يشير نموذج جديد إلى أن الكون لم يمر بمرحلة «انفجار عظيم» أعقبه تضخم مثلما يقترح النموذج السائد، بل بدورات من «الارتدادات». على الرغم من أن هذا ما زال بعيدًا جدًا عن أي شيء مؤكد، يعتقد المؤلفون أن هذا النموذج قد يساعد على حل بعض الألغاز الكونية، بما في ذلك المادة المظلمة ومشكلة «التسطيح».

ربما لاحظت أن هناك بعض المشكلات في علم الكونيات والفيزياء التي يحاول العلماء حلّها؛ وإحدى هذه المعضلات، إلى جانب المادة المظلمة والطاقة المظلمة، هي أن الكون يبدو نوعًا ما مسطحًا.

لكن ماذا نعني بكون مسطح؟

وفقًا لوكالة ناسا: «كثافة الكون تحدد أيضًا هندسته؛ فإذا تجاوزت كثافة الكون نقطة الكثافة الحرجة، فإن هندسة الفضاء تكون مغلقة ومنحنية إيجابيًا مثل سطح الكرة، وهذا يعني أن مسارات الفوتونات المتوازية في البداية تتقارب ببطء، ثم تتقاطع وتعود إلى نقطة البداية، وذلك إذا استمر الكون فترة كافية».

«إذا كانت كثافة الكون أقل من الكثافة الحرجة، فإن هندسة الفضاء تكون مفتوحة (غير محدودة) وسالبة الانحناء مثل سطح السرج».

«أما إذا كانت كثافة الكون تساوي بالضبط الكثافة الحرجة، فإن هندسة الكون تكون مسطحة مثل ورقة وبامتداد لا نهائي».

في الكون المسطح، تظل الخطوط المتوازية متوازية، وهذا هو نوع الكون الذي يبدو أننا نعيش فيه، وفي حين أن هذا يجعل دراسة الكون أبسط، غير أنه يأتي بمعضلاته الخاصة، إذ يعتمد شكل الكون على متوسط كثافة المادة بداخله.

توضح ناسا ذلك: «إذا كانت كثافة المادة أقل من الكثافة الحرجة، فإن الكون يكون مفتوحًا ولا نهائيًا، وإذا كانت الكثافة أكبر من الكثافة الحرجة، فإن الكون يكون مغلقًا ومحدودًا. أما إذا كانت الكثافة تساوي الكثافة الحرجة، فإن الكون يكون مسطحًا، لكن ما زال الافتراض قائمًا بأنه لا نهائي».

في العمر الحالي للكون، تبدو الكثافة قريبة جدًا من «الكثافة الحرجة»، ما يجعله قريبًا من أن يكون مسطحًا.

لقد كانت هذه مشكلة صغيرة لنماذج الانفجار العظيم للكون، وذلك عندما اكتُشفت مشكلة التسطيح أول مرة لأن الانفجار العظيم الساخن والكثيف سيكون أعلى من الكثافة الحرجة، فلماذا نتج الكون المسطح الذي نشهده اليوم؟

في حين، قد تفسر النماذج التضخمية ذلك من خلال حدوث التضخم بسرعة كبيرة جدًا، غير أن بعض العلماء ما زالوا يبحثون عن خيارات أخرى. بينما يقترح الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل روجر بنروز نموذجًا يسمى «علم الكونيات الدوري المتوافق» الذي يُعد بعيدًا عن أية فكرة مقبولة، إلا أنه مثير للاهتمام مع ذلك، فإن هنالك فكرة أخرى تقول إن الكون يمر بدورات من «الارتدادات».

مثل نظرية الأوتار أو «ميكانيكا النسبية المعدلة» MOND، هناك عدة إصدارات مختلفة من هذا، ففي ورقة بحثية جديدة، نظر فريق إلى «علم الكونيات الارتدادي للمادة غير المفردة»، إذ يرتد الكون بين حالة ساخنة وكثيفة وحالة الكون التي نراه حولنا اليوم.

«هذا السيناريو الكوني خالٍ من مشكلة التفرد الأولية الموجودة في علم الكونيات التضخمي، ويحل أيضًا مشكلات التسطيح والأفق الخاصة بنظرية (الانفجار العظيم الساخن القياسية HBB)» وذلك وفقًا لما أوضحه الفريق في ورقته البحثية، «ويؤدي إلى ظهور أطياف طاقة انحناء متّسقة على نطاقات واسعة، ومن ثم يتوافق مع ملاحظات (الخلفية الكونية الميكروية)».

نظر الفريق في مدى توافق الثقوب السوداء الأولية (PBHs) في مثل هذا النموذج، وأوضح: «على نحو مثير للاهتمام، يمكن للثقوب السوداء الأولية PBHs أن تكون بمثابة بوابة جديدة لاستكشاف السيناريوهات الكونية والجاذبية البديلة».

«لقد وجدنا آلية جديدة مستقلة عن النموذج الطبيعي لتشكيل الثقب الأسود الأولي PBH خلال الحقبة التي سيطر فيها إشعاع الانفجار العظيم HBB، ضمن سياق علم الكونيات الارتدادي للمادة غير المفردة، إذ إن تعزيز اضطرابات انحناء الأفق الفائقة على نحو خاص خلال مرحلة انكماش المادة بالاشتراك مع فترة انتقالية قصيرة من تقلص المادة إلى الكون المتوسع HBB، قد يؤدي إلى تعزيز اضطرابات الانحناء على نطاقات صغيرة خلال مرحلة الانفجار العظيم، ما يؤدي إلى الانهيار لتكوين الثقوب سوداء أولية PBHs».

يقترح الفريق أنه في هذا النموذج، ستتشكل مجموعة من أحجام الثقوب السوداء، بدلًا من مجرد الكتلة النجمية وأجسام الكتلة الفائقة للثقب الأسود التي أكدوها من خلال الملاحظات.

«من المثير للاهتمام، أن الثقوب السوداء الأولية التي وجدناها قد تقع ضمن إطار كتلة الكويكبات غير المقيدة بالملاحظات، ما قد يفسر مجمل المادة المظلمة».

لقد اقتُرحت الثقوب السوداء الأولية بصفتها تفسيرًا محتملًا للمادة المظلمة سابقًا، لكن في هذا النموذج ستكون تلك الثقوب بقايا فترة ما قبل الانفجار العظيم (أو الارتداد)، بسبب اضطرابات صغيرة خلال هذه المرحلة من تشكل الكون.

بينما يبدو هذا الأمر مثيرًا للاهتمام، ويتوجب علينا أن نكون منفتحين على نماذج بديلة، فإنه بعيد كل البعد عن مقولة: «حُلّت المشكلة». لذا يبقى النموذج التضخمي هو التفسير الأفضل لدينا لما نراه حتى الآن، ويقدم الفريق جاهدًا طرقًا محتملةً للبحث عن الأدلة بطريقة أو بأخرى.

«من المذهل حقًا أن اضطرابات الانحناء المعززة التي تنهار لتصبح ثقوبًا سوداء أولية، قد تُحفز أيضًا خلفية موجة الجاذبية العشوائية التي يمكن اكتشافها من خلال التجارب المستقبلية، مثل: SKA وPTAs وLISA وET، ما يوفر بوابة جديدة لاستكشاف الطبيعة الارتدادية للظروف الأولية السائدة في الكون المبكر».

اقرأ أيضًا:

الأرض ليست مسطحة، لكن دراسة جديدة تفترض أن كوكب المشتري كان كذلك

هل تريد إثبات كروية الأرض بنفسك؟ إليك عشر طرق لفعل ذلك

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر