أحد التنبؤات الأكثر إثارة للدهشة في الفيزياء هي التشابك الكمومي، وهي ظاهرة تجعل الأشياء تترابط معًا رغم أنها قد تكون على مسافة بعيدة. الأمثلة الأشهر للتشابك تتعلق بجسيمات صغيرة من الضوء «الفوتونات» ومستويات الطاقة المنخفضة.

في مصادم الهدرونات الكبير في جنيف، أكبر مُعجل جسيمات في العالم، اكتشفت تجربة (ATLAS) التشابك بين أزواج من الكواركات القمية، وهي الجسيمات الأثقل المعروفة في العالم.

وُصفت النتائج في ورقة بحثية جديدة من تعاون (ATLAS)، نُشرت في مجلة (Nature).

ما التشابك الكمومي؟

في حياتنا اليومية، نفكر في الأشياء أنها إما «منفصلة» وإما «متصلة». مثلًا، إذا كانت هناك كرتان تفصل بينهما مسافة كيلومتر، فإنهما منفصلتان. أما إذا كانتا متصلتين بخيط، فهما متصلتان.

عندما تكون الأشياء «متشابكة»، فلا يوجد اتصال مادي بينها، لكنها ليست منفصلة تمامًا. إذا قست أحدهما، يمكنك معرفة ما يحدث للآخر دون النظر إليه.

الأجسام المتشابكة تشكل نظامًا واحدًا، رغم عدم وجود شيء مادي يربطهما. وقد ثبت أن هذا الأمر يحدث مع الفوتونات التي تكون على جانبي مدينة.

سيكون المفهوم مألوفًا لعشاق سلسلة (3 Body Problem) المبنية على روايات ليو تسيتشين للخيال العلمي.

في العرض، ترسل الكائنات الفضائية حاسوبًا صغيرًا جدًا إلى الأرض للتلاعب بتقنياتنا والتواصل معنا. نظرًا إلى أن هذا الكائن الصغير متشابك مع توأم له في موطن الفضائيين على بُعد أربع سنوات ضوئية، يمكن للفضائيين التواصل معه والتحكم فيه.

هذا الجزء من القصة خيال علمي. لأن التشابك الكمومي لا يسمح لك بإرسال إشارات أسرع من الضوء. «قد يبدو أن التشابك يسمح بذلك، لكن وفقًا للفيزياء الكمومية فهذا غير ممكن، وكل تجاربنا حتى الآن تؤكد هذا التوقع».

لكن التشابك نفسه حقيقي. وقد ثبت لأول مرة للفوتونات في الثمانينيات، ما كان آنذاك تجربة رائدة.

اليوم، يمكنك شراء صندوق من مزود تجاري ينتج أزواجًا متشابكة من الفوتونات. التشابك هو أحد الخصائص التي تصفها الفيزياء الكمومية، وهي واحدة من الخصائص التي يحاول العلماء والمهندسون استغلالها لابتكار تقنيات جديدة، مثل الحوسبة الكمومية.

ما الكواركات؟

المادة تتكون من جزيئات، والجزيئات تتكون من ذرات، والذرة تتكون من جسيمات خفيفة تُسمى الإلكترونات التي تدور حول نواة ثقيلة في المركز، مثل الشمس في مركز النظام الشمسي. كنا نعلم ذلك من التجارب حتى عام 1911.

ثم علمنا أن النواة تتكون من بروتونات ونيوترونات، وبحلول السبعينيات اكتشفنا أن البروتونات والنيوترونات تتكون من جسيمات أصغر تُسمى الكواركات.

للكواركات ستة أنواع: «الكوارك العلوي» و«الكوارك السفلي» اللذان يشكلان البروتونات والنيوترونات، وأربعة أنواع أخرى أثقل.

الكوارك الخامس، المعروف باسم «كوارك القاع»، يزن نحو أربعة أضعاف ونصف وزن البروتون. أما الكوارك السادس، «الكوارك القمي»، فهو جسيم ضخم، أثقل قليلًا من ذرة التنجستن، 184 ضعف كتلة البروتون.

هل التشابك يجعل الكواركات القمية مميزة؟

على الأرجح لا. تقول الفيزياء الكمومية إن التشابك ظاهرة شائعة، ويمكن أن تتشابك جميع أنواع الأشياء. لكن التشابك أيضًا هش.

تُجرى العديد من تجارب الفيزياء الكمومية في درجات حرارة شديدة الانخفاض، لتجنب «الاضطرابات» التي قد تؤثر في النظام. حتى الآن، ثبت التشابك في الأنظمة التي يمكن للعلماء ضبط الظروف المناسبة فيها لإجراء القياسات.

لأسباب تقنية، فإن الكتلة الكبيرة جدًا للكوارك القمي تجعله مختبرًا جيدًا لدراسة التشابك. «لم يكن بالإمكان إجراء قياس (ATLAS) الجديد على الأنواع الخمسة الأخرى من الكواركات».

لكن أزواج الكواركات القمية لن تكون أساسًا لتقنية جديدة عملية، فلا يمكنك اصطحاب مصادم الهدرونات الكبير معك.

مع ذلك، توفر الكواركات القمية نوعًا جديدًا من الأدوات لإجراء التجارب. التشابك ظاهرة مثيرة للاهتمام بحد ذاتها، لذلك سنستمر في البحث لنرى ما يمكن أن نجده أيضًا.

اقرأ أيضًا:

ما هو الكوارك ؟

الكوارك: أحد الجسيمات الأولية الأساسية التي لا تُجزّأ

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: حسام التهامي

المصدر