ما يزال بارانثروبوس إثيوبيكوس يمثل لغزًا لعلماء مستحاثات أسلاف البشر، فلم يُعثر إلا على عدد قليل جدًّا من بقايا هذا النوع. ساعد اكتشاف الجمجمة السوداء الشهيرة في عام 1985 -التي تبلغ 2.5 ملايين سنة من العمر- على تعيين هذا النوع باعتباره أقدم روبوست أسترالوبيثي (أو أسترالوبيثي قوي) معروف، ويُعتقد أنه انحدر من أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس، لذا يضمه بعض العلماء إلى جنس أسترالوبيثيكوس، إضافةً إلى أن بارانثروبوس كان اسم المجموعة الذي خُصّص في الأصل لنوع آخر جنوب أفريقي يعرف بـ بارانثروبوس روبستوس، وما تزال هناك تساؤلات عما إذا كان هذان النوعان مترابطين.
اتسم بارانثروبوس إثيوبيكوس بوجه بارز بوضوح، وأسنان كبيرة الحجم، وفك قوي، وعرف سهمي متطور أعلى الجمجمة، ما يقترح وجود عضلات مضغ ضخمة، ويسلط الضوء على قوة مضغ الأسنان الأمامية الناتجة عن العضلات المتصلة بالعرف السهمي من الخلف.
السلالة
توجد العديد من الأدلة التي تدعم فرضية أن بارانثروبوس إثيوبيكوس نوع منحدر من أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس، وفي حين اعتقاد البعض أن بارانثروبوس إثيوبيكوس أدى إلى نشوء بارانثروبوس بويزي، يربط البعض الآخر بارانثروبوس بويزي بـ بارانثروبوس روبستوس في فرع حيوي آخر يشتمل على سترالوبيثيكوس أفريكانوس باعتباره سلفهم المشترك.
وفي الجانب الآخر، تدعم حفريات مكتشفة حديثًا في النطاق الجغرافي لبارانثروبوس إثيوبيكوس فرضية تطور بارانثروبوس بويزي منه، يتراوح عمر الحفريات الجديدة بين عمري النوعين، كما تتسم بخصائص انتقالية بينهما.
تاريخ الاكتشاف والنطاق الجغرافي
اكتُشفَت أولى حفريات بارانثروبوس إثيوبيكوس في عام 1967 بواسطة إيفس كوبينز وكاميل أرامبورغ في حوض نهر أومو جنوبي إثيوبيا، وقد عيّنوها في جنس ونوع جديدين: باراسترالوبيثيكوس إثيوبيكوس، وفيما أن وضعهم في نوع جديد كان موضع خلاف، بدد اكتشاف آلان والكر للجمجمة السوداء الشهيرة في عام 1985 في كينيا كل الشكوك، إذ تعد الجمجمة السوداء (KNM-WT 15000) اكتشافًا عظيمًا، فقد كانت الجمجمة شبه مكتملة ومصطبغة بالمنجنيز.
حتى ذلك الوقت، كان هذا النوع مصنفًا من جنس أسترالوبيثيكوس؛ للاعتقاد السابق بأنه انحدر من أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس، وكانت توجد في تلك الأثناء ثلاثة أنواع معروفة من الأسترالوبيثيين الأقوياء في أفريقيا، وقد بدأت الجهود لتحديد علاقاتهم السلالية.
السمات الجسدية
تتسم الجمجمة بثقبة عظمى على شكل قلب، وهي تعد خاصية استثنائية تربط بارانثروبوس إثيوبيكوس ببارانثروبوس بويزي، على خلاف الثقبة العظمى بيضاوية الشكل عند أسترالوبيثيكوس أفريكانوس وبارانثروبوس روبستوس.
وتضمنت خصائصهم البدائية المشتركة مع أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس: قاعدة الجمجمة المسطحة، صغر حجم الدماغ (نحو 410 سم مكعب)، الأضراس الطويلة، ومدى بروز الفك السفلي، ولأن وجوههم كانت شديدة الاتساع وأدمغتهم صغيرة الحجم، كان هناك تضيق ملحوظ في الجمجمة خلف محجري العينين، أي أن المساحة بين الوجه والقحف العصبي كانت ضيقة. أما الخصائص القوية فتضمنت زيادة الكثافة العظمية للجمجمة والوجه والفك السفلي.
كانت عضلات المضغ قوية للغاية، وهو ما يتضح من العرف السهمي الممتد على طول خط المنتصف أعلى الجمجمة حيث تتصل العضلة الصدغية، وقد كان أعلى وأكثر اتجاهًا إلى الخلف بالمقارنة مع النوعين: بارانثروبوس بويزي وبارانثروبوس روبستوس.
كانت عظمتا الوجنتين متسعتين للسماح بمرور العضلة الصدغية من العرف السهمي إلى الفك السفلي ولتوسيع نطاق اتصال العضلة الماضغة، إحدى أكبر عضلات المضغ.
كانت عظمتا الوجنتين أيضًا أكثر بروزًا نحو الأمام بالمقارنة مع النوعين القويين الآخرين، وكانت لديهم عضلات قفوية (عضلات خلف الرقبة) كثيفة لتدعيم الوزن الثقيل للوجه والجمجمة، وكان موقع اتصال هذه العضلات القفوية نتوءًا متسعًا يلتقي في نهايته بالعرف السهمي.
يُوازن القوس الحاجبي الضخم في الأنواع القوية الجهد الناتج عن قضم الأطعمة القاسية، إلا أن الحواجب عند بارانثروبوس إثيوبيكوس كانت أصغر من النوعين الآخرين.
كانت الأضراس السفلية الثالثة متقاربة، أي أنها كانت أكثر تمركزًا في الناحية الوسطى بالمقارنة مع الضرسين الأول والثاني، ورغم اختلاف بعض العلماء، يجد البعض الآخر أدلة على وجود نظام جيوب وريدية أكثر اشتقاقًا في جماجم هذه الأنواع القوية.
يتألف هذا النظام من أوردة تجميعية كبيرة تصب نهايتها في الأوردة الوداجية، ما يتيح تصريفًا سريعًا مدعومًا بالجاذبية للدم من الدماغ، تركتْ أضخم تلك الجيوب وأكثرها ظاهرية عدة انطباعات على القبو القحفي من الداخل، وقد أصبح النظام أكثر تعقيدًا بعد زمن الأسترالوبيثيين.
وفي هذا الصدد، تزعم نظرية التبريد لـ«دين فالك» أن أسلافنا كانوا في حاجة إلى إبقاء أدمغتهم باردة مع زيادتهم في الحجم في بيئة ساخنة ومفتوحة.
البيئة وأسلوب الحياة
توجد أدلة على أن أسترالوبيثيكوس أفارينسيس كان بريًا أكثر من فرع الأسترالوبيثيين الجنوبيين، ما يقترح أن البيئة المعتادة للقردة قد تلاشت، إضافةً إلى حقيقة أن الأراضي العشبية كانت آخذة في الاتساع والأراضي المشجرة في الانكماش.
ومع افتراض أن بارانثروبوس إثيوبيكوس قد انحدر من أسترالوبيثيكوس أفارينيسيس، يمكننا أن نستنتج مكونات نظامهم الغذائي بناءً على تكيفهم مع طبيعة البيئة التي عاشوا فيها.
اقرأ أيضًا:
مستحاثة عمرها 3.3 مليون سنة قد تحمل معلومات عن أصل العمود الفقري البشري
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: حنين سلَّام