تمكّن العلماء في إحدى المنصات التقنية التي أسستها شركة ناشئة تابعة لجامعة كورنيل من طباعة أذن بشرية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بدءًا من خلايا حية مأخوذة من ذات المريض، وبهذا كانوا السباقين في هذه التجربة السريرية.
حققت هذه التجربة تقدمًا هامًا في الهندسة الحيوية، ومنحت أملًا لتحسين نوعية حياة آلاف الأطفال، إذ يولد سنويًا في الولايات المتحدة الأميركية ما يقارب 1500 طفل مصاب بغياب صيوان الأذن الخلقي أو ما يسمى حالة مايكروشيا.
وعلى هذا النهج ربما نتمكن فيما بعد من زراعة أنسجة لعلاج حالات أخرى وبعض الإصابات الرضيّة، ونتوصل لطرق جديدة في المعالجة الترميمية والتجديدية والتصنيع الحيوي لأعضاء بأكملها.
أسس دان كوهن Dan Cohen -الحائز على شهادة ماجستير في العلوم وشهادة دكتوراه- ولورنس بوناسار Lawrence Bonassar -أستاذ في الهندسة الطبية الحيوية وهندسة الفضاء والهندسة الميكانيكية- شركة تابعة لجامعة كورنيل سُميت 3DBio Therapeutics.
عملت هذه الشركة على إنشاء منصة تستخدم كافة التقنيات والعمليات الهندسية لتطوير ودعم الطباعة ثلاثية الأبعاد.
قال بوناسار: «هذه المنصة حالة فريدة من نوعها تستخدم تقنيات مميزة وخاصة جدًا، حتى المواد المستخدمة في هندسة زراعة الأنسجة لم تطرح مسبقًا في التجارب السريرية».
تبدأ العملية بالحصول على خلايا غضروفية من الخزعة المأخوذة من أذن المريض المتأذية، واعتمادًا على نظام متخصص بزراعة الخلايا نمدد خلايا الخزعة باستخدام حبر حيوي يحتوي على كولاجين (ColVivo)، ثم نضع المواد السابقة في طابعة حيوية ثلاثية الأبعاد لتكوينها على هيئة أذن بشرية، أي الحصول على الحجم والقياسات الطبيعية للأذن البشرية، وبهذا تصبح الأذن المطبوعة جاهزة للزرع جراحيًا في جلد المريض مع غلاف حيوي مؤقت قابل للتحلل لتأمين الحماية والدعم الهيكلي.
بيئة تعاونية متعددة التخصصات
بدأ كوهن العمل على هذا المشروع قبل تخرجه في أوائل عام 2000، إذ كان يحاول طباعة مواد غير تقليدية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في مختبر ليبسن؛ ثم التحق بوناسار بهذا المشروع عام 2003 في جامعة كورنيل بعد دراسته هندسة الأنسجة لخمس سنوات في كلية الطب في جامعة ماساتشوستس، حيث عمل مع الرائد في علم هندسة الأنسجة تشارلز فاكانتي Charles Vacanti
عمل فاكانتي مع فريق حقق إنجازات مهمة وحظي باهتمام كثير من الصحف عندما زرعوا غضروفًا على شكل أذن بشرية في ظهر فأر.
التقى بوناسار مع ليبسون وكوهن، بتوصية من رئيس قسمه، وتشارك الثلاثة اهتماماتهم بالمجال نفسه لاستكشاف الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد.
قال بوناسار: «توصلنا في ذلك الاجتماع إلى أننا ربما نستخدم بعض تقنيات الطباعة المطورة في مختبر هود Hod لطباعة الخلايا المزروعة في الهلام المائي التي كنت أعمل عليها في مختبري»
تابع بوناسار: «تشكل بيئة العمل التعاونية متعددة الاختصاصات علامة فارقة لجامعة كورنيل، وتتطلب منا تفكيرًا إبداعيًا. حققت مع Hod مزيجًا جيدًا، إذ إن هود عالم يختص في علم صناعة الروبوت وأنا أعمل بالهندسة الحيوية، فاجتمعنا معًا واخترعنا طرقًا جديدةً للطباعة الحيوية، وبعدها نقلت أفكارنا من الورق وطبقت على أرض الواقع بجهود طالب طموح موهوب يبحث عن مشروع جيّد يعمل عليه».
بالتعاون بين مختبر بوناسار وأطباء من كلية الطب في جامعة كورنيل نُشِرت ورقة بحثية بنسختها المبدئية تتحدث عن الأذن المطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بدءًا من الخلايا الغضروفية المأخوذة من الحيوانات.
