لا يحتوي سطح القمر الكثير مقارنةً بالأرض. فهناك فقط غبار وصخور وسهول بازلتية ناتجة من النشاط البركاني الشديد على مدى أزمنة طويلة من عمر القمر. اكتشفنا حديثًا وجود الكثير من الماء المرتبط بالحطام الصخري للقمر أو المحتجز في الزجاج البركاني، أو في صفائح من الجليد على السطح أو تحته بقليل، مختبئةً في الفوهات التي تتوارى في الظل الدائم قرب القطبين، حيث لا يمكن أن تبخرها حرارة الشمس.
ما زال مصدر الماء مجهولًا. لكن يقترح بحث جديد مصدرًا مثيرًا له، أحداثًا نعلم أنها حدثت على القمر في الماضي: البراكين.
طالما تساءل علماء الكواكب عن إمكانية وجود كميات كافية من جزيئات الماء في الانبعاثات الغازية لبراكين القمر القديمة، تسقط عائدةً إلى السطح وتشكل صفائح جليدية في مناطق الظل الدائم، يبدو الآن أن ذلك ممكن فعلًا.
كتب فريق من الباحثين بقيادة عالم الكواكب آندرو ويلكوسكي من جامعة كولورادو بولدر: «يقترح نموذجنا أن نحو 41% من إجمالي كتلة الماء التي ثارت في تلك الفترة ربما تكثف في صورة جليد في المناطق القطبية، بثخانة تصل إلى عدة مئات من الأمتار».
«يقترح عملنا أن أغلفة جوية قصيرة الأمد ناتجةً من الاصطدامات قد تخللت فترة النشاط البركاني في الأزمنة القديمة من عمر القمر، ما أتاح العزل الكافي لكميات كبيرة من الجليد في القطبين، ووفر الجليد وبخار الماء مؤقتًا في فترات النهار على جميع الارتفاعات».
يبدو القمر هادئًا اليوم، لكنه كان حارًّا وفوضويًّا ذات يوم. تلك الرقع الداكنة التي نراها عندما ننظر إلى البدر هي سهول واسعة من الصخور البركانية التي نتجت من فترة نشاط بركاني كبير ربما بدأت قبل 4.2 مليار سنة، استمرت حتى قرابة مليار سنة مضت، وحدث معظم النشاط في أول ملياري سنة من هذا الإطار الزمني.
نفثت عشرات آلاف البراكين حممها على سطح القمر، فغطته بالتضاريس البركانية.
قمر المشتري آيو هو الجرم الأغنى بالبراكين في المجموعة الشمسية حاليًّا بأكثر من 400 بركان معروف.
تضمنت هذه الثورانات سحبًا ضخمة من الغازات البركانية تكون معظمها من أول أكسيد الكربون وبخار الماء. ربما شكلت هذه الغازات أغلفةً جويةً رقيقة ومؤقتة حول القمر تبددت لاحقًا في الفضاء. لكن ماذا لو لم تُبدد الرياح الشمسية كل بخار الماء، واستقر بعضه في صورة جليد؟ هذا ما يفترضه ويلكوسكي وزملاؤه.
أجرى الفريق نمذجةً بناءً على معدل ثوران هائل كل 22000 سنة وسطيًّا. ثم درسوا معدل ضياع الغازات البركانية في الفضاء مقارنة بكمية الغازات التي تكاثفت وتجمدت واستقرت على سطح القمر.
وجدوا أنه في فترة بقاء الغلاف الجوي -نحو 1000 سنة- استقر نحو 15% من الماء مشكلًا جليدًا على الجانب الليلي للقمر، أي ما يعادل 8.2 ترليون طن من الماء. تبخر بعض هذا الجليد في ضوء الشمس مع الوقت، لكن ربما تبقى منه على مدى مليارات السنين ما يكفي ليكوّن نسبة كبيرة من الجليد الموجود اليوم، وفقًا للباحثين.
لا يعني هذا أنه من السهل إيجاده، فبعضه قد يكون مدفونًا على عمق عدة أمتار تحت سطح القمر. لكن لعل بعض الماء عند ارتفاعات أقل قد بقي على السطح طويلًا بما يكفي للتفاعل مع المعادن الموجودة هناك، أو احتجُز في الزجاج البركاني الذي انصهر عند اصطدام النيازك بسطح القمر.
اكتُشفت سابقًا أدلة على وجود ماء على القمر، ما يعطينا نقطة مبدئية للبحث عن أدلة تدعم نظرية نشوء الجليد من البراكين القمرية القديمة.
اقرأ أيضًا:
باحثون يقترحون استعمال مدار القمر لرصد موجات الجاذبية
العثور على كرات زجاجية غامضة على سطح القمر
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق: أكرم محيي الدين