تنتشر البراكين على سطح القمر (آيو) الذي يدور حول المشتري كانتشار الأشواك على ظهر حيوان القنفذ.
يُعرف (آيو) بأنه أكثر العوالم نشاطًا بركانيًا في مجموعتنا الشمسية، إذ ينفجر 150 بركانًا من أصل 400 بركان نشط على سطحه، وتلفظ الغازات والحمم باستمرار في كل الأوقات.
بفضل مسبار جونو لرسم الخرائط الشفقية بالأشعة تحت الحمراء (Juno probe’s Jovian Infrared Auroral Mapper: JIRAM) الذي يرصد كوكب المشتري وما يحيط به، أصبحنا الآن نعرف الكثير عن قمر المشتري المتأجج.
يقول اليساندرو مورا عالم الفيزياء الفلكية في المعهد القومي للفيزياء الفلكية في إيطاليا: «أظهرت الدقة المكانية العالية لمسبار JIRAM بجانب موضع المسبار الدقيق في أثناء الدوران أن سطح (آيو) مغطى بالكامل ببحيرات من الحمم في حالة تشبه الكالديرا. نظن أن واحدة من هذه البحيرات تغطي نحو 3% من سطح هذا القمر».
يقع (آيو) ضحية لعبة جاذبية معقدة من شد الحبل، إذ إن مداره حول المشتري ليس دائريًا على نحو كامل أي أن قوة الجذب بينه وبين كوكبه تتغير تغيرًا كبيرًا بمرور الوقت كما أن أقمار المشتري الأخرى -كاليستو وأوروبا وجانيميد- ثقيلة بما يكفي لتؤثر قوة جذبها في (آيو).
ينتج عن هذا الصراع في الجاذبية ضغط هائل واقع على باطن (آيو)، ما يولد الحرارة التي تخرج على هيئة نشاط بركاني، فيصبح القمر الصغير حبة بطاطس شديدة السخونة.
في حين إننا نفهم جيدًا الديناميكيات التي تضغط باطن (آيو) وما لذلك من أثر في البيئة العامة حول كوكب المشتري، إلا أننا ما زلنا نجهل الكثير عن كيفية ظهور النشاط البركاني على سطح (آيو).
لحسن الحظ، تمكن مسبار جونو من رصد ذلك في أثناء طوافه لاستكشاف محيط المشتري. يدور المسبار حول بعض الأقمار، ويستخدم معداته في جمع معلومات أكثر قربًا ووضوحًا من أي وقت مضى، وقد أظهر المسبار القمر الكبريتي صور في غاية الدقة في أثناء مجموعة من الدورات شديدة القرب حول القمر.
لقد شهدنا روعة الانفجارات الفعلية للبراكين ورأينا اللاڤا (الحمم البركانية) تتأجج على السطح، ويقوم العلماء بتحليل بعض المعلومات التي وفرها المسبار خاصة مراقبات الأشعة تحت الحمراء الملتقطة بمسبار JIRAM التي توضح مؤشرات الحرارة على سطح (آيو).
تمكّن العلماء من خلال ذلك من مراقبة بحيرات اللاڤا المكونة من حلقة كبيرة من اللاڤا المكشوفة التي تتخبط بين الحواف وقشرة متصلبة في منتصف البحيرة السائلة وذات القشرة. تكون جدران البحيرة العالية حول التجويف العميق الذي تتجمع فيه اللاڤا. يكشف ذلك عن النشاط البركاني السائد على قمر (آيو).
يقول مورا: «لدينا الآن فكرة عن أكثر الأنماط البركانية شيوعًا على سطح (آيو)، وهي بحيرات اللاڤا الهائلة التي تتلاطم فيها أمواج الصهارة. تتكسر القشرة على طول جدران البحيرة لتكون حلقة من اللاڤا كتلك الموجودة في البحيرات البركانية بهاواي. قد يصل ارتفاع الجدران إلى مئات الأمتار، وربما هو السبب في أن الصهارة لا تسيل خارج تجويفها وعلى سطح القمر».
يقترح هذا أن اللاڤا تدخل التجويف من مخزن صهارة تحته وتُصرف بذات الطريقة، ما يتسبب في تغير منسوب البحيرات. تحتك القشرة الموجودة في المركز بالجدران، لكن تعلو وتهبط ما يسبب تآكل الحواف، ومن ثم تشكل حلقة من اللاڤا حول محيط البحيرة.
احتمال آخر أن الحواف تثقل بمرور الوقت وتغمرها اللاڤا، ما يشكل حلقة أيضًا.
يقول سكوت بولتون الباحث الرئيسي في جونو من معهد ساوث ويست للأبحاث في الولايات المتحدة: «تظهر المراقبات معلومات جديدة ومدهشة عن طبيعة (آيو) البركانية. بدمج هذه النتائج الجديدة مع خطة جونو طويلة الأمد لمراقبة البراكين الموجودة على القطبين الشمالي والجنوبي لقمر (آيو)، نجد أن مسبار JIRAM بالغ الأهمية لمعرفة كيفية عمل هذا العالم المعذب».
نُشر البحث في جريدة Nature Communications.
اقرأ أيضًا:
حقائق مدهشة عن قمر المشتري كاليستو
إلقاء الضوء على الطبيعة المعقدة للغلاف الجوي «للمشترى الساخن»
ترجمة: إسراء أسعد
تدقيق: ألاء ديب
مراجعة: هادية أحمد زكي