اعتبارًا من تاريخ نشر ورقة العمل، بدأت تنهال المئات من رسائل البريد الإلكتروني من آباء يسألون عن إمكانية تطبيق هذه التقنية الجديدة.
قال بوناسار: «أفجعني كم الآباء الذين يسألون فيما لو بإمكانهم معالجة أطفالهم المرضى بهذه التقنية الحديثة، إلا أن الجراحين يفضلون وجود خيارات بديلة».
تتوفّر حاليًا تقنيتان لعلاج غياب صيوان الأذن الخلقي، تعتمد الأولى استئصال غضروف من المريض ذاته ونحته ليشبه بذلك صيوان الأذن وبعدها يُزرَع في جيب جلدي على جانب رأس المريض.
أما الثانية فتقوم على استخدام بدائل بلاستيكية مصنوعة من البولي إيثيلين المسامي وزراعتها بذات الطريقة السابقة في رأس المريض.
ربما تتمكن منصة الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد من تقديم خيار علاجي ثالث للمرضى يقوم على زراعة أذن حية مصنوعة من خلاياهم.
انتصار جديد لصالح الهندسة
تابع كوهن العمل على هذا المشروع خلال دراسته لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه، بعد نيله شهادة الدكتوراه انتقل للعمل في شركة استشارات إدارية McKinsey and Company.
قال كوهن: «ركزت على أنماط مختلفة من المشاريع في صناعاتٍ عِدّة، وانضممت لفريق الممارسات المالية في شركة McKinsey، وبذلك أُتيحت لي الفرصة لمعرفة مهنية أوسع في سياق الأعمال التي تديرها شركات التكنولوجيا.
بعد أربع سنوات فكرت في فرصة لتطبيق تلك التقنيات في الممارسات السريرية، لذا اجتمعت مع لاري وهود وتناقشنا حول آلية المضي قدمًا بشركتنا وتحقيق المزيد من الإنجازات»
استغرقت إمكانية تطبيق الأبحاث الجامعية ونقلها إلى مشاريع تقنية واقعية ما يقارب ثمان سنوات من الجهد في مجال الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، وتطلبت سلسلة كاملة من الابتكارات، بدءًا من معالجة تمدد الخلايا وصولًا إلى اختراع حبر حيوي للعلاج، مع الحرص على الوصول إلى منتج طبي يتلاءم مع تعليمات هيئة الغذاء والدواء الأميركية المعروفة ب (cGMP).
تضم المرحلة (1/2a) من التجربة السريرية أحد عشر مريضًا، وتهدف هذه المرحلة لتقييم أمان هذه التقنية وفاعليتها ومدى صلاحيتها للتطبيق عند مرضى غياب الصيوان الخلقي.
أجرى الطبيب أرتورو بونيلا عملية إعادة بناء الأذن في المؤسسة الطبية Microtia-Congenital Ear Deformity Institute في تكساس، وكُرِّرت التجربة بيد الطبيب جون ريينيش في لوس أنجلوس.
قال بوناسار: «رؤية الباحثين الواضحة ونظرتهم الشاملة من بداية المشروع أوصلتنا إلى هذا الإنجاز العظيم، إذ تمكنا من صنع نسيج وظيفي قابل للزرع يُركز فقط على الوظيفة الميكانيكية للغضاريف. يمكننا القول أننا حققنا فعلًا انتصارًا هندسيًا».
عمل بوناسار وكوهن مدة طويلة على هذه التجربة السريرية.
عبر كوهن عن هذا الإنجاز قائلًا : «تغلبت 3DBio على الأوساط الأكاديمية في بعض الأماكن وتمكنت من صناعة تقنيات جديدة. غالبًا ما تحتاج التقنيات الحديثة بعض الوقت لتخطي العقبات ويُتبَع ذلك بتقدم سريع الخطى؛ رأينا ذلك في الطيران والحوسبة ومجالاتٍ أخرى عديدة. الآن غدت منصتنا التقنية ذات تأثير في حياة المرضى وبدايةً لمسارٍ علاجيٍّ جديد بعد أن تخطت كل العقبات التي واجهتها».
اقرأ أيضًا:
إعادة إحياء رئتين متضررتين لزرعهما لاحقًا بعد وصلهما بخنزير
للمرة الأولى زرع عضلات مستحدثة مخبريا لدى الإنسان
ترجمة: لجين بري
تدقيق: أمنيه يسري محمد