معظم علماء الأحياء سيجيبون بثقة عند سؤالهم عن أيتهما جاءت أولًا البيضة أم الدجاجة؟ لكن الإجابة قد تعتمد على نوع البيض الذي نتحدث عنه.
كثيرًا ما نسمع أو نقرأ عن اللغز القديم المتداول الذي يتساءل عن «من جاء أولًا البيضة أم الدجاجة؟». فمن الناحية المجازية، يُعد هذا تأملًا في عدم جدوى تحديد سبب دوران دائرة ذاتية الاستدامة «دورة تستمر في تكرار نفسها»، أما إذا أخذنا هذا اللغز على محمل الجد، فإنه سؤال مهم جدًا لعلماء الأحياء التطورية.
الدجاج يأتي من البيض، والبيض يأتي من الدجاج، إذًا أيهما أتى أولًا؟
معظم علماء البيولوجيا أجابوا عن السؤال بلا شك أن البيضة أتت أولًا.
لنعد إلى الوراء إلى المراحل البدائية للبيضة، البيض ما هو إلا خلايا جنسية أنثوية تطورت قبل أكثر من مليار عام، أما الدجاج فإنه موجود منذ نحو 10000 عام فقط. وكان لتطور قشر البيضة الخارجي الصلب المعروف أيضًا بالبيض الأمنيوسي تأثير جذري على مسيرة تطور الفقاريات.
قال عالم الحفريات في المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية كوين ستاين على موقع Live Science: «يُعد البيض خطوة مهمة في تطور الفقاريات؛ لأنه مكنّ الحيوانات السلوية (فقاريات رباعية الأرجل تشمل التماسيح والحرشفيات والطيور… إلخ) وأسلافهم من الابتعاد عن المياه وإتمام عملية التكاثر بعيدًا عن الماء؛ لأن الفقاريات في سابق هذه المرحلة كانت تعتمد على المسطحات المائية في عمليات التكاثر قبل نزول البيضة ذات القشر الصلب الذي يحمل صفار البيض المغذي.
ما زالت معظم البرمائيات تواجه هذا القيد الذي يجبرها على البقاء قرب الماء؛ لأنها بحاجة إلى إبقاء بيضها الجيلاتيني رطب من أجل النجاة واستمرار بقاء النوع.
لم تظهر الطيور في السجل الأحفوري حتى أواسط العصر الجوراسي وأواخره، أي قبل نحو 150-165 مليون عام وفقًا لبحث نُشر في مجلة Current Biology، لكن العلماء يظنون أن قشر البيضة الأول كان قد تطور قبل هذه الفترة بكثير، قبل نحو 325 مليون عام وفقًا لمركز أوستن للتنوع البيولوجي في جامعة تكساس الأمريكية. وقال ستاين: «هذا يعني أن البيضة قد أتت قبل الدجاجة بفترة طويلة»، وأضاف أن قشورالبيوض الأولى على الأرجح كانت لينة جلدية الملمس، تشبه إلى حد كبير البيوض الذي تضعها الزواحف وخلد الماء الحالية.
كان هناك الكثير من الفقاريات الأرضية التي تضع بيضًا أمنيوسيًا في العصر الكربوني، والعصر البرمي، وكذلك العصر الترياسي، لكن الحيوان الأكثر شهرة كان الديناصور، فقد درس ستاين بعض قشور البيوض للديناصورات الأولى المعروفة اليوم، التي تعود لبداية العصر الجوراسي أي قبل نحو 200 مليون عام، تلك البيوض التي درسها ستاين كانت قشورها رقيقة للغاية، سمكها كان بنحو 100 ميكرون، وقال ستاين إن هذا السُمك يُعد أخف من سُمك شعرة الإنسان. ومع ذلك، فإن بيوض الديناصورات -بناءً على بنيتها التي كانت صلبة مثل الفخار خلافًا لبيوض الأنواع الأخرى في تلك الفترة التي كانت مرنة تشبه قشر الموز- هو ما جعلها أول مثال معروف عن البيضة التي نعرفها اليوم.
لقد فسّر ستاين رِقة قشور تلك البيوض ونعومتها على أنها السبب وراء الصعوبات التي يواجهها الباحثون في العثور على النماذج الأولى من قشور البيض، وقال ستاين: «التربة تجعل الحفاظ على الطبقة الكلسية الخفيفة أمرًا مستحيلًا»؛ لأن البيضة عندما تحيط بها تربة حامضية غنية بالعناصر، فإنها تذوب وتتحلل ببطء بمرور الوقت، والاحتمال الآخر هو أن بيض الديناصورات الأولى كانت ناعمة طرية، لذلك لم تحفظ في السجلات الأحفورية وفقًا لدراسة نُشرت عام 2020 في مجلة Nature.
إذًا، من المؤكد أن البيضة أتت قبل الدجاجة، لكن الأمر لم ينتهِ تمامًا هنا، خصوصًا إذا كنا نتحدث عن الأنواع والسلالات الأولى من الدجاج، فإن الأمر مختلف.
