انطلقت حمى الذهب بكاليفورنيا باكتشاف شذرات الذهب بوادي ساكرامنتو في بداية 1848، وتُعد من أهم الأحداث التي شكلت تاريخ أمريكا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر. لمّا انتشرت أخبار الاكتشاف، سافر الآلاف من منقّبي الذهب المحتملين بحرًا أو برًا إلى سان فرانسيسكو والمنطقة المحيطة بها، وبحلول عام 1849 بلغ عدد سكان كاليفورنيا غير الأصليين قرابة 100 ألف (مقارنة بعددهم ما قبل 1848 إذ كان أقل من ألف). استُخرِج ما قيمته 2 مليار دولار من المعدن الثمين من المنطقة خلال حمى الذهب التي بلغت ذروتها في 1852.
منشرة ساتر
في 24 يناير 1848، وجد نجّارٌ أصيل من نيو جيرزي اسمه جيمس ويلسون مارشال قطعًا من الذهب في النهر الأمريكي في سفح جبال سييرا نيفادا قرب كولوما بكاليفورنيا. في ذلك الوقت، كان مارشال يعمل على بناء منشرة تعمل بالضغط المائي يملكها جون ساتر، وهو مواطن سويسري مولود بألمانيا ومؤسس مستعمرة (نويفا هلفيتيا – أي سويسرا الجديدة، التي أصبحت فيما بعد مدينة ساكرامنتو). ويذكر مارشال لاحقًا اكتشافه التاريخي هذا: «لقد جعل قلبي يخفق بقوّة لأنني كنت متأكدًا أنه كان ذهبًا».
بعد اكتشاف مارشال في منشرة ساتر، وُقِّعَت اتفاقية (غوادالوبي هيدالغو) التي أنهت الحرب المكسيكية الأمريكية وتركت كاليفورنيا تحت نفوذ الولايات المتحدة، وهو تحوّل ملحوظ في مجرى الأحداث ذو تبعات مهمة لأمريكا التي كانت تتوق للتوسّع غربًا.
في ذلك الزمن، تكونت جملة متساكني المنطقة من 6500 كاليفورني (أشخاص من أصول مكسيكية أو إسبانية) و 700 أجنبي (أمريكيون بالدرجة الأولى ) و150 ألف أمريكي أصلي (بالكاد نصف العدد الذي كان هناك عندما قدم المستوطنون الإسبان عام 1769).
في الحقيقة، استعبد ساتر مئات السكان الأصليين الأمريكيين واستعملهم مصدرًا للعمل المجاني وميليشيا احتياطية مؤقتة للدفاع عن منطقته وتوسعة إمبراطورتيه.
بداية حمى الذهب
رغم محاولة مارشال وساتر إبقاء أخبار الاكتشاف في الخفاء، انتشر الحديث عنه، وبحلول منتصف مارس ذكرت على الأقل صحيفة واحدة أن كميات ضخمة من الذهب يُنَقَّبُ عنها في منشرة ساتر. مع أن ردة الفعل الأولى في سان فرانسيسكو كانت التكذيب، سبّب مالك المتجر سام برانان صخبًا عندما طاف البلدة مستعرضًا قنّينة قارورة من الذهب حصل عليها من جدول ساتر.
وبحلول منتصف يونيو، فرغت الشركات والمتاجر إذ ترك ثلاثة أرباع سكّان سان فرانسيسكو الذكور المدينة قاصدين مناجم الذهب، وارتفع عدد المنقبين في المنطقة إلى ما يقارب 4 آلاف بحلول أغسطس.
عندما انتشرت الأنباء التي كان فيها الكثير من المبالغة حول العالم الذي التي تُخلَق فيه الثروات بسهولة في كاليفورنيا، كان أول المهاجرين الذين قدموا من أراضٍ يمكن العبور إليها بالقوارب مثل أوربغون وجزر «ساندويتش» (ما يُعرف الآن بهاواي) والمكسيك وشيلي والبيرو والصين.
يكتب بولك: «كانت الشهادات عن وفرة الذهب مذهلة جدًا لدرجة أنها نادرًا ما تصدق لولا الأدلة التي تستند على التقارير الأصلية للضباط في الخدمة العامة».
القادمون إلى كاليفورنيا عام 49
خلال 1849، اقترض الناس المتأثرون بحمى الذهب (وأغلبهم من الرجال) من كل أنحاء الولايات المتحدة الأموال ورهنوا أملاكهم أو أنفقوا كل مدخرات حياتهم ليجتازوا الطريق الوعرة إلى كاليفورنيا. سعيًا وراء ثروة لم يحلموا بها. تركوا عائلاتهم وبلداتهم. في المقابل، أخذت النساء اللواتي تُركْنَ وحدهُنَّ على عاتقهنّ مسؤوليات جديدة كإدارة المزارع أو الشركات والاهتمام بالصغار لوحدهن.
