الفوتون المنعكس زمنيًا لا يمكن أن يُستخدم في السفر إلى المستقبل لكن يمكنه مساعدتنا في التعرف على أكثر ألغاز الكون غموضًا.
يمكن للاتجاه الزمني المزدوج أن يساعد الفيزيائيين على فهم أفضل لطبيعة الثقوب السوداء.
لأول مرة استطاع الفيزيائيون جعل الضوء يتحرك للأمام والوراء في الوقت نفسه على سهم الزمن. تلك التقنية الجديدة يمكنها أن تساعد الفيزيائيين في تحسين فهمهم للحوسبة الكمومية والجاذبية الكمية.
بفصل الفوتون أو حزمة ضوئية باستعمال كريستالة بصرية خاصة، استطاع فريقان فيزيائيان منفصلان تحقيق ما وصفوه «بالانعكاس الزمني الكمي»؛ حيث يوجد الفوتون في كلا الاتجاهين الزمنين للأمام والخلف في الوقت ذاته.
نتج ذاك التأثير عن مبدأين غريبين في ميكانيكا الكم، حيث القواعد غير المألوفة التي تحكم عالم الجسيمات. المبدأ الأول هو مبدأ التراكب المكاني الكمي، إذ يمكن للجسيمات الكمية أن توجد في أكثر من مكان في الوقت عينه، أو أن توجد أشكال مختلفة للجسيم الواحد في الوقت نفسه إلى أن يتم رصده. أما المبدأ الثاني فهو CPT -تناظر الشحنة والسوية والانعكاس الزمني- الذي ينص على أن القوانين الفيزيائية تُطبق بالطريقة ذاتها على جميع الأنظمة، حتى لو انعكست شحنات الجسيمات والإحداثيات المكانية واتجاه الحركة عبر الزمن؛ أي تنعكس وكأنها تظهر من خلال مرآة.
بواسطة دمج هذين المبدأين استطاع الفيزيائيون إنتاج فوتون يسافر إلى الأمام إلى المستقبل وإلى الوراء معكوسًا في الوقت ذاته على سهم الزمن.
نُشرت الورقتان لتلك التجارب في 31 أكتوبر وفي الثاني من نوفمبر عام 2022 في موقع ArXiv، ما يعني إن النتائج لم تُراجع بعد.
وفقًا لما صرح به تيودور سترومبيرج، الفيزيائي التابع لجامعة فيينا والمؤلف الرئيسي للورقة، لموقع live science: «يتضح لنا أن مفهوم سهم الزمن يعد أحادي الاتجاه مثلما نلاحظه في العالم الماكروسكوبي الذي نعيش فيه. هذا في الواقع يتعارض مع العديد من القوانين الأساسية في الفيزياء، التي هي إلى حد كبير متناظرة مع الوقت، بالتالي ليس لها اتجاه زمني مفضل».
ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية إن إنتروبيا النظام -وهو اتجاه اضطرابه- لابد أن يزداد؛ وهذا ما يُعرف بسهم الزمن. إذ إن الإنتروبيا واحد من الكميات الفيزيائية التي تستخدم الزمن لتحديد اتجاه جزيئاتها.
اتجاه تنامي تلك الفوضى يفسر لماذا من السهل خلط المكونات، بينما يصعب فصلها عن بعضها. وإن ذلك الاضطراب المتنامي للنظام الإنتروبي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإحساسنا بالزمن.
يوضح مشهد مشهور من رواية «مسلخ 5» لـ كورت فونيغوت، كيف أن الإنتروبيا المختلفة تجعل اتجاه الزمن يبدو معكوسًا من خلال عكس أحداث الحرب العالمية الثانية؛ إذ يُسحب الرصاص من أجساد الجنود المصابين، والحرائق تضمحل وتتحول إلى قنابل.
هنا يزيل سهم الزمن المعكوس الفوضى والدمار الذي خلفته الحرب.
وعلى الرغم من ذلك فإن النظام الإنتروبي يعد نظامًا إحصائيًا بالأساس، لذا لا يمكن تطبيقه على الجزيئات دون الذرية المفردة.