هناك احتمال أن يكون دجاج «Gallus gallus domesticus» قد تطور من نوع فرعي لطائر الأدغال الأحمر«Gallus gallus». وقبل نحو 50 مليون عام، الإنسان الذي عاش في جنوب شرق آسيا أول من دجّن تلك الطيور في فترة ما بين نحو 1650-1250 ق.م، وفقًا للمقال البحثي الذي نُشر عام 2022 في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences.
من المستحيل عمليًا تحديد اللحظة التي حدثت فيها تلك العمليات والتحولات التطورية، لكن وفقًا لنظرية التطور، فإنه في مرحلة ما خلال عملية التدجين، وضع آخر سلف من أنواع الدجاج المعاصر بيضة تحتوي على جنين فيه ما يكفي من الاختلافات الجينية التي تجعله متخلفًا عن أسلافه. فقد يكون هذا الدجاج الجنيني قد تطور في البيضة قبل اكتمال مراحل نموه «قبل أن تصبح دجاجة كاملة» وقبل الفقس، وبعد أن وصلت مرحلة البلوغ، كانت قد وضعت أول بيضة دجاجة سليمة تحمل صفاتها مكونة سلالة مختلفة، وبهذه الطريقة يُمكن القول إن الدجاجة قد سبقت البيضة.
لكن تاريخ تطور الكائنات ليس تاريخًا مستقيمًا، هناك أدلة على أن الدجاج كان قد تهجّن مع أنواع فرعية أخرى من طيور الأدغال الأحمر حتى بعد أن أصبح نوعًا فرعيًا ومختلف وراثيًا، وبعض تلك السمات أكثر وضوحًا «أو ربما أقل» في بعض سلالات الدجاج الحالي. وأكثر من ذلك، تدجين الدجاج يبدو أنه حدث على نحو مستقل في أجزاء من الهند وأوقيانوسيا وفقًا لجامعة ويسكونسن ماديسون. لذا فمن الصعب تحديد أي الدجاجة بالضبط كانت الأصل.
إذا أخذنا الأمر على محمل الجد، يبدو أن البيضة جاءت قبل الدجاجة. فنحن نميل إلى التفكير في البيضة باعتبارها كرة دائرية مغلفة تضعها الطيور التي تفقس منها أفراخها «ما لم نأكلها أولًا»، لكن جميع الأنواع التي تتكاثر جنسيًا تنتج البيض «الخلايا الجنسية الأنثوية». ويمثل هذا 99.99% من جميع أشكال حياة الكائنات حقيقية النواة «الكائنات الحية التي تحتوي على خلايا ذات نواة»، ومن ثمَّ جميع الحيوانات والنباتات وكل شيء باستثناء أبسط أشكال الحياة.
نحن لا نعلم بالتحديد متى تطور التكاثر الجنسي، ولكنه بالتأكيد قد حصل قبل أكثر من مليار عام، أي أنه حصل في فترة ما بين مليار إلى ملياري عام كحد أقصى، حتى نوع البيوض التي تضعها الطيور بقشورها الصلبة كانت قد تطورت قبل أكثر من 300 مليون عام.
أما الدجاج، فقد أتى بعد ذلك بكثير، فهي حيوانات مدجنة تطورت نتيجة اختيار البشر الطيور البرية غير الوحشية، وتركها تتكاثر وتستهجن قبل 10000 عام في عدة أماكن على نحو مستقل.
يتفق العلماء عمومًا على أن السلف البري للدجاج هو الطائر الاستوائي «طائر الأدغال-Junglefowl» الذي ما زال يعيش في غابات مناطق جنوب شرق آسيا. وأدى وجود طائر الأدغال الأحمر مع أنواع أخرى من طيور الأدغال إلى مزيج جيني، مكونًا بمرور الزمن سلالة الدجاج. ونقل البشر الدجاج من تلك الأصول حول العالم قبل أكثر من ألفي عام.
لذا فإن البيض قد أتى قبل الدجاج بوقت طويل، ولكن لكي نكون منصفين بشأن روحية اللغز، ينبغي لنا أيضًا أن نفكر فيما إذا كانت البيضة قد أتت قبل الدجاجة، ونتيجةً لاستمرار اختيار الإنسان لطيور الأدغال المروضة وتربيتها معًا، فإن البنية الجينية في الأجيال الجديدة من تلك الطيور ستتغير، وفي مرحلة ما في أثناء عملية التدجين هذه، تطور طير الأدغال الأحمر«Gallus gallus» إلى نوع فرعي جديد سُمي «Gallus gallus domesticus» المعروف أيضًا باسم الدجاج.
بغض النظر عن أيهما أتى أولًا، يتفق العلماء والفلاسفة على أن الدجاج والبيض يجمعهما شيء مشترك، وهو أن كليهما لذيذ.
اقرأ أيضًا:
سؤال مهم: من أين جاء الدجاج وكيف كان داروين مخطئًا؟
الدجاج البري يسلط الضوء على عملية التطور
ترجمة: ياسين أحمد
تدقيق: غفران التميمي
مراجعة: هادية أحمد زكي