سافر الآلاف ممن يطمحون في التنقيب عن الذهب في العام 1849 برًا عبر الجبال أو بحرًا متجهين إلى بنما أو حتى حول كايب هورن أقصى نقطة جنوبًا في امريكا الجنوبيّة.
مع نهاية السنة، قُدّر تعداد السكان غير الأصليين بنحو 100 ألف (الذي كان 20 ألف في نهاية 1848 و 800 في مارس 1848). لتلبية احتياجات القادمين عام 49، تشكّلت قرى للتنقيب عن الذهب في كل أنحاء المنطقة، مجهّزةً بمتاجر وصالونات ودور دعارة وأعمال أخرى تسعى لكسب ثروتها الخاصة من حمى الذهب.
صارت الفوضى والاكتظاظ في مخيمات التنقيب خارجة عن القانون، إذ تفشّت السرقات والقمار وإدمان الكحول والدعارة والعنف. طوّرت سان فرانسيسكو من ناحيتها اقتصادًا مزدهرًا وصارت الحاضرة المركزية للحدود الجديدة.
الجانب السياسي لحمى الذهب
سرّعت حمى الذهب بالتأكيد قبول كاليفورنيا لتكون الولاية الواحدة والثلاثين في الاتحاد. في أواخر 1849، طلبت كاليفورنيا الدّخول إلى الاتحاد بدستور يمنع نظام الاستعباد العرقي في الجنوب، مُسبّبةً أزمة في الكونغرس بين مؤيدي العبودية والسياسيين المعارضين لها.
مناجم كاليفورنيا
بعد 1850، اختفى الذهب من سطح كاليفورنيا إلى حدّ بعيد، ومع ذلك واصل المنقّبون عن الذهب المجيء. كان التّنقيب دائمًا عملاً شاقًّا وخطرًا، ويتطلّب الإثراء حظًّا جيّدًا ومهارةً وعملاً شاقًّا. علاوةً على ذلك، انخفضت الحمولة اليوميّة للفرد المنقّب عن الذهب بالمعول والمجرفة انخفاضًا حادًا عمّا كانت عنه في 1848.
ولما أصبح إيجاد الذهب أصعب شيئًا فشيئًا، حوّلت صناعة التعدين المزيد من عمّال التنقيب من مستقلّين إلى عاملين بأجر. جلبت تقنية التّنقيب الهيدروليكيّة التي طُوّرت عام 1853 أرباحًا هائلةً لكنّها دمّرت الكثير من المناظر الطبيعية للمنطقة.
رغم استمرار التنقيب عن الذهب خلال خمسينات القرن التّاسع عشر، فقد بلغ ذروته عام 1852 عندما استُخرج 81 مليون دولار من الأرض. بعد تلك السنة، انخفضت الحمولة المستخرجة تدريجيًّا واستقرّت فيما يقارب 45 مليون دولار في السنة عام 1857. ومع ذلك، استمر الاستيطان في كاليفورنيا وبلغ تعداد سكان الولاية عند نهاية العقد 380 ألف.
تأثير حمى الذهب
غيرت طرق التعدين الجديدة والانفجار السكاني إثر حمى الذهب بكاليفورنيا المظهر الطبيعي للولاية تغييرًا واضحًا . جلبت تقنية التنقيب الهيدروليكية أرباحًا هائلةً لكنها دمرت الكثير من المناظر الطبيعية للمنطقة.
وغيرت السدود التي صُمّمَت لتزويد مواقع التنقيب بالماء مجاري الأنهار لتبتعد عن الأراضي الزراعية، بينما سدّت الترسبات من المناجم أنهارًا أخرى. وُجدَت صناعة قطع الأشجار ونقلها في المنطقة نتيجة للحاجة لبناء قنوات شاملة وتزويد المراجل بالماء، مُستهلكةً المزيد من الموارد الطبيعية.
في 1884، مُنع التعدين الهيدروليكي بأمر قضائي، وبعدها بقليل صارت الفلاحة هي الصناعة المهيمنة في كاليفورنيا وظلت كذلك إلى الآن. وبينما تبقى القليل من المناجم وقرى حمى الذهب، يظل كثير من إرث تلك الحقبة محفوظًا في أماكن مثل منتزه بودي التاريخي للدولة وهو بلدة مقفرة مضمحلّة، ومنتزه مارشال غولد ديسكوفري التاريخي للدولة حيث كانت تقع منشرة ساتر.
اقرأ أيضًا:
كيف كانت أمريكا الشمالية قبل الاستعمار؟
الثورة الصناعية: كل ما يجب أن تعرفه عنها
ترجمة: زياد نصر
تدقيق: دوري شديد
مراجعة: محمد حسان عجك