في الواقع في كل التفاعلات الجسيمية التي رصدها العلماء إلى الآن متضمنةً أكثر من مليار تفاعل في الثانية الواحدة، يحدث داخل أكبر المفاعلات في العالم «مصادم الهيدرونات الكبير»، حدث تأييد تناظر الشحنة والسوية. لذلك يبدو أنه لا يمكن تمييز تلك الجسيمات التي تتحرك للأمام على السهم الزمني من جسيمات المادة المضادة، التي تعد معكوسة النظام إذ تأخذ اتجاهًا زمنيًا معكوسًا.
خُلقت المادة المضادة مع المادة أثناء الانفجار العظيم. في الحقيقة هي لم تتحرك إلى الوراء على السهم الزمني، ولكن أصبح سلوكها كما لو أنها اتبعت الاتجاه الزمني المعاكس للاتجاه الزمني الخاص بالمادة العادية.
العامل الآخر الذي يلعب دوره في التجربة الجديدة هو التراكب الكمي. تعد قطة شرودنجر أشهر تجربة كمية تدعم التراكب الكمي، وهي تجربة فكرية قام بها شرودنجر بافتراض وضع قطة داخل الصندوق مغلق مع قارورة من السم تطلق سمهًا بإشعاع جسيم ألفا.
إذ تعد عملية التحلل الإشعاعي عمليةً كميةً تحدث عشوائيًا، لذلك من المستحيل في البداية معرفة ما حدث للقطة داخل الصندوق، إذن ستكون في حالة تراكب كمي، بمعنى إنها ستكون حيةً وميتةً في الوقت ذاته إلى أن يُفتح الصندوق، وترى القطة (عملية الرصد).
بيّنت تلك الحالة الكمية التراكبية، وجود حالتين في الاتجاه الزمني للأمام وللوراء في وقتٍ واحد، ولكن مشاهدة ذلك التأثير مباشرةً شيء صعب.
وللحصول على ذلك، أجرى كلا الفريقين بتجارب مماثلة لفصل الفوتون في أثناء حالة تراكبه إلى مسارين عبر كريستالة. ذلك الفوتون المتراكب سيمر عبر الكريستالة بشكل طبيعي، ثم ينشأ مسار آخر بسبب تغير استقطاب الفوتون، فيتحرك كما لو كان يسافر للوراء على سهم الزمن.
بعد إعادة دمج الفوتونات المتراكبة من خلال إرسالهم عبر كريستالة أخرى، قام الفريق بقياس استقطاب الفوتون بعدد من التجارب المعادة. وكانت النتيجة أنهم وجدوا نمطًا للتداخل الكمي، وهو نمط من خطوط مضيئة ومظلمة توجد إذا فُصل الفوتون بالفعل وتحرك في كِلا الاتجاهين الزمنيين.
وفقًا لما قاله ستروميبرج: «إن عمليات التراكب التي وجدناها تعد أقرب إلى جسم يدور مع وعكس عقارب الساعة في الوقت ذاته. إذ ابتكر الباحثون الفوتون المعاكس للزمن بدافع الفضول الفكري، ولكن بمتابعة التجارب اتضح أنه يمكن دمج الاتجاه الزمني المعاكس مقترنًا بعكس ما يحمله من المنطق، لتمكين حوسبة التزامن في كلا الاتجاهين. ذلك يفتح الطريق للعمليات الكمية مع تحسين كبير في قوة المعالجة».
«تنبثق لدينا أيضًا بعض الاحتمالات النظرية من العمل. إذ يمكن للجسيمات المتضمنة في نظرية المستقبل الجامعة بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة أن يكون لها اتجاهان مختلفان في الزمن، مثل التي كانت في التجربة. ويمكن لها أيضًا أن تُمكن الباحثين من النظر بصورة أعمق في أكثر ظواهر الكون غموضًا».
يقول الفيزيائي جوليو تشيريبيلا التابع لجامعة أوكسفورد، والذي يعد المؤلف الرئيسي للورقة الأخرى: «تعد تجربتنا محاكاةً لسيناريوهات غريبة، إذ يمكن أن تتحرك الفوتونات للأمام وللخلف عبر سهم الزمن، أي إنها تمثل نظيرًا للفيزياء الغريبة، مثل فيزياء الثقوب السوداء والسفر عبر الزمن».
اقرأ أيضًا:
في نظرية غريبة، باحثون يقترحون عدم وجود الزمن في كوننا
دراسة موجات الجاذبية التي تحصل في الزمكان لمعرفة لحظة بداية الزمن
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: منال توفيق الضللي