يرى قادة المجال المصرفي بأن المخاوف بشأن تأثير التكنولوجيا تفوق الفوائد، مثل زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف.
يزعم التنفيذيون في مجال التكنولوجيا المالية في أوروبا أن الخدمات المالية لا تنجح في تنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حتى مع تزايد الأدلة على أن هذه التقنية الفائقة ستزيد الإنتاجية وتخفض التكاليف.
من بين العوامل التي تمنع المصرفيين من تبني الأنظمة التي تدعم منتجات مثل «تشات جي بي تي» بالكامل، الخوف من فقدان الوظائف، والمخاوف التنظيمية، والجمود المؤسسي.
قال توم بلومفيلد، المؤسس المشارك في مونزو: «لن تتبنى البنوك الكبرى هذه التقنية بالسرعة ذاتها التي قد تحققها شركات التكنولوجيا المالية». ذلك مع أن الذكاء الاصطناعي سيجعل البنوك أكفأ وأقدر على تقديم المنتجات ذاتها بتكلفة أقل.
أظهرت دراسة أجرتها شركة كابجيمني أن 6% فقط من البنوك التجارية مستعدة لتطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في أعمالها. مع ذلك، تقدر شركة ماكينزي أن هذه التقنية قد تضيف ما يصل إلى 340 مليار دولار من القيمة سنويًا إلى القطاع المصرفي العالمي، وهو ما يعادل نحو 4.7% من إجمالي إيرادات المجال.
يقول الكثير إن هذه التقنية، بقدرتها على الإجابة عن الأسئلة وتحليل كم هائل من البيانات النصية والرقمية في ثوانٍ، لديها القدرة على خفض التكاليف في المجال المصرفي. مع ذلك، ثمّ مخاوف من أن يؤدي هذا التغيير إلى فقدان الوظائف.
قال نصير زبيري، الرئيس التنفيذي لشركة لوكسمبورغ للتكنولوجيا المالية: «لا يفهم الناس أنها أداة لزيادة الإنتاجية. ما زالوا يعتقدون حقًا أنها ستسلبهم وظائفهم».
«تعتمد البنوك التقليدية أساسًا على التصاميم التناظرية، لذلك كان تحويل تلك الطريقة إلى الطرق الرقمية دائمًا أمرًا صعبًا».
أشار زبيري إلى مثال عمليات فحص غسل الأموال، إذ توظف المؤسسات عادةً موظفين لتمشيط جداول البيانات للبحث عن الأنشطة غير العادية. وقال إنه عندما تبينت إحدى المؤسسات كيفية تحسين ذلك باستخدام نموذج ذكاء اصطناعي متخصص، قُدر أنه قد يوفر نحو 450 ألف يورو سنويًا من الرواتب، رُفضت الفكرة.
قال: «الناس لا يحبون فصل الموظفين». وأضاف أنهم يريدون حماية وظائفهم، وإذا كان عليهم فصل أشخاص ضمن فريقهم، فإنهم -أي الإدارة- قد يكونون تحت تهديد مشابه أيضًا، أو أن سلطتهم ستتراجع بطريقة ما.
دعت البنوك المركزية حديثًا إلى زيادة مستوى استخدام الذكاء الاصطناعي، وفقًا لبنك التسويات الدولية، الذي قال إن التكنولوجيا قد تزيد الإنتاجية، مع أنها تحمل أيضًا مخاطر، مثل تقديم معلومات غير صحيحة والتعرض للاختراق.
من المشكلات الشائعة مع النماذج اللغوية الكبيرة، التقنية التي تقف وراء معظم منتجات الذكاء الاصطناعي، ميلها إلى «الهلوسة» أحيانًا، أي تقديم معلومات غير دقيقة بأنها حقائق. من المعروف أيضًا أنها تولد معلومات بناءً على البيانات التي دُربت عليها، ما يؤدي إلى مخاوف بشأن المعلومات الحساسة أو الآمنة.
قال وينسي وونغ، رئيس قسم الرقمنة في بنك ناتويست: «ليس بالضرورة أن يُرفض الذكاء الاصطناعي، لكن يوجد تردد بشأنه». ودعا إلى تقييم مخاطر التكنولوجيا وأخلاقياتها ونقاط ضعفها قبل تعميم العمل بها. وأضاف: «في النهاية، نحن أحد البنوك الكبيرة ويحتفظ الكثير من العملاء ببياناتهم المالية بأمان معنا. علينا احترام ذلك».
خدمة العملاء هي واحدة من المجالات الأكثر تضررًا بسبب أدوات الذكاء الاصطناعي، التي يمكنها التحدث بطريقة تشبه البشر والاستجابة للاستفسارات. لأكثر من عقد من الزمن، استخدمت البنوك الرقمية التعلم الآلي لتصنيف الأسئلة عبر الإنترنت، وغالبًا ما توجه العملاء إلى وكيل خدمة العملاء البشري.
مع ذلك، يمكن للروبوتات المدعومة بالنماذج اللغوية الكبيرة فهم مجموعة أوسع من الاستفسارات، بصرف النظر عن كيفية صياغتها، ويمكنها تنفيذ القرارات، مثل طلب بطاقة مصرفية، ما يقلل الحاجة إلى تدخل بشري.
قال بلومفيلد: «أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيقضي بالفعل على الغالبية العظمى من وظائف خدمة العملاء، في غضون سنة إلى خمس سنوات».
تستخدم العديد من البنوك وشركات التكنولوجيا المالية، متضمنةً كارلنا وناتويست بالفعل روبوتات الدردشة المصممة بالذكاء الاصطناعي لخدمة العملاء. قال وينسي وونغ يوجد تقدم كبير مع الذكاء الاصطناعي في خدمة (AI CORA)، إذ تلقوا أكثر من 11 مليون محادثة خلال العام، لم يتطلب سوى نصفها تدخلًا بشريًا. عام 2017، كانت الخدمة تتلقى 1000 محادثة في الشهر تتطلب تدخلًا بشريًا.
قالت شركة كارلنا السويدية للتكنولوجيا المالية إن مساعدها للذكاء الاصطناعي بوسعه القيام بعمل 700 موظف في خدمة العملاء، ويحل الاستفسارات في أقل من دقيقتين، مقارنةً بـ 11 دقيقة سابقًا. نتيجةً لذلك، توقعت الشركة توفير 40 مليون دولار في تكاليف خدمة العملاء هذا العام.
مع ذلك، قال وونغ إن تدريب النماذج لتكون دقيقة كان ضروريًا لنجاحها. مثلًا، يجب أن يفهم النموذج أن تغيير محل الإقامة قد يحمل طابعًا عاطفيًا، مثل فقدان أحد أفراد الأسرة.
كان فهم العامل النفسي وراء ذلك أمرًا مهمًا للغاية. وإذا لم تفعل ذلك بطريقة صحيحة، قد تثير استياء الكثير من العملاء.
يجب على البنوك أيضًا أن تكون حذرة عند طرح هذه التقنية الناشئة، مع الالتزام بالقواعد الصارمة للصناعة والعمل في بيئة تنظيمية غير مألوفة.
في حكم تاريخي عام 2022، قضت محكمة هولندية لصالح بنك (Bunq) بعد أن رفع دعوى ضد البنك المركزي الهولندي لحظره استخدام الذكاء الاصطناعي في إجراء فحوصات غسل الأموال.
ورفعت الجهات التنظيمية القيود عن شركة التكنولوجيا المالية الألمانية «إن 26» بعد أن حسنت إجراءات التدقيق الخاصة بها. لسنوات، كان البنك محددًا بعدد العملاء الجدد الذين يمكنه قبولهم بسبب ضوابطه الضعيفة لمكافحة غسل الأموال، وتعرض لغرامات قُدرت بملايين بسبب التأخير المستمر في تقديم تقارير الأنشطة المشبوهة.
قالت كارينا كوزول، كبيرة مسؤولي المخاطر في إن 26، إنهم عملوا من كثب مع الجهات التنظيمية على بناء نموذج ذكاء اصطناعي لتقييم نظافة سجل العملاء الجدد، ما قلل من الحالات على المنصة بنسبة 90%.
أضافت: «إذا لم نتبن الذكاء الاصطناعي في الصناعات البنكية، فلن نكون هنا بعد بضع سنوات. نحن بحاجة إلى إظهار المزايا، وكيف يمكننا النمو مع الامتثال حال استخدام الذكاء الاصطناعي».
اقرأ أيضًا:
تطور النظام المصرفي عبر التاريخ
كيف تستخدم جوجل باي للدفع وتحويل الأموال
ترجمة: عمرو سيف
تدقيق: أكرم محيي الدين