختلاف شكل الأرض ودورانها. مثلًا، تقع البرازيل قرب من خط الاستواء، أي أنها بعيدة عن مركز الأرض، لذلك تكون الجاذبية أضعف مقارنةً بها في كندا مثلًا، وذلك بسبب شكل الأرض غير الكروي تمامًا. أدرك عالم الرياضيات كريستيان هوغنز أن الظاهرة الغريبة التي حدثت مع ريختر هي دليل عملي على دوران الأرض، فتغير وتيرة حركة الساعة لم يكن بسبب عُطل ما، بل بسبب شكل الأرض ذاته.
لاحقًا، أظهر نيوتن باستخدام البيانات التي حصل عليها من ساعات بندولية مماثلة لساعة ريختر، وبملاحظة انتفاخ خط الاستواء لكوكب المشتري، أن الأرض منتفخة عند خط الاستواء بسبب قوى الطرد المركزية. لفهم مبدأ قوى الطرد المركزية فكر في المثال الآتي: عندما نقف على منصة دوارة أو عندما نكون داخل دوامة في أثناء دورانها، نشعر بقوة تدفعنا نحو الخارج، هذا بالضبط ما يحدث عند خط الاستواء: تدور الأرض حول محورها بسرعة كبيرة جدًا، هذا الدوران يولد قوى الطرد المركزية، التي تكون أكبر ما يمكن عند خط الاستواء، فتؤدي إلى انتفاخ الأرض قليلًا هناك، أي إن المسافة من مركز الأرض إلى السطح تكون أكبر عند خط الاستواء مقارنةً بالقطبين، على هذا فإن الجاذبية قرب خط الاستواء تكون أقل مما هي عليه في القطبين، لأنها أبعد عن كتلة الأرض الأساسية، ما يفسر اختلاف الدقائق في الساعة البندولية.
كلما كانت قوى الطرد المركزية أكبر، زادت احتمالية رؤية هذه الانتفاخات. الكوكب القزم هاوميا، الذي يبلغ حجمه حجم بلوتو تقريبًا، له شكل يشبه البيضة بسبب سرعة دورانه. أرضنا، مع أنها ليست بيضوية بالكامل، فإنها تنتفخ عند خط الاستواء بنحو 43 كيلومترًا.
اقرأ أيضًا:
تخيل حدوث حريق على متن رحلة فضائية! ما مدى خطورة الأمر؟
مصور فلكي يلتقط صورًا للشمس وهي تطلق بلازما مذهلة نحو كوكب عطارد
ترجمة: آية شميس
تدقيق: أكرم محيي الدين